الجمعة ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٨

ستون عاما على التطهير العرقي في فلسطين

بقلم: الدكتور سعادة عبدالرحيم خليل

لقد آن الآوان أن يتم توصيف "النكبة" بأوصاف جديدة. إن ما حصل في عام 1948 هو تطهير عرقي للشعب بأكمله. لقد كان التطهير العرقي نهجا وهدفا استراتيجيا للعصابات الصهيونية وذلك باعتراف مؤرخيهم أمثال إيلان باب في كتابه الأخير"التطهير العرقي في فلسطين" وتيدي كاتس الذي كشف الستار عن مذبحة "الطنطورة" في بحث جديد يؤكد ارتكاب العصابات الصهيونية مذبحة جماعية في قرية الطنطورة عام 1948 تفوق في بشاعتها مجزرة دير ياسين الشهيرة. ولا يزال المسلسل مستمرا.

لقد كان النضال الفلسطيني دوما معقدا لأقرب المراقبين والعالمين بالقضية الفلسطينية؛ حتى لأقرب المقربين أي العرب بصورة عامة. لم تتم المقاربة الصحيحة التي يجب أن يفهمها الفرد العادي في الوطن العربي عن النكبة وعما حصل في فلسطين على مدى ستين عاما خلت. كان يعتقد الكثيرون وحتى يومنا هذا أن الفلسطينيين باعوا أرضهم وخرجوا بإرادتهم. ولكن الحقائق الواردة في كتابات الصهاينة أنفسهم تدحض هذه الاتهامات والترهات الصادرة عن قصد أو غير قصد.

ولكن ذلك شأنه شأن جميع النضالات العظيمة والثورات المسلحة في العالم، فقد كان العديد من المعطفات والعقبات في سبيلها، ولن يتوقف ذلك في المستقبل المنظور. لقد كان وسيبقى السبب الرئيس والجذري للصراع في فلسطين هة التطهير العرقي والتهجير القسري للشعب من وطنه وينبغي أن يكون ذلك واضحا كالشمس في رابعة النهار. هذا ما حصل تماما للفلسطينيين في "النكبة" قبل ستين عاما.

لقد كانت النكبه من أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، لقد بدأت عشرات السنين قبل وقوع الفصل الآخير من فصولها. في نظري أن النكبة بدأت منذ فكر الصهاينة في مشروعهم الصهيوني في مؤتم بال بسويسرا عام 1897 ونمت وترعرعت إبان الانتداب البريطاني مرورا بوعد بلفور المشؤوم سن 1917 ومن ثم اعلان قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947. في ذلك اليوم أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة القرار رقم 181 الذي ينض على تقسيم فلسطين الى دولتين، واحدة يهودية وأخرى عربية. أقدمت الامم المتحدة على هذه الخطوة الخطيرة دون التشاور مع الفلسطينيين، في الوقت الذي كانوا يشكلون ثلثي السكان في فلسطين، على الأقل.

كان معظم السكان اليهود، في ذلك الوقت، يتألفون من المهاجرين الذين وصلوا خلال العقود الثلاثة السابقة، ومعظمهم من أوروبا. وفي حين أن الإمبريالية الأمريكية والبريطانية لم تفعلا شيئا يذكر قبل او خلال الحرب العالمية الثانية لمساعدة ضحايا الفاشيه اليهودية، استخدموا أهوال معسكرات الموت النازية لحشد التأييد لإقامة دولة "اسرائيل" بعد الحرب.
.
فالفلسطينيون - الذين ليست له أي علاقة مع اللاساميه الأوروبية أو الإباده الجماعية - لم تتم استشارتهم اتخاذ قرار التقسيم في الأمم المتحدة. لم يكن هناك تصويت او استفتاء للشعب. لو كان هناك استفتاء، بالتأكيد، ليس هناك أدنى شك في النتيجة. من المؤكد أن النتيجة كانت ستكون في صالح الدولة الواحدة. إن تصويت الامم المتحدة كان عملا غير مشروع وغير قانوني وانتهاكا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.

إن أغلبيه الثلثين المطلوبة لاصدار القرار 181 لما كان له أن يتحقق الا من خلال ضغوط امريكيه مكثفة. لقد تم اعتماد القرار ب 33 صوتا لصالج التقسيم مقابل 13 صوتا معارضا وامتناع 10 دول عن التصويت. لقد اعتمدت إدارة ترومان، في ذلك الوقت، بشدة على المستعمرات الجديدة والدول العميلة لأمريكا، وخاصة الفلبين وليبيريا وهايتي وتايلند التي عارضت في البداية القرار.

وبدون تلك الأصوات الأربعة، لكان هذا القرار قد باء بالفشل. وللمصالح الضيقة القصيره الأمد، صوت الاتحاد السوفياتي لصالح القرار. وهذا يمثل خيانة لكفاح العرب ضد الاستعمار وهذا أضر بصورة بالغة لقضية الإشتراكية في المنطقة. ولكن وفي وقت لاحق، أصبح الاتحاد السوفياتي حليفا رئيسا لحركة التحرر القومي العربي.

التهجير القسري للشعب

لقد أدى تصويت الامم المتحدة الى احتفال الصهاينة بصورة عامة وحركة المستعمرين خاصة التي تعمل على إنشاء دولة يهودية خالصة في فلسطين. على الرغم من امتلاكهم ستة في المئة فقط من الأرض، منح القرار 181 لهم 56 في المئة من فلسطين. وعلى الجانب الفلسطيني، كان هناك الغضب والتمرد. وكان إعلان ذلك القرار هو بمثابة إعلان الحرب على الفلسطينيين. واندلع القتال في كانون الثاني\يناير 1948. بدأت القوات الصهيونية المسلحة جيدا بتنفيذ ما أطلق عليه "الخطة د". كان هذف الخطة هو إرهاب وطرد السكان الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. لكن من قبل تنفيذ خطة د كان القرويون الفلسطينيون عادة يتركون ديارهم خلال المعارك ويذهبون إلى القرى المجاورة. ولكن عند بدء تنفيذ الخطة المشار إليها بلغت المذابح والتي ارتكبتها الصهونية أكثر من سبعين مذبحة توزعت على كل المناطق الفلسطينية شمالا وجنوبا ووسطا وشرقا وغربا في جميع الاتجاهات لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين في القرى والمدن.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، في يوم 9 إبريل، 1948، رفعت المنظمة شبه العسكرية الصهيونية، أرغون، "الخطة د" الى مستوى جديد من الوحشية حيث نقذت مذبحة في قرية دير ياسين. وعندما هدأ غبار المذبحة عثر على أكثر من 200 من الرجال والنساء والأطفال مذبوحين وتم التمثيل في جثثهم إمعانا في الوحشية والإجرام. لقد كان يقصد من المذبحه ان تكون بمثابة تحذير لجميع الفلسطينيين.

وبعد دير ياسين بإثني عشر يوما، شنت القوات الصهيونية هجوما شرسا على مناطق فلسطينية في مدينة حيفا المختلطة. حيث رموا قنابل على شكل براميل مملوءة بالبنزين والديناميت في الأزقه الضيقة في المدينة المكتظه بالسكان بينما تهاوت قذائف الهاون على الأحياء العربية من فوق رؤوسهم. وفر معظم السكان العرب تقريبا.

في غضون أسبوع واحد، تمت مذابح مماثلة أدت إلى تهجير أكثر من 77000 إلى 80000 فلسطيني من ميناء مدينة يافا. وبحلول ايار / مايو 15، 1948، أي عند قيام الكيان الصهيوني، بلغ عدد الفلسطينيين الذين شردوا إلى لبنان وغزة وسوريا والأردن 300000 نسمة حيث عانوا مرارة اللحوء والموت في ظل ظروف المخيمات البائسة والجوع والعطش. وبحلول نهاية ذلك العام، بلغ عدد الفلسطينيين المحرومين اللاجئية أكثر من 750000 نسمة.

في حرب 1948، بتفوق موارد العصابات الصهيونية الاقتصادية والعسكرية آنذاك وبدعم من القوى الغربية، استطاعت أن تحتل 78 في المئة من فلسطين. إن الاستراتيجيه العسكرية الاسرائيلية لم تكن فقط لاحتلال الأرض، ولكنها أيضا تؤدي الى طرد وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين من الأرض.

ما يقرب من 80 في المئة من السكان العرب طردوا بالقوة لإفساح المجال أمام قيام الدولة االصهيونية الجديدة. لقد تم الاستيلاء على مزارعهم وأماكن عملهم ومنازلهم، لتشكل الأساس الذي لا غنى عنه لاقتصاد للدولة الجديدة.

وفى عام 1967 "حرب الايام الستة،" قامت "اسرائيل" باحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية: الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا أدى إلى تهجير وطرد أكثر من 300000 لاجئ جديد، ومنهم عدد كبير من أصبح لاجئا للمرة الثانية، بعد طردهم بالفعل قبل 19 عاما من الاحتلال الإسرائيلي.

ولم يسمح لأي من هؤلاء الذين طردوا في 1948 و1967، ولا أبناؤهم أو أحفادهم، الذين يبلغ عددهم الآن أكثر من ستة ملايين لاجئ، بالعوده إلى بيوتهم وأملاكهم. وهذا الظلم لا يزال مستمرا على الرغم من قرار الامم المتحدة رقم 194، الذي صدر في كانون الاول / ديسمبر 1948، الذي ينص على نحو لا لبس فيه ان كل اللاجئين يجب ان يسمح لهم بالعوده الى ديارهم وأراضيهم وغيرها من الممتلكات وإعادتها اليهم. لقد تجاهلت الولايات المتحدة والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قرار الأمم المتحدة لأكثر من نصف قرن.

بينما منعت إسرائيل عودة أي من اللاجئين الفلسطينيين بالقوة، أعلنت الدولة الإسرائيلية الجديدة ان أي شخص يعيش في أي مكان من العالم يملك دليلا على أن واحدا من أجداده يهوديا، له "حق العودة "الى اسرائيل. ويتم منح هؤلاء العائدين المواطنة على الفور في الدولة الجديدة.

حق العودة لا يزال المطلب الأساس

بعد ستة عقود من النكبه، حق العودة لا يزال يمثل قضية رئيسية على الرغم من جهود القادة الإسرائيليين والأمريكيين المستمرة لإلغاء هذا الحق وتجاهله.

فلماذا لا تزال قضية العودة حيوية جدا بالنسبة للفلسطينيين؟ بكل بساطة، لأن هناك شعب محروم من أرضه ومهدد في وجوده. إن الدفاع عن حق العودة يشكل عنصرا اساسيا في النضال من اجل الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني بين اولئك الذين ما زالوا داخل فلسطين التاريخية، وهذه العائلات التي طردت منها بصورة غير مشروعة.

إن المعارضة الاسرائيلية لحق العودة للفلسطينيين ليست،في الواقع، لأنه "ليس هناك مكان" للفلسطينيين في فلسطين، كما يدعي الصهاينة العقائديون. ان هذه الحجه لهي العنصريه الصارخة. لقد أشار الباحث السكاني الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة إلى أن أكثر من 500 قرية مدمرة لا تزال غير مسكونة. لقد دمرت وأبعد سكانها أساسا لأغراض سياسية – أي لتسهيل قيام دولة حصرية لليهود.

ولا يمكن لهذه القضية أن تدفن في رمال النسيان رغم طول عهدها. وأن مئات الآلاف من الناس الذين هجروا قسرا في 1948 و1967 هم لا يزالون أحياء يعيشون في أوضاع مأساوية لا تطاق مثل لاجئي لبنان المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية المكفولة في شرعة حقوق الإنسان وهم لا يتسطيعون العمل في أكثر من 70 وظيفة.. والكثير من هؤلاء اللاجئين لا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم وقواشين ممتلكاتهم في فلسطين. وبعض هذه المنازل، وخصوصا في القرى التي هدمت، تم تجريفها بالكامل وسويت بالأرض. والكثير من المنازل أيضا وخصوصا في المدن مثل حيفا، يافا، والقدس وأماكن أخرى صودرت وسلمت الى المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون فيها الى هذا اليوم.

وإلى يومنا هذا يقيم 46 في المئة من ستة ملايين لاجئ فلسطيني داخل فلسطين التاريخية، فلسطين 1948، والضفة الغربية وغزة. والقسم الآخر 42 في المئة يعيشون على بعد أقل من 100 ميل من حدود فلسطين التاريخية، أي في الأردن ولبنان وسورية والباقي موزعون على المنافي البعيدة في جميع أنحاء العالم.

إن مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية تعيش فى فقر مدقع في 59 مخيما للاجئين، مع انعدام أي فرصة لمستقبل افضل. بالنسبة لهم، حق العودة ليس مجرد حلم أو نظري، ولكنه مسألة وجود وبقاء وحياة. إن الحاله مؤلمة ويائسة وخصوصا في مخيمات لبنان وغزة، هي موطن لأكثر من مليون لاجئ.

إن عودة اللاجئين الفلسطينيين لا يعني، كما هو الشائع في إدعاءات الصهاينة وأنصارهم، ستشكل خطرا ديموغرافيا وأن اليهود سوف يضطرون الى الخروج منها. ولكن ذلك يعني أن "إسرائيل" لا يمكن ان تستمر على أسلوب دولة الفصل العنصري، مع امتيازات خاصة لمجموعة واحدة أي اليهود، وتخدم مصالح الإمبرياليه الاستراتحية في هذه المنطقة من العالم.

وهذا يكمن السبب الرئيس الذي يدعو الأوساط الحاكمة الإسرائيلية والاأميركية إلى معارضة حق العودة للفلسطينيين بشدة. كما أنها تلبي الحاجة لجميع الناس الذين يقفون من أجل العدالة وتقرير المصير للدفاع عن حق العودة كحق ديموقراطي أساسي.

وهكذا رغم مرور ستين عاما على "النكبة" والتطهير العرقي لفلسطين لا يزال اللاجئ الفلسطيني أينما وجد سواء في المخيمات أو في الشتات في الجهات الأربع من العالم متمسكا بالعودة إلى بيته وقريته وأرضه. إن حق العودة لا يسقط بالتقادم. ويج أن يرافق حق العودة المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي عن الخسائر والآلام والأحزان والمعاناة التي وقعت على اللاجئين الفلسطينيين طيلة ستين عاما في الشتات والمنافي. فمن حق كل لاجئ يعود إلى أرض أن يطالب بالتعويض عن الاستخدام المادي لبيته ولأرضه. إن حق العودة هو حق فردي لا يحق لكائن من كان أن يتنازل عنه أو التفاوض عليه.

بقلم: الدكتور سعادة عبدالرحيم خليل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى