الخميس ٣١ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم باسل محمد البزراوي

طيف الذكرى

إلى روح الشهيدة الفلسطينية دلال سعيد المغربي
طيفٌ من الذكرى يمرُّ ويعبرُ
فيزيدُ حزنَ النفسِ ما أتذكّرُ
 
وتعودُني الذكرى ويشجيني الجوى
ويروعُني حُلمي وصَدري مَحشرُ
 
فلقد عرفتكِ يا دلالُ ومجدُنا
جمرٌ على جمرِ اللظى يتفجرُ
 
ولقد ذكرتُكِ والذئابُ تنوشني
وينوءُ بي جسَدي، وشِعري يُنكرُ
 
ذكرى تؤرِّقني فأبكي وردة
عبقت، وأحياها الغمامُ الممطرُ
 
فدلالُ حينَ تضرّجت بدمائها
أنقى من الطهرِ الطهورِ وأطهرُ
 
طالت سنونَ البعدِ واشتعل النوى
في مقلتيكِ ...فلم تعدْ تستذكرُ
 
أختاه أسقمَنا الرحيلُ وأوغلتْ
فينا المنونُ وحالُنا مُستنكَرُ
 
نعبَ الغرابُ بأرضنا واسترسلتْ
فيها البغاثُ كأنها تستنسرُ
 
ونهونُ بعدَكِ إذ يداهمُنا الرّدى
وثعالبُ البيداء فينا تمكرُ
 
أنتِ التي عشقتْ سماءَ بلادِنا
وترابَها, فأتتْ إليها تبكرُ
 
قد عدتِ في خفَرِ السواحل عودة
للبرتقالِ وأرضِهِ تستحضرُ
 
أختاهُ أذكرُ حين دقّ بكِ الهوى
أبوابَ حيفا والمنايا تمطِرُ
 
عرفتك بيّاراتُها فتألّقت
فيها الشجيراتُ الحبيبة تسكرُ
 
ألِفتْ مروج البرتقالِ حبيبةً
يحلو بعينيها الأريجُ الأسمرُ
 
ويحوكُ وجنتها اسمرارُ عروبتي
المشبوبُ زيّنه النجيعُ الأحمرُ...
 
عيناكِ بارقتانِ في أهدابها
عنفُ الصقورِ وقد نماهُ الكوثرُ
 
عيناكِ أبلغُ من بنادق سادةٍ
صَدِئت كما صَدئوا فبئسَ المنظرُ
 
عيناكِ أبلغت العدوَّ بأنها
أسيافُ خولة حين همَّ الأزوَرُ
 
واللهِ إن نظرتْ عيوني لحظةً
في مقلتيكِ خجلتُ ممّا أنظرُ
 
أخجلْتِ كلَّ "القاعدينَ" وزادُهم
لوْكُ السياسةِ والحديثُ مزوّرُ
 
وأكادُ حين أرى البريقَ يهزّني
شوقٌ, ويرتعشُ الحنينُ المضمرُ
 
أشتاقُ للزمن القديمِ وثورةٍ
هزّت كيانَاً للطغاة فغوّروا
 
هزّ الفدائيُّ العروشَ فأزهرت
آياتهُ فينا وفينا تثمرُ
 
تقضينَ في الأسر الغريبِ مَشوقةً
والشوقُ نارٌ والقلوبُ تهجِّرُ
 
تقضي الثلاثينَ العجافَ غريبة
وقريبة، وعيونُنا تستعبرُ
 
لا ملكَ إلاّ بالدموعِ نشيدُهُ
ولَكِ الملائكُ يسجدونَ إذا انبروا
 
فلْيعلَمِ الأعداءُ أنَّ بناتنا
أمضى من القدرِ العظيم وأقدرُ
 
فدلالُ تقتحمُ العساكرَ جَهرَة
فيفرُّ قدَّامَ المنايا العسكرُ
 
فمن الجبالِ الراسياتِ تسنّمت
قممَ البطولة والوغى يتنكّرُ
 
ومن السهول الساحلية نبضُها
حلّ الوريدَ على الوريدِ يكبّرُ
 
ومن الزهورِ اليافويّة أرجُها
ومن الجليلِ جلالُها مُتحَدِّرُ
 
ومن الشموخ التلحميّ إباؤها
ومن النخيل شموخُها المتنوّرُ
 
فالأرضُ أرضكِ يا دلالُ ومهجة
الثوّار أنتِ... وذكرُكِ المُتطهّرُ
 
فلقد نمتكِ الماجداتُ وأرهفتْ
حسَّ الكفاحِ حَرائرٌ وتحرُّرُ
 
ورضعتِ من ثديِ الخليلِ بطولة
تخشى صلابَتها الرياحُ الصّرصرُ
 
أختاهُ قومي وانظري ما نابَنا
فالليلُ يعكرُ صفوَنا ويكدّرُ
 
ضَنّت عواصمُنا وأغرقَ رملَها
بالدمِ مِنْ بعدِ النَّضَارِ البربرُ
 
وقضى الخريفُ بأنْ يخرّفَ شاعرٌ
ويذودُ عن حلفِ القنافدِ كنغرُ
 
لتبوءَ بالتطبيعِ سادة أمّتي
يتلاهثونَ, وفي السباقِ تكرّروا
 
وتبلُّ أوطاني الخدودَ بدمعِها
ويُبلُّ من دمِنا الترابُ الأطهرُ
 
أدلالُ أنتِ لأمتي مرثيّةٌ
تبكي على غدر الزمان وتزفرُ
 
تبكي وتندب ما سَئِمْنا وقعَهُ
في النفس من ذلٍّ وعارٍ يبحرُ
 
تبكي مِنَ الساداتِ مَنْ باع الحمى
وابتاع خمراً للذواتِ ليسكروا..
 
فأمامَ عينيكِ الجميلةِ تنحني
الهاماتُ إجلالاً , وفيها تكبرُ
 
وأمامَ روحِك تستفيقُ قصيدتي
والصوتُ يهدرُ والمدى مُستنفرُ
 
فترنّمت أطيارُ شعري حينما
خضّبتِ ساحلنا بقانٍ يقطرُ
 
وتراقصت كلُّ الحروف وهوّمت
روحُ الشهيدة في القصيدِ تعمَّرُ
 
لكنّ شعري ضاعَ فيكِ قديمُه
فشرعتُ أكتبُ مُحْدَثاً وأحبِّرُ
 
فالشعرُ فيكِ يزلزلُ الأفقَ الذي
رسموه غدراً بالقضية يغدُرُ
 
واستبدلوا الزمنَ الجميلَ بطبعةٍ
نبدو بها في عكسِ ما نتصوّرُ
 
سيظلُّ شعري خالداً "بدلالِهِ"
وتظلُّ فيه "دلالُ" روحاً تزهرُ
إلى روح الشهيدة الفلسطينية دلال سعيد المغربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى