الأحد ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم تركي بني خالد

جهلوقراطية

قديما قالوا "الجاهل عدو نفسه". وفي هذا حكمة كبيرة أتمنى لو يتعلمها عقلاء العالم الثالث. الجاهل يعادي نفسه، فيعلن الحرب على أفضل ما لديه. ولأن الجاهل عدو نفسه، فهو بالضرورة عدو للآخرين.

وحين يصل الجاهل إلى مواقع صنع القرار، تكون المصيبة أكبر، عندها يتحول الجاهل ومن حوله من المنافقين والمنافقات، الجبناء والجبانات، إلى فيروسات تنخر في جسم المؤسسة، عامة كانت أو خاصة. وحيث أن العالم الثالث تميز بأن الشخص غير المناسب يحتل الموقع المناسب، فإن الجاهل سرعان ما يحتل المواقع التي تؤثر على حياة الأفراد والجماعات، ولربما صار أمراً عادياً جداً أن ترى الجهلة في موقع المسؤولية.

الجاهل بطبيعته منافق وجبان ووصولي وربما متهور لا تهمه النتائج، والجاهل يعادي المعرفة ويتناقض مع العلم ويجافي الموضوعية، ولذلك فإن تبوأ مقعده على كرسي المسؤولية، فأقرأ على المؤسسة السلام. وليست المؤسسات العامة وحدها هي التي توفر المأوى للجهلة، بل إن للجهلة نصيب حتى في مؤسسات التعليم، المتدني والعالي على حد سواء. ولأن الطيور على أشكالها تقع، فإن مجتمع الجهلة يكونون مجموعات وشلل وبذلك يساعدون بعضهم البعض، ويعملون على مأسسة الجهل في المجتمع.

وفي المجتمع الجاهل لا يوجد نصيب لكل مجتهد، أو لأي مجتهد، بل لا مكان للاجتهاد. فالاجتهاد يعني التجديد في حين لا يؤمن الجاهلون بغير التجميد، أعني تجميد المبادرات، وتجميد الأفكار، وتجميد كل محاولة للنهوض بالمؤسسة إلى وضع أفضل.

يفرح الجاهلون وهم ينتصرون على أنفسهم، فهم كالأطفال الصغار تماماً، يلعبون بأشياء صنعوها بأيديهم، ثم سرعان ما يحتفلون بتدميرها. وحين يتضايق الجاهلون من انجاز أحرزه غيرهم، يسارعون في تدمير ذلك الانجاز، فهم لا ينامون، ولا يتركون مجالاً لغيرهم لينام أو لينهض لا فرق.

وحين يصنع الجاهلون قراراتهم، فأنهم يطبخون تلك القرارات من وراء الكواليس، في البيوت، وليس في المجالس، في السهرات العائلية، فيتضاحكون، ويتمازحون، ويعلنون أنهم سينتقمون من هذا أو ذاك، وأنهم سيصفون حسابات قديمة أو جديدة هنا أو هناك، ثم يصبحون على شر. ويتظاهر الجاهلون أن هناك حكمة دائماً وراء قراراتهم المفاجئة، ويلجؤون إلى تجنيد بعض المنافقين لتبرير وتسويغ أفعالهم. ويلجؤون إلى كلام جميل، وكلام حق، لكنه كلام حق يراد به باطل.

قد يحرز الجاهلون أهدافاً آنية ذات طبيعة شخصية وأنانية، وقد ينجحون في اغتيال أفكار ومبادرات واعدة، وقد يشمتون بقتل اجتهادات الآخرين، لكنهم فاشلون في النهاية، كما أنهم مثل البوم لا يقودون غيرهم إلا نحو مزيد من الخراب. هل عرفتم الآن لماذا لا يتقدم شيء في العالم الثالث إلا نحو الخلف؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى