الخميس ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم مريم الراوي

المعتقل جميل

اترى سيشفع لنا المعتقلون صمتنا ووقوفنا امام عتبات الرب بكلمة "الله كريم"، و"ياحنان ويامنان"، عل السماء تمطر رصاصاً او يجود علينا الزمن بطيور ابابيل تقتلع الوحوش من بين ازقة البلد الحزين؟!
من الذي علينا لومه الان، ليندي إنغلاند؟المحتل واذنابه؟نحن؟الوطن؟السماء؟
أي شئ يمكن له ان يقف الان امام كارثة المغيبين في السجون والألم؟ ؟
من سيذكرهم ان جاء الغد؟؟من سيلقي على افئدتهم تحية الصباح؟؟
اخبروني من سيلقي حكايتهم في الغد القريب؟! ويخبر الجموع التي ورثت الصمت من اسلافها، انه كان لنا رفيق بكافة مسمياته"اخ، أب، زوج، أبن، صديق" كان يحيا كما نحن الان، يشرب ويأكل، يحب ويكره، ينام متأخراً، ليصحو نهاراً على عجل، يذهب للعمل دون افطار خوفاً من الوقت الاعمى الذي يجري كما القطار المجنون!!
نعم، كان لنا رفيق وبكامل مسمياته، ينتظر ان يحمل ابنه بين يديه، ولطالما حلم بإقتناء سيارة كي يقل حبيبه الصغير الى المدرسة صباحاً، وحين العودةالى البيت يتحدثان عن الدروس والاصدقاء الجدد..

وهذا المعتقل المدمى اليدين، ذو الجسد العاري النحيل، والعين الغائرة، كان يدعى جميل، كان عاشقاً لصابرين، ولطالما خرجوا سوياً في شوارع المدينة التي طُمرت معالم فرحها تحت اقدام الحقد الدفين..

جميل كان مسالماً، لايفكر سوى بالبيت الجديد، وبليلة العرس التي ستقام بين اشجار النخيل..ولكن في يوم القيامة الذي اقامة المتكالبون من الجراد، اقتيد جميل، والى ابو غريب كان دربه، وقيل لاحقا في بوكا، بل ان كثيراً اخبروا ذويه انه في سجون خاصة لايعلم عنها حتى من يقرأون الغيب!!!
وصابرين، كما المجانين، تلف الدهشة ايامها وتبكي بصمت في الليل الحزين..
ومن ابو غريب الى بوكا الى الف سجن،
قضت بقية اوجاعها في سؤال لايزل يتنقل من مكان الى اخر معها"أين جميل"؟؟
ياصابرين، إذهبي الى ليندي إنغلاند فتأتيك بالخبر اليقين..
إذهبي الى ميدان صمتنا لتشاهدي الجحيم..
إركضي صوب الوطن، فهو جميل..
جميلنا ياعزيزتي، اضحى مجموعة صور..
وايقونة تعلق على ابواب مراكز حقوق الانسان الزائفه..ويافطة كبيرة تحمل في المسيرات الكاذبة..
جميل ياصابرين، يسعى الان مابين الصرخة والوجع..يقتات على ماتبقى من انسانيته، كي يبقي على قلبه حيا..
جميل الان يقبع في زاوية النار، يقرأ باسم الله والوطن لينتصب الحلم في الذاكرة التعبة، قبساً من امل ويقين.
لاتسألي عنه، فهم لن يجيبوك، ولن يرحموا لوعتك، لانهم ببساطة لايفهمون معنى الحب..
لاتسألي السجان لم القسوة، لكن إسألي من يمتلك المفتاح لم الخيانة؟!
إسألي من اغتصبك بالامس، أليس من المخزي ان تمس أختك وتهديها لاحقاً للقاتل القذر؟؟
اما بجرم هو ان يسير المحتل الغازي في ارجاء الدار الطاهرة؟!!
إسألي كثيراً ولاتنتظري أي جواب، ولاتستمعي لصيحات المارق ونداءات السراق..
إعتصمي برؤياك اليومية، وتعمدي بدموعك ساعة الفجر، وافتحي ابواب الصبرعلى مصراعيها، فهنالك ملايين كجميلك، منهم من ثقبت عيناه، ومنهم من احرق حياً، ومنهم من اخترقت الرصاصة فؤاده، ومنهم من سقط من الحزن، واخرين تنهش الكلاب لحمهم كما لو كانوا طعاماً لهم!!!!

ااااااه، يطول الوجع ياسيدتي، وليندي إنغلاند ليست وحدها من تستطيع ان تحدثك عن فنون التعذيب والتنكيل وتخبرك، إن شبابنا الجميل وجميل ذات نفسه، مقيدون بسلاسل كما الدواب، فلا تندهشي، إن سمعت عن لعبة الاصوات التي يقوم بعرضها معتقل امام السجان والجندي، ولاتتعجبي، إن تعالت ضحكات السكارى من الوحوش والخدم، على جثث تكدست فوق بعضها البعض، عارية الا من الخجل!!
لكن...

لاتحزني، فمن دم الضحية يولد حلم مؤزر ببندقية...
لاتحزني، ولكن، إبصقي بوجه صمتنا،
وتيقني ان لجميل رفاق، كل يوم هم على موعد مع المنية..
سائرين نحوها بإبتسامة حنين للوطن والغد والإنسانية..
صابرين، هوني على جرحك، ولاتعاتبي جميل على عشقكِ،
بل احملي اللوم، على الغرباء، والمتسلقين، والمتملقين، وعشاق التبعية..
فكل معتقل في بلادي، شمعة،
وان انطفأت الحياة في عيونها، لكنها حتماً ستنير دروب الحرية..
وشكراً لك ليندي إنغلاند، لانك لم تندمي على فعلتكِ، فمجرم من ينتمي لغير بلاده، ونعم البلاد والديمقراطية!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى