الأحد ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم صالحة رحوتي

المرأة بين مطرقة التقاليد وسندان الحداثة

يوم عالمي آخر للمرأة يُهلل له ويُحتفل به كما أيام أُخَر جُعلت لها تواترت على مدار السنين...يوم آخر تتعالى فيه الأصوات بالحديث عن تلك المعنية بالأمر وحولها...ثم والحال لتلك المرأة كما هو، ولا تبدوعليه آثار البرء، بل هي عوارض المرض ما تزال تتفاقم وحتى تصرخ وتطالب بالاستقراء وبالتمحيص، وذلك من أجل إيجاد الترياق ضروري لكي يُتمكن من بدء العلاج.

ولا شك أن تفعيل كل الحقوق الواجبة للمرأة المسلمة ـ وتوجد في ثنايا شرائع دين لها اعتنقته منذ 15 قرنا ـ كافية لتخليصها من وهدة الرق الآسنة، لكنها تلك الحقوق وللأسف الشديد ما زالت لم تظفر منها هي لحد الآن إلا بالشذرات يتفضل الرجل بإعطائها لها معتقدا أن المزيد من الحقوق قد تطغيها، وقد تفسد من طبيعتها المنقادة، تلك التي استمرأ هوالتعامل معها، وكذا الاستفادة من وراءها منذ الجاهلية وإلى حد الآن...
ولعل حال المرأة في البلدان الإسلامية هوما يجسد ـ وبوضوح ـ ذلك التيه المستحكم فينا وينخر كياناتنا في هذا الواقع المرير، إذ هوذاك النموذج بامتياز الذي يدلل على عمق الشرخ بين ما يقرره الدين المعتنق من قبلنا،وبين ما هوسائد في عمق عقولنا ونعيشه على أرض الواقع الآن...
هوالنكوص عن الحق فيما يخص الشقيقة في الأحكام، وهونبذ الدين الصواب
واتباع السبل متفرقة شتى،وهوذلك الاتهام المتواتر بالنقص وبالعوج جورا ما انغرز عنفه في المرأة فأنتج نقصا واعوجاجا، وحتى انحطاطا وترديا ما كانوا فيها في الأصل أبدا...
إنه النص الديني أوبنود الحداثة ما يُبرَّر به انتحاء ذلك المسار المدمر للمرأة أوذاك،وهوالاتكاء على الفهم المعوج لنصوص قيلت في ظروف معينة ما هووراء ذلك الظلم الذي طالت آثاره وتداعياته المرأة فأضحت إما هي:

* ـ تلك التي استكانت وتراخت، ثم واستسلمت للتقاليد مخدرة ـ وما فيها إلا الشذرات من الدين ـ فانمحت شخصيتها، وأضحت الجسد ينساق ولا عقل ولا فكر..

* ـ أوتلك التي عاندت، ومن ثم نبذت كل موروث حتى المقدس منه، وانبرت تنقب عند الغير عن كل ما يمكن أن يرفع ربق الحيف الجاثم الكاتم للأنفاس منها...

وهكذا ضاعت في السيلين جارفين لهذين السبيلين، وكذا أصبحت اللعبة يتقاذفها الرجال الذين ما انعتقت من الأغلال يمسكون بطرفها، ثم ويسوسونها بها سواء أكانت تسبح في خضم هذا التيار أوذاك...
ولعلني أتمكن فيما سيأتي من عرض بعض مظاهر هذا التيه ضمن ما سأورده ومن خلال التمثيل بمجالين يتعلقان بها هي المرأة:
ـ مجال اللباس.
ـ ومجال الحق الجسدي.

1 ـ اللباس:

انحرف المسار الذي سير بالمرأة فيه في هذا المجال، إذ هذا المحور بالذات هوأكثر ما سقطت المرأة ضحية للمزايدة فيه بين الرجال عبر الحقب والعصور.
إذ انبرى للتخطيط لها ولتفكير عوضا عنها في هذا الباب الرجل، ذلك الذي فعل بعد أن اقتنع وأقنع بأنه ما فعل إلا لأنها الجاهلة تلك المرأة، وكذا المحتاجة لمن يمسك بالنبراس نيابة عنها مبينا لها العثرات في منعرجات الطريق.

ولجهل فيها مؤكد وجوده،وذلك لتواتر الجور طالتها كلاليبه وأمسكت بتلابيبها عصورا ممتدة بفعل الحبس في البيوت، وبسبب المنع من ارتياد فضاءات التعليم والتعلم، انقادت واستسلمت في الأغلب الساحق، وحتى استمرأت ما هي عليه من تبعية بفعل تردي أدوات الإدراك، وكذا تلاشي آليات استشعار عوارض الارتكاس والاندحار.

وهكذا انحسرت أمواج وتلاطمات التدافع الفكري في الواقع الحالي ـ ذلك المترتب عن صيرورة التاريخ ـ عن تيارين متطرفين في هذا الباب أُلقي بالمرأة في أتونهما، وسير بها حسب نوعية القناعات الراسخة لدى ذلك الرجل السائس لها الممسك بزمام الفكر منها:

أ ـ التيار التقاليدي:

في إطار هذا التيار تجووزت النصوص الدينية الصحيحة المحررة للمرأة في هذا المجال، وقُضي على الحرية التي تمتعت بها في العصر الزاهر عصر النبوة، وذلك حين شاركت بلباسها الإسلامي الشرعي المعقول في كل مجال وفي كل نشاط حتى التجاري والعسكري منها.

فالدين الإسلامي ليس دين عسر ولا تناقض، وإنما هودين اليسر والمنطق، فهمه الأمي والأعرابي الموغل في البداوة والجهل على عهد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أنه الصدق وأنه الرحمة وأنه العدل ومكارم الأخلاق والرفق في الأمر كله...

هودين واحد ومنهج واحد، ما فيه مصلحة العباد والبلاد.
فليس هنالك إسلام للمشرق وآخر للمغرب، وإسلام لطالبان وإسلام للصوفية،إنه إسلام واحد وليس الاختلاف إلا في فهوم جمدنا عليها للدين، كل جمد على ما استساغه أجداده، ومن ثم لم نعط لعقولنا الحق في أن نرجع للنصوص نستقرئها من أجل التوصل إلى الحقيقة وإلى سعادة الدارين.

ثم هي عصور انحطاط للعقل "المتأسلم" كانت،وجعلت لهذا الدين كهنوتا وأحبارا قدسهم الناس وأقوالهم، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يعودوا إلى النصوص الأصلية من أجل استقرائها وإتباع ما فيها...

فَهِمَ أولائك الفقهاء الدين في عصورهم التي مضت، وجمدنا نحن على ما فهموا
وأغلقنا باب الاجتهاد، ثم ولُكنا نتاج ذلك الماضي واجتررناه ردحا طويلا من الزمن، حتى أعطينا الفرصة لمن هم منا ليتنادوا أن "ها هوالدين لم ينفعنا في شيء... تأخرنا وتقدم الناس من حولنا" فنبذوه، واحتموا بأولائك الناس من الغير يمتحون من فتات سمحوا لهم بالتقاط البعض منها...

إنه الخلل فينا، نحن الذين بحثنا ونبحث في كل شيء، إلا فيما ينصلح به حالنا من إعادة قراءة ثوابت ديننا لكي نخلصها من الشوائب والدرن.

إذ الاكتفاء بما فعله القدماء من تفكير حول الدين لا يجزي، وعلينا نحن أيضا أن نعطي هذا الميدان ما يكفي من الوقت من أجل استيعاب ثنياته ومساحاته، ولا نكتفي بتكرار الموروث وباجترار الحيرة واستمراء الضياع...

فبحجة "سد الذرائع" ابتدع الفقهاء" الذكوريون" حججا شتى من أجل سجن المرأة ومصادرة حقها في التواجد الحر في كل الفضاءات النظيفة المتاحة للرجل، وكذا في المشاركة الفعالة البناءة في كل الميادين المؤدية إلى تنمية المجتمع، هذا الحق الذي كان لها أن تمارسه دونما رقابة سوى تلك الكامنة في القلب منها منبعها استحضار وجود الله.

وهكذا كانت المبالغة في عزلها وإخفاءها، ونصب الرجل نصب نفسه حارسا لعفتها، مبررا فعله بجهلها لما يمكن أن يقف بينها وبين الانحراف من العلم الشرعي، وذلك بعد أن عمل هوبنفسه على تجهيلها بدينها وبدنياها عن طريق حبسها في البيوت مخافة أن تنالها جسدها الأعين الجائعة لغيره من بني جنسه من الرجال، كما دأب أن يفعل هوبأجساد نساء الغير إن أتيحت له فرصة المشاهدة والإطلاع...

وكان ما نراه في بعض الدول ـ لحد الآن ـ من إلزام للمرأة بمعايير معينة للباس الذي يستر منها كل شيء حتى الوجه المحدد لهوية الإنسان.

وبالرغم من أن اللباس الإسلامي يتحدد في ما أجمع عليه العلماء من ستر كل الجسد ما عدا الوجه والكفين مع مراعاة عدم الضيق والشفافية في الثوب، ألزمت المرأة باللون الأسود مع إسدال الثوب حتى على الوجه، ومن ثم رفعت الكلفة والمشقة عن الرجل، ذلك الذي طالبه الشرع بغض البصر...

ولعله من المنطقي أن يطرح سؤال حول هذا المضمار وفي هذا الخضم بالذات:
إذا كانت المرأة محبوسة في البيت، ولا تخرج إلا نادرا بحجة "الاختلاط" في أماكن العمل والتعلم، وحين تخرج تبدووكأنها الخيمة سوداء، فلماذا الخطاب بغض البصر؟

أعن ظاهر الثوب الأسود الفضفاض؟

إذ هوبصراحة لا أثر للجمالية فيه ـ وتغري بارتكاب الفاحشة ـ تدفع الله الحكيم العليم أن يأمر بغض البصر خوفا من تأثيرها!!!

فالأدلة الشرعية متوفرة في القرآن والسنة بخصوص هذا الأمر الشرعي للرجل:

ـ من القرآن الكريم:

ـ "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (1)

ففي هذه الآية الكريمة يبدوأمر الله واضحا وصريحا للمؤمنين بغض البصر، وما ذلك إلا عن شيء ما يشاهد وينظر إليه وهوغير المستور ولا المغطى.

• ـ من الحديث الشريف:

+ ـ " حدثنا ‏ ‏معاذ بن فضالة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبوعمر حفص بن ميسرة ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏ عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: ‏ ‏إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، ‏ ‏قالوا: ‏ ‏وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر".(2)

فهل يعقل أن يأمر خير البرية بغض البصر حين الجلوس في الطرقات عن أشكال سوداء متحركة لا تكاد تبين شيئا مما تخفيه؟؟؟

+ ـ " حدثني ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن زريع ‏وحدثنا ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ابن علية ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏وحدثني ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏عمروبن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏عن ‏ ‏جرير بن عبد الله ‏ ‏قال:سألت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن نظر الفجاءة ‏ ‏فأمرني أن أصرف بصري،‏ وحدثنا ‏ ‏إسحق بن إبراهيم ‏ ‏أخبرنا ‏عبد الأعلى ‏وقال ‏ ‏إسحق: أخبرنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏مثله ".(3)

ثم هل نظر الفجاءة للمرأة الملفوفة بالسواد الساتر من الرأس إلى أخمص القدمين مما يقتضي صرف البصر كما أمر سيد الخلق؟ إذ لا داعي والحالة هذه لصرف البصر أصلا ما دام الثوب يستر كل شيء!!

+ ـ" حدثنا ‏ ‏إسماعيل بن موسى الفزاري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ربيعة الإيادي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال:قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لعلي ‏ ‏يا ‏ ‏ علي ‏ ‏لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ".(4)

وكذلك أويمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر عليا رضي الله عنه بغض البصر قد أمر بعدم تكرار النظر إلى ظاهر ثوب أسود فضفاض؟؟

ويبقى بلا شك أن ارتداء اللباس بالشكل المشار إليه أعلاه ـ ثوب أسود يلف كل الجسد حتى الوجه والكفين ـ مسألة تتعلق بالحرية الشخصية لكل امرأة، فمن رأت نفسها راغبة في ذلك فلها أن تفعل، على أن لا تعتقد أن من لا تلبس على شاكلتها وتكشف وجهها آثمة...فتلك خصوصية لأمهات المؤمنين والله خاطبهن في كتابه العزيز بقوله:

"... يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا "(5).

فالنقد متعلق هنا بالإكراه من الرجل للمرأة على لبس ذلك النوع من اللباس، ثم حصر الزي الإسلامي عليه وكذا نبد ما سواه،بل وبالقول بأن ما عداه من ألسبة للنساء وتظهر الوجه والكفين هي من قبيل التبرج ليس إلا...
والمشكلة تكمن في إجبار من لا ترغب في ذلك على الإتباع القسري، فيكثر من ثَمَّ التحايل والخداع.

ولعل من زار تلكم البلدان التي يسود فيها ذلك النمط من اللباس قد رآى بوضوح بعضا من مظاهر ذلك التحايل...الأعين كحيلة مبرزة من فتحات في اللثام المسدل على الوجه ومزينة حتى النخاع،وروائح البخور والعطور المنتثر أريجها،،ثم والعباءات سوداء لكن هي الضيقة المبرزة لتضاريس الجسد والمنممة المطرزة الموشاة...

إنه الإبداء لرغبات دفينة في التحدي من طرف المرغمات وغير المقتنعات، وحتى دليل على قلة علم بالمطلوب في مجال اللباس شرعا...
ثم هوتجل لإجبار من طرف الرجال لهن على أمر لوترك لأكثرهن الخيار فيه لما اخترنه، ولما حبذن رؤية العالم من وراء السواد...

فالرجل قرر بخصوص هذا الأمر أن يعفي نفسه من تكليف شرعي أمر به :غض البصر، فستر جسد المرأة كله بالسواد، وكذا جلل وجهها بطبقات من الثوب حتى لا تكاد تنظر للعالم بوضوح، وأطلق هوبصره ينظر كيف يشاء...
ثم ولعل زوار البقاع المقدسة من أجل الحج والعمرة قد شدهم حتما منظر السيدات الخليجيات وهن المنقبات ويمشي وراءهن طابور من الخادمات الآسيويات بوجوههن السافرة في الأغلب الساحق.

وهنا يطرح سؤال نفسه بإلحاح حول عدم تسويتهن مع مشغلاتهن في تغطية الوجه، وهم أهل البلاد يؤمنون بضرورة التنقب،وحتى بكون المرأة كلها "عورة" حتى صوتها!!!
يرون في وجه المرأة فتنة!!! ثم ولا يؤمرون خادماتهم بتغطية وجوههن، وقد تكون الخادمة أحسن وجها وأكثر جمالا من سيدتها في بعض الأحيان، ويتأكد من ذلك مرات حين نزع النساء أغطية وجوههن في مصليات النساء.

فلماذا هوكائن هذا التمييز؟؟
ألأنهم يرونهن كملك اليمين، ويُعاملوهن بناء على ذلك كما الجواري والإماء زمن الرقيق؟؟؟
أم أن الفتنة لا يمكن أن تأتي من قبلهن لأنهن أدنى من نساءهم؟
ثم كيف يأمر الشيوخ هنالك أحيانا كثيرة القادمات من بلدان أخرى هنالك في الحرمين الشريفين بتغطية وجوههن، ثم وهم يتملون بوجوه الخادمات الكثيرات الموجودات في بيوتهم؟؟؟

من اليقين أنه لا يمكن القول بأن أولائك الخادمات الآسيويات لسن بمسلمات ـ مسيحيات أوبوذيات ـ لأن المدينتين المقدستين ـ مكة والمدينة ـ لا يدخلهما غير المسلمين حتى اليد العاملة المستجلبة للعمل فيهما

فالمسألة إذا ليست متعلقة بتطبيق أوامر الدين، بل بالانقياد لعادات وتقاليد ألبست لباس الدين انطلاقا من عقلية ذكورية متحجرة وترى في جسد المرأة ملكية خاصة للرجل يتصرف بشأنها كما تريد الأهواء لديه وتشاء...

ب ـ التيار الحداثي:

هوالتيار المتطرف في الاتجاه المعاكس، ذلك التيار الذي جرف أيضا الكثير الكثير من النساء، نساء اعتقدن ـ لثقافة مزيفة مرقت أمامهن ـ أنهن بانتهاج سبيله سيحضين بالانعتاق من قيد ألزمن به عصورا وكان يربطهن قسرا بذلك الخصم الغريم الرجل.

وهوذاك التوجه الذي حدا بهن نحوانتحاء العري والتعري، وكذا الاكتفاء منه ذلك اللباس بالنزر اليسير الذي لا يستر عورة ولا يحافظ على عفة مجتمع ولا على صيرورة أخلاق...

سارت المرأة في هذه المحجة دون وعي بسبب تطبيع هذا المنحى المهين، إذ تبلد منها الحس، وحتى فقدت القدرة على استشعار خطورة ما يراد منها من طرف الرجل من انبطاح، وكذا من استسلام لمسيرة التشييء التي تشل منها الفكر والروح، ولا تنمي منها إلا ذاك الجسد الذي عمل على تعريته لديها،ومن ثم تسويقه بشتى الطرق بغية اكتساب أرباح مادية حسية جنسية، أوحتى نقدية عن طريق بيعها في أسواق نخاسة العصر الراهن.

ثم وهي قد أُقنعت بحرية التصرف في الجسد منها كما تشاء، قنعت بالفرحة فاحتفت جذلى بارتداء ما يصممه لها في الأغلب الأعم رجال مصمموأزياء، أولائك الساقطون المنحلون الماجنون، الذين استسلمت لنزواتهم ولرغباتهم في أن يروها كل يوم أكثر عريا وأسهل انقيادا لشطحاتهم التصميمية، تلك التي ما تؤطرها إلا تلك الرغبة منهم في كشف المزيد من المساحات والتضاريس من الجسد النسائي، وإلا ذلك النهم المتفاقم لديهم في الاستهلاك البصري الممهد للاستهلاك الفعلي الحقيقي على أرض الواقع...

وانتشى الرجل طبعا ـ ذاك الذي ظنت أنها تحدته ـ بفعل تراكم الكم الوافر من اللحم الأنثوي العاري يَستعرض نفسه أمامه ثم ويدعوه إلى التخير منه، فتدلل، وحتى أملى شروطه في الكثير من الأحيان، وذلك لأن كثرة العرض مكنته من التخمة وفي الشوارع حتى، ودونما أية تبعات مادية من قبيل توفير بيت زوجية مثلا...

ثم وهي المرأة تتعرى وتقبل بتقزيم مساحة الثوب الذي يستعمل من أجل كسوتها يوما بعد يوم، لم تحاول حتى ولوللحظة أن تتسائل عن هدف ذلك العري يُسر لها...

تتبجح بالقول بأنها تمارس الحرية وتستمتع بمباهج الحياة، لكنها في الحقيقة ما تُمتع إلا الرجل يجد في المتناول السهل صورا حية متصاعدة الشحنة من الإغراء الكامنة فيها في كل لحظة وكل حين، وفي كل فضاء، وكذا عند كل منعطف حتى في أروقة الجامعات وقاعات دور العلم...

تفعل هذا وهي المتحضرة المتحررة المؤمنة بالمساواة، ثم وهي لا تطالب ذلك الرجل بالمثل! أن يمتعها بالتملي بجسده العاري، أوعلى الأقل بمساحة تساوي تلك التي سمحت له بمعاينتها من جسدها المنمق المكشوف...
ففي إطار "تكافؤ" الفرص بين الجنسين، وبالنظر إلى مبادئ الحداثة المساوية بينهما تلح أسئلة وتنطرح بعنف،أسئلة من قبيل:

* ـ أوليس لامرأة حق التمتع الحسي الجسدي بالنظر لمفاتن الرجل ؟؟؟
أم أنه ليس لها نفس السلوك الجنسي والمتطلبات الجنسية كما هو، ولا يستثيرها الجسد الرجالي العاري...ثم وهي الزاهدة فيه؟؟؟
وإن كان الأمر كما الطرح الأخير...فأين القول بالمساواة المجعجع حولها إذا؟؟؟

* ـ ثم لماذا لم يتعرض الرجل لتقزيم مساحات لبسه كما المرأة من طرف مصممات الأزياء من النساء اللواتي امتهن صناعة الموضة في مجال اللباس؟
إذ مجمل ما فعلن أن عملن حتى هن على المساهمة في تعرية بنات جنسهن،وذلك خدمة للرجال اللواتي ما سلمن من تأثيرهم عليهن حتى وهن أولائك "المتحررات".

فهي شوارع وأماكن سهرات وحتى فضاءات عمل،ثم والرجل محتشم ولا يظهر إلا "الرأس والكفين"! والمرأة عارية أوتكاد،ومزق الثوب لا تكاد تستر منها إلا القليل... القليل...

كل هذا أصبح الشائع والمقبول وحتى المتعارف عليه،لدرجة أن غير المدرك للبواطن علمية اللأمور قد يخيل إليه أن المرأة أكثر استشعارا للحر فيزيولوجيا من الرجل،وأكثر معاناة من قسوة الظروف المناخية منه، ولذا فهي تستعين بكشف الجسد من أجل التخفيف منها تلك المعاناة...

هذا مع العلم أن الجسد الرجالي المذكر يتطلب كمية أوكسجين أكبر من تلك يحتاجها جسد الأنثى من أجل إتمام عملية الاحتراق الداخلي (6) Métabolisme de base، ثم ودرجة حرارة جسد المرأة تكون أقل من 37 درجة مئوية في الفترة الأولى من الدورة الشهرية أي ما قبل الإباضة بعكس الرجل الذي يحتفظ بدرجة حرارة موحدة طوال الوقت.

فمن المرشح من الجنسين أن يشعر بالحر وأن يعمد إلى التعري والتخفف من اللباس؟؟؟
إذ في فصل الصيف ـ حتى دون ممارسات رياضية ـ تُرى المرأة وهي الحاسرة عن معظم الجسد عكس الرجال، وكأنها تتعرض لدرجة حرارة مناخية أكبر من تلك التي يتعرض لها الرجل الذي يعايشها في نفس الفضاء...
وهكذا يبدووكأن استغناءها عن ستر الجسد ـ كما الرجال على الأقل ـ نابع من إرادة معينة، وهدفها تيسير متعة المشاهدة بالمجان لأجساد أَُنفقت من أجل تنسيقها وتجميلها أموالا،وكلفت صاحباتها في بعض الأحيان الكثير من المشاق في ميادين العمل!!!
مساواة غريبة...وتجد من يصفق لها حتى من النساء دون نكير...

ثم وقد انثالت تلكم الصيحات من قبل الحداثة متعاقبة تدعوإلى تحرير الجسد من عقال اللباس الساتر مُقيد، ومن قيود الدين مُكبِّلة، وذلك ليُحسن التعبير ذلك الجسد عن نفسه،انبثقت من بين النتائج انفلاتات وانحرافات جعلت من بلدان معينة ـ والإسلام دين غالب أهلها ـ قبلة للسياحة الجنسية بجميع الأشكال والأنواع والأصناف...وهنا أسئلة تلح:

*ـ أ لهذا الحد إذا انساقت المرأة وراء ما يريده منها الرجل في مجال اللباس في خضم هذا التيار دونما الإحساس بالدونية وبالتهميش طالاها بعد أن استحسن لها هوالعهر دون نفسه، ثم وانبرى يراقب أسواق النخاسة ينادَى عليها فيها؟؟

*ـ أ حُررت الأجساد من أغلال اللباس، ليرمى بها أمام طلاب المتعة محليين وآتين من وراء البحار ليجعلوها مراحيض لنزوات بغيضة مقيتة ضاقت بها حتى حرياتهم المكفولة لهم هناك...

*ـ أ أصبحت الأجساد العارية سلعا بخسة إلى الحد الذي لا يخشى عليها من تلكم الأمراض وفتاكة حد النخاع، المهم أن تعمل على جلب العملة الصعبة واستجلاب أفواج السياح؟؟

ثم هي أيضا تلك اللوحات إشهارية ضخمة، وتنشر كذلك عري المرأة طعما وتصطاد به الزبائن مفترضين سيستهلكون ما تقوم تلك اللوحات بالدعاية له،أجساد استرِقَّت من طرف أصحاب السلعة، وكذا اندفع ثمن الاستمتاع بعريها، والنسوانيات الحداثيات منشغلات بتحرير المرأة من ربق الزوجية ومن "أغلال" الأبناء...

كل هذا الفرق أضحى الواضح البين بين المرأة والرجل في ميدان اللباس، والنسوانيات لا زلن غير العابئات، وهن اللواتي "يناضلن" من أجل تفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين!!

عري منهن متفاقم مهين مشين هن النساء الحداثيات، ثم واهتماماتهن هن "المثقفات" لا تعدوإلا بقليل ـ دائرة تنميق الجسد وتزيينه وتعطيره للمستهلكين عن قرب وعن بعد...ثم والحديث عنه وعن نزواته وصرعاته ومعاركه....
مجلات وجرائد موجهة للنساء، تستهلكها النساء،وتصدرها في الأغلب الساحق أولائك "المثقفات" من النساء...موضات ماكياج...قصات شعر...وألبسة تبرز كل المفاتن وتعين على إعادة زمن الجواري والغانيات....
ثم قنوات تلفزية حداثية أيضا، وفيها من النسوانيات الكثير الكثير...وإشهارات للسلع ـ مكعبات بهارات مثلا ـ ويبدوفيها الرجل يقرأ جريدة، والابن الذكر يلعب بلعب إلكترونية...ثم والزوجة تطبخ ما لذ وطاب وهي مصبوغة الوجه شبه عارية الجسد!!

أهذه هي الحداثة والتحرر؟؟؟
تغيير في الشكل فقط ولا تغيير في الوظائف!!!
إذ أولم يُفكر حتى في تخليص المرأة من تلك الصورة النمطية التي تحصرها في "أنشطة جسدية معينة" حتى في زمن النسوانيات؟؟
ثم لماذا لا تثور هؤلاء المتحررات على مثل هذه الإشهارات المكرسة لاستعباد النساء للرجال؟؟؟

أواكتفين بما سمحن لهن به من حرية كشف الأجساد، ومن خروج إلى سوق الشغل وهوالأمر ـ في الحقيقة ـ الذي لا يخدم إلا مصالح الرجال؟؟؟
تعين على النفقة...إذ تجلب المال!!!ثم وتقوم بالتبضع...ثم وتطبخ وتقدم الطعام مبتسمة عارية متزينة،أ ليس هذا هو" السيد" المبجل المطاع بحق، ذاك المتمتع بما لم يتمتع به أجداده من الرجال؟؟؟

تطرف مقيت بغيض هوالآخر إذا هذا المنحى في مجال ما يلبس من طرف المرأة، ذاك الذي استغلت فيه أيضا كيفما أراد الرجل وشاء...

2 ـ الحق الجسدي:

لا شك أن الدين منبثق عن الله العزيز الحكيم لا يمكن أن يكون إلا منطقيا، وبالتالي لا يمكنه أن يعمل على حرمان المرأة من الاستمتاع بأعضاء خلقت فيها ولها...
لكن ذلك الجسد المحتوي على تلك الأعضاء لا يمكن الانتصار له ولرغباته دائما
ودونما ممنوع، إذ في ذلك إساءة بالغة له انطلاقا من أنه يجب أن يكون تابعا للعقل الواعي بالتبعات، لا متبوعا في كل ما يشتهي ويريد!

فالعقل هوالمعين على حسن استخدام تلك الأعضاء والأحاسيس والمشاعر مستعينا بما ورد في الشريعة من مبادئ منظمة له داخل مؤسسة الزواج.

يأخذ كل شريك من الآخر حقه من الاستمتاع به ما دام ذلك الآخر مشبعا له، فإن كان هنالك تقصير من طرف ما، ويؤدي إلى حرمان الطرف الآخر، فلا يمكن للدين الحق أن يرغم المحروم مهما كان جنسه على المعاناة،فهوالفصل اختياري ودون نكير.

لكنه الرجل مدججا بالتقاليد مرة وبالحداثة مرة أخرى من جعل المسار ينحرف، والحق الجسدي للمرأة يُتلاعب به، ثم وتُغمط لها في هذا الباب أيضا جل الحقوق.
ففي هذا المجال أيضا عصف التطرف بحقوق المرأة كما جاء بها دين الحق، فانشطر مجموع الرجال في التعامل مع هذا الأمر إلى فريقين:

أ ـ التيار التقاليدي:

ذاك الذي حكَّم التقاليد والأحكام الذكورية، وجعلها هي التي تغلف الدين وتُبهت كنهه ثم وتُحتسب عليه،إذ أضحى ذلك الدين يُصور على أنه الأغلال والكبت، وكذا كبح جماح الاستمتاع بالجسد حد الإحساس بفقدان التوازن وبالضياع.
فبهذا التصور قُمعت المرأة وحُرمت مما وفره الشرع لها،وأصبحت تلك المستباحة الكرامة منساقة إلى ما يراد لها،فما كان لها إلا أن تكون تلك :

ـ المستكينة وتعاني الإقصاء ومرارة الضغوط النفسية
ـ أوتلك المتمردة وترتمي في غور الرذيلة الآسن المأفون...

إذ تُعُوِّد على النظر إلى المرأة على أنها التابعة المستعملة في هذا الباب إن كانت الصالحة المستقيمة، فإن هي طالبت أوأظهرت الرغبة ـ في إطار الشرعية طبعا ـ فهي الطالحة المنحرفة الفاسقة التي تستحق التأديب ولم لا حتى العقاب!!!
غَيَّر الرجل تلك العلاقة الفطرية الطبيعية بينه والمرأة انطلاقا من موروث تقاليدي جاهلي، صحح الدين آثاره ذلك الموروث في عصر النبوة وقضى عليه، لكنه ما لبث أن برز بقوة وبعنف مباشرة بعد انقضاء ذلك العصر الزاهر،ثم كُرِّس من طرف الرجل وحوفِظ عليه وعُضَّ عليه بالنواجد، وما زال الموجود وحتى السائد عندنا لحد الآن.

وللتدليل على جور هذا التصور للحق الجسدي للمرأة لا بد من إيراد هذا النص الديني مهم في هذا الباب:

‏* ـ "أخبرنا ‏ ‏سعيد بن عامر ‏ ‏عن ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏جلد ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية بن قرة أن امرأة ‏ ‏لعائذ بن عمرو‏نفست، فجاءت بعدما مضت عشرون ليلة فدخلت في لحافه، فقال من هذه؟ قالت أنا فلانة إني قد تطهرت.‏ ‏فركضها ‏ ‏برجله، فقال ‏ ‏لا تغرني عن ديني حتى تمضي أربعون ليلة"(7).

فهذا النص يبرز انحسار الفهم الصواب للتدين، ويظهر كيف أن الرجل رآى في المرأة كائنا جنسيا يريد غوايته ويدفعه إلى التفريط في دينه فقومه بالعنف: "فركضها"، وفي رواية سنن الدارقطني" فضربها "، وفعل برجله نكاية في التحقير والإهانة...

هذا وتجب هنا الإشارة إلى أن هنالك نصوص صحيحة تتحدث عن إمكانية معاشرة الزوج لزوجته جنسيا متى انقطع دم النفاس دون احتساب المدة، ولعل المرأة المذكورة في النص كانت على علم بها، وذلك من قبيل:

"حدثنا ‏ ‏نصر بن علي الجهضمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شجاع بن الوليد أبوبدر ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن عبد الأعلى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سهل ‏ ‏عن ‏ ‏مسة الأزدية ‏ ‏عن ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏قالت: ‏ كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أربعين يوما فكنا ‏ ‏نطلي وجوهنا ‏ ‏بالورس ‏ ‏من ‏ ‏الكلف. ‏ ‏وقد أجمع أهل العلم من ‏ ‏أصحاب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ‏ ‏ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهوقول أكثر الفقهاء ‏ ‏وبه يقول ‏ ‏سفيان الثوري ‏ ‏وابن المبارك ‏ ‏والشافعي ‏ ‏وأحمد ‏ ‏وإسحق ‏ ‏ويروى ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن البصري ‏ ‏أنه قال إنها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تر الطهر ‏ ‏ويروى ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن أبي رباح ‏ ‏والشعبي ‏ ‏ستين يوما"(8).

وهكذا ومن القراءة المتأنية لذلك النص ـ الذي يظهر حدة تصرف الرجل مع زوجته حين بدر له أنها قد تكون تلك المطالبة بالقرب الجسدي ـ يمكن الاستخلاص أيضا أن أمورا أخرى تغيرت عما كانت عليه زمن النبوة، فحين كان نبي الرحمة ينتقل هوإلى حجرات زوجاته حين اليوم المخصص لكل واحدة منهن حفظا لكرامتهن وتشريفا لهن، فإن الرجل المعني بالأمر هنا يبقى مقيما في فراشه، وهن النساء من ينتقلن إليه !!!

ولعل هذا ما سبب الالتباس في التعرف على هوية تلك المرأة، زيادة على عامل كثر الزوجات والجواري ـ أولربما لضعف أولانعدام الإنارة في الليل.
ثم وأنا لا أريد الإساءة إلى النصوص الدينية، ولا إلى التابعين الذي ينتمي من فعل هذا إلى فئتهم، أروم فقط أن أنتقد هذا الفكر وهذا التصرف البشري، ذلك الذي من المؤكد أن مرتكبه فعله وهوراغب في استكمال مقومات دينه، طالب لرضا الله عز وجل، وحتى مفعل لخشيته منه سبحانه.

ثم ولا يبدوفي هذا النص الانتقاص من قدر المرأة واضحا، وكذلك غمطها حقها في المطالبة بحقها الطبيعي في إطار الشرع في هذا النص بينا، إلا بمقارنة ما ورد فيه من مفاهيم بما جاء في الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص تعامله مع المرأة ككل، وبخاصة في هذا المجال المعين، ذلك الجنسي...

فحتى حين تكون حائضا تروي السيدة عائشة رضي الله عنها كيف كان يعاملها صلى الله عليه بخصوص هذا الأمر لكي تقر عينها،ثم لكي يزيل من الأفهام ما كان قد رسخ في عقول الناس آنذاك من أفكار حول نجاسة الحائض، وكذا حول وجوب عدم مجالستها وعدم مؤاكلتها تأثرا باليهود الذين كانوا يعايشونهم في المدينة المنورة:

حدثنا ‏ ‏قبيصة ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏الأسود ‏ ‏عن ‏ ‏ عائشة ‏ ‏قالت: ‏ كنت أغتسل أنا والنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني ‏ ‏فأتزر ‏ ‏فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهومعتكف فأغسله وأنا حائض"(9).

ثم وها هونص آخر ينبني عليه حكم فقهي، ويتحكم في صيرورة الحصول على الحق الجسدي من طرف المرأة في ظروف معينة:

‏"حدثني ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏أنه كان يقول ‏ :من تزوج امرأة فلم يستطع أن ‏ ‏يمسها ‏ ‏فإنه يضرب له أجل سنة فإن مسها وإلا فرق بينهما"(10).

نص يحتوي على رأي أحد التابعين وفهمه للدين بخصوص هذا المحور، ويبقى هذا التابعي على صلاحه وجلال قدره يحتمل رأيه الصواب والخطأ حتى في عصره!
أما الآن وقد اغتنى واقعنا بالعلم وبالدراسات الاجتماعية الميدانية، فيجب علينا أن نعرض هذا الرأي منه على ما توصلت الإنسانية إليه من معلومات نوظفها من أجل إيجاد رأي فقهي أكثر ملاءمة لجوهر الدين ولمقاصد الشريعة.
فهذا الرأي الفقهي القائل بتأجيل النظر في حال زوجة العاجز جنسيا مدة سنة ـ حتى ولوطلبت الطلاق ـ هوالمطبق حاليا في كثير من البلدان الإسلامية، وكأن الإسلام جاء من أجل عقاب المرأة بحبسها سنة مع:

* ـ من قد يثبت الطب الحديث قطعيا الآن أن له عجزا جنسيا أبديا،
* ـ ومن لم تعد لها الرغبة في معايشته لحاجة جسدية طبيعية غريزية كامنة فيها.

وهذا هوما قد يدفعها إلى الانحراف سرا أوحتى جهرا، وإلى السقوط في مهاوي الرذيلة والفساد الأخلاقي!!!
ثم وهورأي بشري ذاك المعتد به المعتمد عليه، ولا دليل من نص قرآني أوحديثي نبوي يؤيده،ولا يمكن أن يعمم على كل النساء،كان اجتهادا من سعيد ابن المسيب في ذلك العصر الذي كان من غير الممكن فيه التأكد من الأبعاد المُؤسِّسة للعجز الجنسي لدى الرجل عن طريق الفحوصات والتحاليل الطبية.
ويبقى على كل حال أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لا ينطق عن الهوى يقول بعكس ذلك الرأي:

‏"حدثنا ‏ ‏أزهر بن جميل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوهاب الثقفي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏أن ‏ ‏امرأة ‏ ‏ثابت بن قيس ‏ ‏أتت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت يا رسول الله ‏ ‏ثابت بن قيس ‏ ‏ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أتردين عليه حديقته قالت نعم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ‏"(11).

فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم ـ ثابت ابن قيس ـ أن يقبل من زوجته ما سبق وقدمه لها كمهر ويطلقها دون أن تُعيِّن عيبا فيه!!!فقط لأنها لم تعد ترتاح إليه، وتخاف أن تؤذيه فلا تكون الزوجة المشبعة له عاطفيا وجسديا، وهوما كنَّت عنه بالكفر في الإسلام.

ثم إن الدين ـ البعيد كل البعد عن الموروث والسائد ـ سمح للمرأة بما يكفل لها نيل الحق الجسدي في إطار الزواج الشرعي حتى مباشرة بعد ولادتها إن كانت الأرملة، ولوبُعَيْد وفاة الزوج:

"حدثنا ‏ ‏سليمان بن داود المهري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏ ‏أن ‏ ‏أباه ‏ ‏كتب إلى ‏ ‏عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري ‏ يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية ‏ ‏فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حين استفتته، فكتب ‏ ‏عمر بن عبد الله ‏ ‏إلى ‏ ‏عبد الله بن عتبة ‏ ‏يخبره أن سبيعة ‏ ‏أخبرته أنها كانت تحت ‏ ‏سعد بن خولة،وهومن ‏ ‏بني عامر بن لؤي، ‏وهوممن شهد ‏ ‏بدرا ‏ ‏فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم ‏ ‏تنشب ‏ ‏أن وضعت حملها بعد وفاته.
فلما ‏ ‏تعلت ‏ ‏من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها ‏ ‏أبوالسنابل بن بعكك ‏رجل من ‏ ‏بني عبد الدار، ‏ ‏فقال لها: ما لي أراك متجملة لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر.قالت سبيعة ‏: ‏فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني ‏ ‏قد ‏ ‏حللت ‏حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي "(12).‏

وفي تفسير لهذا الحديث قيل أن الولادة تمت بعد 15 يوما،والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعب على هذه المرأة أن تجملت للخطاب وعبرت عن رغبتها في الاقتران بزوج آخر، ثم ولم يطالبها باستدامة الحزن "وفاء" للزوج السابق، بل علُّمنا أن العدة الواجبة على الأرملة إنما هي للتأكد من خلوالرحم من حمل خوفا من اختلاط الأنساب، والولادة من طرف هذه السيدة كانت كافية للتدليل على خلوالرحم منها، فكان حق الزواج من جديد مضمونا لها ومصرحا به من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا وجب شجب عدوان المجتمع العربي التقاليدي، ذلك الذي يغمط المرأة حق إعادة بناء عش زوجي جديد حين انهيار الأول أوحتى الثاني لم لا حتى الثالث كما الرجل،سواء بموت الزوج أوبالانفصال عنه،وذلك عن طريق إرغامها على التضحية من أجل الأبناء.الأمر الذي لا يطالب به الرجل، وكأن المرأة ليست لها حاجات جسدية تحتاج إلى إشباعها حتى تحصل على التوازن النفسي، ذلك الذي إن لم يكن الضروري من أجل نفسها، فحتى لحسن رعاية أولئك الأبناء...

ب ـ التيار الحداثي:

هوذلك التيار الذي حرفت فيه أيضا معايير الحق الجسدي المستحق شرعا من طرف المرأة، وهوذلك السبيل الذي تُدعى المرأة السائرة فيه المختارة له إلى تجاهل كل نداء إلا ذاك الصادر من الكيان العضوي منها....ذاك الجسد.
إذ أوحي إليها من طرف القائمين على رأس هذه المحجة أن الجسد ملك لها خالص، ولها أن تستعمله كيفما تشاء ووقت ما تريد...

فهي الحرة المنطلقة...ولها أن تَعُبَّ من المباهج الجنسية ما يشبعها وذلك دون أي اعتبار آخر، إذ الجسد هوالكيان المعتد به وهورسم الذات وعنوان الهوية!
ثم إنه ذلك الانعتاق من قيد الزوجية ما هوالفعل الأكثر بطولية في هذا المنحى الفكري، إذ يصور على أنه الاستغناء بالذات الأنثوية "القديرة" "الرشيدة "من تلكم التبعية المساوية للرق في إطار الرابط المُكرَّس من قبل الغيبيات والخرافة ليس إلا، وذلك بهدف توفير الخدمات للسيد الرجل،ذاك الذي يمنع عنها ب"قوامته" عليها ما يُجوِّز لنفسه من تعدد الزوجات ومن تعدد الخليلات...

ومما لا شك فيه أن من وراء هذا التيار هوالرجل أيضا،ومدفوع بالرغبة جارفة في تأثيث الفضاءات حوله بالأجساد مزينة منمقة، وكذا حرة طليقة إلا من براثنه يصيدها بها ليفرغ فيها نزواته متى شاء وأراد...

إذ هوالإعفاء له من تبعات كانت الضرورية من أجل إشباع حاجات الجسد، ثم لم تعد كذلك، إذ توفرت المتعة بانتحاء هذا المنحى في كل مكان، وحتى هي المرأة أضحت المطالبة الباذلة للجهد من أجل الغواية والإغراء، إذ بفعل اليقين رسخ في حناياها بأنها المساوية للرجل لم تعد ترضى بأن تنتظر وتكون المرغوب فيها فقط، بل اندلقت مُنافِسة تتسول اللذة وتطلبها على كل الموائد وفي كل الأماكن والمنعطفات.

وأخيرا...

وبعد هذا العرض للانحراف طال مسيرة المرأة في هذين المجالين على سبيل التمثيل لا غير، وبعد هذا الإظهار للاستغلال بشع للقوة من الرجل من أجل استعباد المرأة ـ وكذا تكريس ميلها الفطري نحوالثقة فيه والاحتماء به بهدف قضاء مآرب له نفسية وجسدية ـ يبرز سؤال ويجاهر بنفسه بحدة:

أولم يحن الوقت بعد لكي تُمكن المرأة من التوعية بحقوقها الممتوحة من الدين في كل المجالات، وبإعادة تشكيل عقل الرجل حتى يسمح لها بأن تنال تلك الحقوق التي هي لها منذ أن أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين؟؟؟

سؤال لوأجيب عنه بصدق، ثم فُعِّل الواجب الذي يجب القيام به، لربما استغني عن هذا اليوم اليتيم جُعل للمرأة في السنة،وكذا عن هذا الكم الكثير من الجعجعة حولها....
 [1]


[1الهوامش:

1 ـ الآية: 30 ـ سورة النور.
2 ـ صحيح البخاري ـ المظالم والغصب ـ ـ أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات ـ الحديث رقم 2285.
3 ـ صحيح مسلم ـ الآداب ـ نظر الفجاءة ـ الحديث رقم: 4018
4 ـ سنن أبوداود ـ النكاح ـ ما يؤمر به من غض البصر ـ الحديث رقم: 1837.
5 ـ الآية:32 ـ سورة الأحزاب.
6 ـ
7 ـ سنن الدارمي ـ باب الطهارة ـ وقت النفساء وما قيل فيه ـ حديث رقم 941.
8 ـ سنن الترمذي ـ الطهارة عن رسول الله ـ ما جاء في كم تمكث النفساء ـ الحديث رقم: 129.
9 ـ صحيح البخاري ـ الحيض ـ مباشرة الحائض ـ الحديث رقم: 290.
10 ـ موطأ مالك ـ باب الطلاق ـ أجل الذي لا يمس امرأته ـ الحديث رقم:1069
11 ـ صحيح البخاري ـ باب الطلاق ـ الخلع وكيف الطلاق فيه ـ الحديث رقم: 4867
12 ـ سنن أبي داود ـ عدة الحامل ـ رقم الحديث: 1962.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى