السبت ٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم الطاهر مرابعي

ميزان زرياب

بتلك اللهفة وطول السّهر أبديتَ ولاء لحبها الذي يتورّم في فؤادك لشبهة في الهوى، كمن يراقص ضلا في ظلام، وعلى طول خط الصمت كان يثيرك منها ذلك الكلام وهي ساكتة، كنت في محاجة عظيمة لتبلغ منها السّداد، بينك وبينها خطوات وعلى بعد منها يطارح كلامك الفراش، لا ليستريح من أتعابك، لا لينطق بسوى ما تريد ولكن ليتفرج على حطام خساراتك الكلامية وتراجعاتك السياسية..

يبحث فيك خراب أيامك!!

كيف تتركها تذرف الدموع على أوهامك وأنت سراب، أما آن لك أن تخلع كبرك، بل أن تنتعل قلبك القاسي ولا تخلعه، حُقّ لك منذ سنوات أن تبني ربعا خال تدفن فيه أوهامهم وتسجي فيه أحلامك، على وقع هذه الكلمات كان لابد أن أستفيق يوما وإن طال الزمن، لأن رُفاة جُمع لسنوات طوال لابد أن يرفع إلى مثواه الثاني في شبه جنازة تبكي لها الرّوح، ليس لفصال في الحياة ولكن لخيانة في المآل، فما عهد الناس أن يدفنوا مرتين، نعم لقد أعددت لها محضر وفاة على أوراق ورمّمت ما رمّ من العظام في علاج على الطريقة الوحشية لآلامها الخفيفة وليس لها بعد هذا إلا أن تقرأ مراسيم دفنها أو دفنك في رواية.

كهارب من الحياة إلى الممات!! من النزال إلى الزوال، تزاول الكتابة وتعارك الكلمات التي تميتك في كلمات على أوراق.. تنضب فيها من روحك لتنفخ في هواك بالتيم، كيف لا والكلمة فيض من الخيال، من المجاز... على بُعد غفلة من الحياة سينتهي الأمر كما بدأ ولك في صباح الغد أن تُعدّ مأدبة مفخخة منزوعة الأحلام، جافة بكل مقاييسها العاطفية لا يندى لها القلم بمدّ من مداده.. حتى لا تزيد من شغف الوله بالذكريات، فقد يكون فيها لمقامك مقال. بتلك العجلة رحت في صباح الغد تشيّع ضيوفك الذين نزلوا عليك كالصاعقة لفرط الحزن من فراقهم، فأنت الذي تعودت أن تقرأ المصير قبل أن يصير... بكل الوجوه لاقيتهم وأفضت في ودّ ما تعلم قلبك مثله، لكن لسانك السليط لانَ لحظتها ليمرر تعاسة دقائقه كيما تنتهي، لقد أبديت براعة ما بعدها براعة فأنت تخالج في نفسك من قصص تتبعتها في مسلسلات سمعت بها تحكي نهاية الأنذال الذين يجيدون قيادة أنفسهم إلى مصائرهم السوداء بكل سرور.. بعفن في نفسك من نفاق تحبه داريت بين الكلمات وفزت بها بلا نزال..

وسامتك هذه وكلماتك سهام في أسماء البشر قبل قلوبهم ولا يبدو أنك سترأف يوما أو تخفف من حدّة لهجتك الجارحة على القلوب الرقيقة، ستشيع بفعلك هذا كل المتعاطفين بعد أن تقودهم لمباراة في كرة الأهواء العالية، تفحّص قسم الاستعجالات من كلماتك لتدارك حالات الغثيان والإغماء.. إنّ لهوا كالذي تماري حالة غير مسبوقة قد تساق بموجبها إلى مُقاضاة يُفصل فيها بفصلك من دائرة القلم فتخرج طريح الفراش من نزال لم يبدأ!! وإذا كان عليك أن تستفيد من كلمة صادقة فلك بكلمتي وأنا أكتب هذه الصفحات، فقد كان بي منذ زمن وله بالكتابة وكنت ياما كنتُ فارسا في دروب الغوغاء حتى اختلجني الكِبَر، ولم أجمع من كلماتي إلا كنُثار لا يعني، حتى إذا وصلت باب السُّدة أعرضوا عن مجيئي ولجمالية في بشاعة الموقف صُغت منهم من نثار الكلم أحجية.

أوقفوني لحظات وسكتوا.. وبعد أن فتشوا حقائبي وأمتعتي علّقوا ما علق بها من مناشير اسمي على دمي ومسحوا وجهي براحة رُقياهم وغسلوا قلبي من غثاء حقدي وانتشلوا منه بعد شقه نقطة سوداء كانت لي عليهم وتصالحنا على أن نعود بعد حين... بعد أن نفرغ من أحقادنا الجديدة أمام الأعداء، فقد أقسمنا ألا نترك للدّهر راحة منا حتى يتفقدنا الموت أو نهوي في واد سحيق.. منذ غازلتها وغازلتهم ذات ثلاثاء أسود وأنا أشتكي ولم يشأ قلمي أن يُغادر ساحة أعراضهم إلا أن يبسطها ويتقلب بين فضائحها.. يتمني أن يعيش ساعة من عمره خلف ظهورهم بين الحريم!! يتمنى أن يتصوّف فيهم فسقا ونِكاية بين قارورات النبيذ الموصوفة على رفوف معابدهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى