الثلاثاء ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم إبراهيم ياسين

حب عجيب

جلس ذو البطن المنتفخ على كرسي وثير، وقد تدلت قطع من اللحم على جنبات الكرسي، بطن منتفخ مترهل، أمامه طاولة عليها كأس عصير وعلبة سجائر... تقدمت منه الخادمة الصغيرة، الشابة النحيلة، تقدمت بخطى وئيدة وجسدها يرتعش، لقد كانت تعرف عنه القسوة والشدة والصلابة ـ طبعا ـ على الضعاف أمثالها، وقفت على بعد متر تقريبا، انتظرت أن يرفع بصره، هو لم يلتفت إليها، هي لم تجرؤ على مخاطبته حتى يأذن لها...طال انتظارها...استمر الأمر دقائق...سرحت بعقلها وخيالها بعيدا، فجأة سمعت صرخة مدوية: ماذا تفعلين هنا؟ كيف تقفين أمامي كالصنم؟

ـ سيدي...

ـ انصرفي يا...

ـ سيدي أ....أ....

لم يسمح لها بأن تتفوه بكلمة واحدة... أمسك علبة السجائر، قلبها بشكل يسمح له بأن يتأمل، يبدو أن أمرا ما يشغل تفكيره...فجأة صرخ بأعلى صوته: فاطمة...

تقدمت منه زوجته بخطوات سريعة، زادت من سرعتها أكثر حينما لمحت صفرة وجهه، اقتربت منه ووضعت يدها على جبهته: ماذا بك أيها الرجل؟ أمسك رأسه بين يديه، أجابها بصوت تملأه حشرجة: لا أدري كيف سينتهي هذا الأمر؟ أرجو ألا يصاب بأذى. سألته زوجته ماذا تقصد...؟

ـ صديقي بريكس في حالة صحية متدهورة، متدهورة جدا، لقد نقلته إلى الطبيب، أفضل طبيب في المدينة... لقد وعدني بأن يبذل قصارى جهده في علاجه، بل إنه أكد لي أنه سيتصل بي ريثما يفحصه وبمجرد أن يحصل على نتائج التحاليل... لابد أن أكون حاضرا... الصديق في الشدة...

ـ على فكرة هل رأيت الخادمة؟ هل سمحت لها؟ هل...؟

ـ ماذا تريد مني الخادمة؟ هذا الجنس من البشر...كل همهم أن يأخذوا النقود....أنا أحدثك عن صديقي وأنت تحدثينني عن الخادمة...

ـ هدئ من روعك يا رجل، هي لا تريد نقودا ولا تسأل عن شيء، كل ما في الأمر أن أمها مريضة منذ أيام وتستأذن في زيارتها...

صرخ بأعلى صوته: فلتمرض أمها أو فلتمت... ما شأني أنا بهذا؟ من شاركني همومي؟ منذ ساعتين أو أكثر وأنا قابع هنا أحترق ببطء...لم يتصل بي أحد ليسأل عن حالي... وهذا الطبيب الفاشل اللئيم، انتظرته منذ ساعتين...لم يتصل، لكنه سيدفع الثمن غاليا...سأنتظره حتى يعالج بريكس وآنئذ سيرى...سأرهقه... الوغد اللئيم...

ـ مهلا مهلا... يبدو أنني لم أنتبه لما قلته، لقد شغلني أمر الخادمة المسكينة، أرجوك ائذن لها بزيارة والدتها...

ـ ماذا تقولين، لم تنتبهي إلى ما قلته...أنا أعلم أنكم جميعا ضدي...أنت والآخرون ما الذي يهمكم من أمر سعادتي أو تعاستي...

ـ أيها الرجل لا تتسرع وأنا ما أعلم أن لك صديقا اسمه بريكس...كل أصدقائك أعرف أسماءهم على الأقل... فمن هو هذا الصديق الذي أحزنك مرضه إلى هذه الدرجة؟...

ـ صديقي العزيز بريكس... الكلب الأمين إنه من فصيلة نادرة...ولو أنه كلب صغير الحجم فهو شرس للغاية... شكله... لونه... حجمه... سلالته...

واسترسل ذو البطن المنتفخ في الحديث بشكل أثار دهشة زوجته...فسألته والحيرة تملأ كل كيانها: من أين لك بهذا الكلب العزيز؟

ـ كنت قد أخفيته عنك حتى أجعله مفاجأة سارة...ألا تذكرين أنني وعدتك بهدية لا تقدر بثمن... ألا تذكرين؟

وهو يسترسل في هذا الحديث سمع رنات هاتفه النقال:

ـ ألو سيدي... بريكس بخير...لنقل إنه بألف خير لقد شفي تماما وهو مشتاق إليك...

ـ كيف يشتاق إلي... أتسخر مني يا دكتور؟

ـ لا يا سيدي، حاشا لله... لقد نطقت باسمك صدفة فما كان منه إلا أن نبح وحرك ذيله حركات تدل على الفرح... على أية حال، الأمر مجرد اعتقاد...

ـ إنه ليس اعتقادا...إنه أمر حقيقي...وقد تأكد لدي الأمر منذ مدة، تأكد لدي بأنه صديق وفي... إنني قادم فورا...

التفت إلى زوجته وهو يلوح بعباراته السامة: إني ذاهب إلى صديقي ائذني لخادمتك التافهة أن تذهب لزيارة أمها أو حتى لزيارة ملك الموت...ادفعي لها ما تريدين...إنني قادم يا بريكس...

بدت زوجته حائرة ولم يكن في مقدورها أن تتفوه إلا بعبارتها المعتادة، وفي قرارة نفسها طبعا: لله في خلقه شؤون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى