الأحد ١١ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم باسل محمد البزراوي

سيّداتي.. آنساتي.. سادتي

سيداتي.. آنساتي.. سادتي
في العروش العربية!
لكمُ منا تحية!
ولكم باقة حبٍّ من فؤادٍ في جوانحَ مريميّة!
ولكم باقة شعرٍ من قصائدنا التي صلبت على الأعواد
في ساحة موتٍ نرجسيّة!
ولكم باقة خمرٍ..
ولكم باقة عطرٍ من دمٍ طفلٍ
توهّج من جراحاتٍ على وجهِ صبيّة!
ولكم باقة وردٍ من عيون الورد في الأرض النديّة!
ولكم قبلة عشقٍ أبديّة!
ولكم باقة أطفالٍ أقدّمُها بكأسٍ قد تعتّق في الجراح المقدسيّة!
أكتب الآن القصيدة باسمكم أنتم....
ستشتعلُ الحروفْ
باسمكم أنتم سأكتب من فلسطين الشهيدة!
من هنا ..من أرضنا الحمراء أكتب فيكمُ الآن حروفي
من بلاد الموت، من كوخٍ ينزّ الماء ليلاً في سريري
من جراحي.. من جراح أخي التي أنّت هناك وراء جدران السجونِ
أورقت فيها السنابل والعنادلْ
لتغنّي الآن أغنية الزمان المرّ والحبّ المرير..
من هنا من قلب أمّي،
من حجارتنا ومن وهج المنونِ
من ربوع عيون أنثى تتحدّى العالم "القوّاد" في كلِّ العصورِ
من هنا الآن سأجعلكم جميعاً رايةً سوداء في صدر القصيدة
أيها الموتى اسمعوني...واعذروني
أبها الأموات في أكفان أحياء على صدر العروبة اعذروني
أيها الموتى من الشعراء والأمراء والوجهاء والسفهاء والجبناء لا تستنكروني
واقتلوني إن أردتم... واصلبوني
واحرقوني إن أردتم، وادفنوني
واسرقوني من بلادي، واسرقوا رسمي وعنواني ودمّي
واحملوني من على رمحٍ يشرّعه جنوني
أشهروا سيفَ أبي جهلٍ أمامي
واعلنوا العصيان في دمع عيوني
أينما كنتم وفي كل القبور
أكتب الآن سطوري
باسمكم أنتم وفي صبحٍ غيورِ
فحروفي مثل قرآنٍ وإنجيلٍ على أرواحكم
يا أيها الموتى فقرّوا واستريحوا الآن في كل القبورِ
واعذروني إن أسأت لكم فإني عربيٌّ كافرُ فيكم
وفي كل العروش الراسخات على ربا الوطن الكبير
اسمعوني، واعذروني في ملاجئكم وفي باحات حانات الخمورِ
وأذيبوا في كؤوس الخمر عذري،
ودموعي.. وبقايا من ضلوعي وجذوري
واستبيحوا بؤس خيمتنا الصغيرة ...والعذارى
والنهود المشرعات على الصدور
واستبيحوا دميَ المهدور في كل الحدود
فتّشوا عنّي فعنواني هو الوطن الذي أرضعتموه البؤس،
مذ كنتم على التاريخ أسياداً تدوس على التراب
على العبيد ....على النسورِ
كافرٌ فيكم وكلّ الناس في كفري وإلحادي هنا لا ينكروني
في خدور نسائكم، يصبح التاريخ لا شيئاً
وتضحي أرضنا أكذوبة في دفء أحلام الخدور
ونحن بعض سوائم تاهت،
بصحراءَ بلا مطرٍ،
وبيداءَ بلا عشبٍ، بلا شمسٍ
بلا نارٍ ونورِ
واعذروني إن تسللتُ إلى دفء الخدور
فأنا لست قميئاً مثلكم
وأنا لست بذيئاً مثلكم
وأنا ما بعت يوماً ميلمتراً من ضميري
في خدور نسائكم في الليل
تسترقون دفء القلب منهنّ
تخادعون قلوبهنّ بأنكم عربٌ
وأنتم من بقايا خيبرٍ وبني النضيرِ
لن أقول بأنكم في الخدر بعتم طهر " فاطمةَ البتول " و" مريمَ العذراء"
نجّستم عفاف الأنبياء
لن أسرّ إلى القصيدة عن نهودٍ مشرعاتٍ كالرماح
................................
ثم صارت بعد ذلك من ممالككم
وصارت موطنَ الشعراء الأغبياء
باسمكم أنتم سأقتحم الحدود
أقتحم الإرادة
سوف أخرج عن إرادة شعبيَ الجبار أمدحكم
أغنّي للهزيمة
وأغني للقيود
وأغنّي للسجون الغجرية
وأغنّي الصمت في كل الرمال العربية
وأغنّي لابتسامات الصبايا خلف قضبان السجون
وأغنّي الذلّ في بيت قصيد
سوف ينشر فوق أرؤسكم حبالاً من حديد
ويعود الآن كالحجاج فيكم يقتفي أثر الجنود
فاسجنوه.. أو اقتلوه أو اصلبوه
سيعود الآن فيكم مثل عيسى يحمل الصلبان في عنف الضحية
باسمكم أنتم أحبائي الذين يضمدون جراحنا
بالصمت أو بالقتل
أو بشعارات التآخي والنشيد
نحن نكتب بالدم الجاري القصائد
والمواويل وبعض الشعوذات
ونغني الأغنيات
ونداوي جرحنا الدامي ببعض التمتمات
وبعض الكلمات
أستميح الشعر عذراً
فاعذريني ياحروف الأبجدية
إن دخلت بك الحظيرة
أو تفجّرتِ على ذكر خنازيرَ تزيّوا بالثياب العربية
واعذريني إن عرضتك سلعةً في السوق كالطفلة الحييّة!
واعذريني إن نشرتك في الجريدة
مثل أكوام عظامٍ في رصيف البؤس في كل مدائننا البعيدة.
عندما يستيقظ التاريخ من نومٍ عميق
فوق وردة مزهريّة
ويلوح الأفق كالنيشان في كتف الشهيدْ
تحلمون .....وتمرحون
تذرفون الدمع فوق خريطة الذلّ التي ألّهتكم في البرية
وتقيئون الرجولة
في مواسمنا القتيلة
هاهو التاريخ يرجع للوراء
ها هي الأيام تثقلها الحضارة
فتلوح المنجنيقات العتيقة،
والرماح الأثرية
ويعود الآن جدُّكم أبو جهلٍ بجيشٍ من قبائلنا،
يقاتل خيلَ خالد في الرمال العربية
والسيوف العربية، آمنت بالغمدِ...
لا تخرج إلاّ للضلوع العربية
والورود العربية
والرقاب العربية
لرقابٍ أينعت مثل النباتات الطريّة
عندها يأتي الحصاد
والحمائل والقبائل
والحروب القبلية
يظهر العبسيُّ في زيِّ الشيوخ،
ويبرّمُ شاربيه وينتشي بالعصبيّة
ومسيلمة سيأتي ....وسجاحْ
يقذفان حصون كلِّ الأنبياء
مثل كل الأدعياء......
ويلوذ المتنبي بالفرار ويعتذر للشعر
حتى خانه الشعر أخيراً
مات آخر أوليائك يا بلادي
مات آخر أنبيائك يا بلادي
مات آخر من تغنّى بالسيوف العربية
بين طعنات رماحٍ وسيوفٍ أسديّة
فشهيدٌ تلو آخر
وقتيلٌ تلو آخر
وجريح تلو آخر
فيدقٌّ الأولياء المخلصون
ويدق المارقون الطبل من حينٍ لحين
لجموع الصامتين
فتصفق،
وتصفق للغد المحبوس في بطن أميرة
ولكرسيِّ الأميرة
ولعينيِّ الأميرة
 
ولحاضرها وماضيها ومستقبلها كلّ العشيرة
لتروح الآن يا وطني أميرة
وتجيء الآن يا وطني أميرة
تنتهي فينا مناسبة
لتتبعها مناسبة وعرس واحتفالات على عرض الجزيرة
فيقوم الأوفياء المخلصون
ينشرون العرضَ في أسواق روما
ومفاتنه الغريرة
رحمة الله عليكم سادتي
هل سمعتم عن بلادي
هل سمعتم عن وحوش الغابة الحمراء في صبرا وشاتيلا
وبرج الموت في عصر البطولة
هل سمعتم كيف أن الله كان هناك وحده
لم يكن يلبس زيّاً عسكريا
لم يكن يحمل رشاشا يقاتل
لم يكن يحملُه خندقُ ثائر
كان يحصي كم قذيفة! كم شظية!
سقطت في حضن ثاكل
ويحلّ الله ما كان يحرّم في العصور الأولية
رحمة الله عليكم
عندما يسقط طفلٌ في بلادي
عندما تسقط رابعة ولينا وانتصار ودلال المغربية
تسقطون فراشة في حقل ورد
وتصلّون على مرآى من الله على روح الفراشة
تقتلون الطير في وُكناتها
وتجيئون إلى الله بأثواب ملاكٍ سندسية
تعتريكم رعشة الدفء لأحضان صبيّة
تثملون ... وتسكرون على نهودٍ نافرات في صدور مرمرية
هل عرفتم كيف يشتبك الرصاص وجسم أنثى في بلادي ؟؟؟
كيف يخترق الرصاص عيونها والبحر؟؟
تحمل فوق كتفيها فلسطين، وتمشي
فوق تاريخ هزائمكم مع النسوان في دفء الخدور
فهنا بين الرصاصة والرصاصة
وهنا بين القذيفة والقذيفة
وهنا ولدت صبايانا كعنف شظيّةٍ حلّت شظية
وهنا مثل الزلازل والقنابل
خلقت في أرضنا الحمراء أنثانا تقاتل.
عندما تصبح أرضي مثل قرص الشمس في ليلة برد شتوية
عندما تصبح أحجار بلادي
حمماً فوق رؤوس الهمجية
فابحثوا عن طفلةٍ سمراء قد حملت فلسطين بكفّيها، وطارت للسماء
مثل كوكبةٍ من الشهداء القدماء
واطلقوا كل الكلاب
وابعثوا العسَسَ الذي يشتمُّ رائحة الفلسطينية السمراء
في حقول الشهداء
عندما تصبح أمٌّ في المخيّم
عندما تمسي بغابة أحلامٍ شجيّة
ويعشّش في زوايا كوخها الزنكيِّ بؤسٌ وحياة
ويبوح الصبحُ في عينيِّ أمي نوره
تستفيق الحيرة العمياء في القلب الصغير
لا بنيها لا أخيها...... لا أبيها
كلُّهم في القبر أو في السجن أو كالرمل في عمق المنافي العربية
ترحلون إلى الشواطئ والموانئ والمطارات القديمة
وتدينون الجريمة
تعلنون بأنكم برّاً وجوّاً قد مسحتم كل آثار الهزيمة
وتشدون العزيمة
ثم تهرب في الرمال
وتذوب بنقطة الحبر القرارات العظيمة
تلك أمي أنجبتني بعد موت أبي بعقدٍ من سنين
ثم قالت لي حملتك ياحبيبي
خشية الريح التي هبّت على الكوخ الصغير
قسماً بالدم والأرض حبيبي،
لم أخنه،
أنت من صلب أبيك المارد الجبّار
من صلبِ دماءٍ عربية
فهي بعد الآن أمّي
وهو بعد الآن مجهولُ الهويّة
وأنا أبحرُ في رمل الصحاري،
مثل طفلٍ من غزيّة......
فهي بعد الآن لم تطفئ عيناها شرارة
وهي بعد الآن لم تصمتْ ولم تطفئ في قلب أبي في الرمل ناره
إن أمّي مثل مريم في العذارى
وبلادي لم تكن أنثى لغير أبي القتيل
قبل أن كان الرحيل
وبلادي مثل أمي لم ترد يوماً حليلاً أو خليلْ
نحن، كلّ الناس ...نحن هنا نموت
وننتظر منكم هديّة
فاحملوا ما شئتم الآن من الشجب، وأوراق الإدانة
واقعدوا الآن كما شئتم على كرسي الإمارة
واشجبوا حرب الحجارة،
وامسحوا وجه النضال، وكبّلوا بالقيد عاره
وادفعوا ثمن الجراح الساخنات بقلب أمي واحملوها للنظارة
يا دمى أمريكيا
تحملون الآن أسياف العصور الأولية
وهي تصدأ في أياديكم
ويعلوها غبارٌ
من سنابكِ خيلِ غطفانَ الجموحة
في الحروب القبليّة
وأنا ما زلتُ طفلاّ من غزيّة
إن غَوَت أغوي
وإن رشَدتْ سأغوي
مثلَ صعلوكٍ قديمٍ من غزيّة..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى