الجمعة ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إباء اسماعيل

عصفورة على مدى وطنْ

أتيتُ إليهِ عصفورةً غريبة .. مددتُ جناحيَّ فوقَ شطآنه .. فردْتُ ريشَ غربتي في دفءِ عيونه .. نثَََرني في غبار الشوق .. نَفَحَ روحي بنوره .. ألْقى عنْ وجعي الآهات التي بعثرتني وراء حدودٍ تناثرتْ غيوماً فوق البلاد رياشاً من الحلمِ .. شاهدتُ على ضفافها ذلك الحلم الخرافي يفتحُ شرفاته على الحب و يضيءُ أشواقي في الأفقِ سنابل خضراء من أمنياتٍ .. رأيتهُ يفوحُ بدهشتي .. كما لو أنّهُ غيمٌ يباركُ دمعتي ..

التَحَفْتُهُ شعْلةً من صباحٍ .. فأزْهر الصباحُ نوراً في وجنتيهِ .. سألْتهُ عن عيونهِ الخضراءَ لِمَ اعتراها الغبارُ الغريبُ .. فَلَفَّني بِصَخَبِ الدفْءِ الغامض.. في رجولتهِ المنبعثة من شَفَقِ الماضي .. كانتْ لهُ قامةُ الوطنْ .. يفترشهُ الأحبَّةُ القادمونَ من وراءِ البلادِ التي يعانقها بغيومِ نظراته.. و ينسجون صيفَ حكاياتهم على سجاجيدِ روحهِ المعَذَّبةْ .. يصَلّونَ فيهِ .. و أناقةُ السماءِ التي لا تشيخُ في أعْمارهم يرونَها صفحةً زرقاء تداخَلُ نشوةً في نسائمِ روحهِ ..

.... و أعْتلي قمَّتَهَ قمَّتينْ : قمّةَ موسيقا و قمّةَ طفولة .. و أغَنّي منهُ .. فيهِ .. عليهِ .. لهُ .. و يسحرني مداهُ الذي يخترقُ المدى.. تفوحُ نار الذكريات بأغنيةٍ ورديّة و تتفتَّحُ أزهار الطفولةِ في وجْنتيه زنابقاً معطَّرة بآهةِ التراب الذي لم يَعُدْ يعرفُ النوم إلاّ على أكتافه .. و

أستريحُ دهراً من فصولِ العذاب الذي يترنّم بِطول بقائهِ الغبيِّ فوقَ صدورنا .. ألْتمسُ أنفاسَ الحِمى المباركة .. أسمعُ عذوبةَ حلمٍ يشدو صفاء الهوى يرافقُ زفرةَ الوجْدِ العنيدة .. تتراكمُ الأصداءُ صارخةَ اللهفة من براعم السنوات التي بقيت براعماً .. و لم تنضج في شموس أحلام الطفولة .. غريباً يصمدُ .. في حصونهِ الورقاءَ المترعةَ بالقصيدة .. و يصمدُ في ذرى شوقهِ إلى المستحيل .. وطنٌ من حجر الفلاسفة .. تموجُ في روحهِ كل الفراشات .. تحومُ بحبِّ البقاءْ .. وحب اللحاق بالمدى القادم منهُ .. إليهِ .. مع أساطير الربيع .. تمنّيتهُ ساحراً لي وحدي فقط .. و كان ساحر الزمن المتلاشي في خراب الضوء .. و كان ضوءاً و قمراً أخضراً .. كان طفلاً عبقريّاً تصطدم الحواس العشر به .. و تعلّمَ السادةُ الأشرار منهُ لغة الكبرياء الأليفة .. و طموح الأتقياء .. إنفَرَدَ بلهجتهِ المحلّية أحرفاً أوغاريتيّة .. آراميّة .. عربية .. و تسامى إلى أعلى حدود السّماء .. و أقصى تراتيل الصلوات القرآنيّة و الإنجيليّة ..

تدفّقتْ طفولتهُ نهراً من عذاب الطَّلْعةِ و الإئتلاقْ .. بقي صخرةَ ً للإسمِ و الفعلِ .. و تبشيرةَ القلم بمواعيد اللقاءاتِ المستحيلة .. فتحَ دفاترهُ العتيقة .. قرأ لهم كم عمره الآن .. كان طفلاً عذباً عريقاً في رجولته الخالدة .. قرأ لهم كم وزناً تحطَّم فوق صخوره .. كم تألَّق سراباً في قصر نظرهم .. رأوه أحجيةً مضمَّخةً باستعاراتٍ جميلة .. لم يدركوا وهم أوهامهم حين كان يفتن بخرائطهم المرسومة بسواد قلوبهم التي كانت تنطف أنيناً و حسرةً من جوع الجشع .. و عطش الديناصورات المنقرضة .. لدماء أطفال المزارع الآمنة .. بقي طفل الذَُرى التي تجترحُ رعشات الأرانب .. و تضيءُ أنفاس السماء بكلَّ ما في غربته النائية من بقاء الأغنيات ْ .... عصفورته القادمة أنا منه .. فيه .. إليه و أحطُّ فوق ظهره براءة رياشي الملوّنة ريشةً ريشة .. و أعانقه حبّةً حبّة بمنقاري الوردي الذي صنعته لي يوماً أنامله المقدّسة !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى