الاثنين ٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد التفراوتي

من ينكر تغيّر المناخ اليوم

أنكر مضار التدخين بالأمس

كشف الأستاذ نجيب صعب تواطؤ براغماتي لأحد كتاب كتاب ’’الاحترار العالمي الذي لا يمكن وقفه... كل 1500 سنة’’ قصد تمرير رؤية فكرية تعكس التوجه العام لنظرية تغيّر المناخ ومرد هذا التواطؤ ينسجم أو بالأحرى موجه لا محالة من طرف لوبي رأسمالي لم يجد بدا من صد شحنة هجمة علماء المجال البيئي سوى تدبيج تقارير مستعينا ب"علماء " براغماتيين للتأثير على الرأي العام أو للرد على حملة أل غور الناجحة للتحذير من عواقب تغير المناخ.

والغريب المريب في الأمر هو أن نفس المؤلف الرئيسي لكتاب المناخ، الدكتور فرد سنغر، كان المشرف بما يسمى ب ’’العلمي’’ على تقرير نُشر عام 1994، والذي يُنكر وجود صلة بين ’’التدخين السلبي’’، أي آثار دخان التبغ على الناس المحيطين بالمدخّن، وأمراض القلب والرئة والسرطان. وقد استخدمت شركات التبغ، يوضح الأستاذ صعب، هذا التقرير لمواجهة الأبحاث العلمية لوكالة البيئة الأميركية، التي أوصت بمنع التدخين في الأماكن العامة لوقف آثاره على غير المدخنين.

" وكما يعلم الجميع، فقد أصبحت المضار الصحية للتدخين السلبي حقيقة علمية معترفاً بها، على الرغم من تقارير سنغر وغيره."

ويقول الأستاذ صعب في نفس السياق:" لماذا أصدّق كل هؤلاء العلماء عوضاً عن تصديق مؤلّفَيْ هذا الكتاب؟ لأن الحجج الانتقائية التي يعرضانها دفعتني إلى اكتشاف تاريخ علمي مشبوه".

وعقب ناشر ورئيس تحرير مجلة ’’البيئة والتنمية’’ في افتتاحية عدد أبريل الجاري على كتاب ’’الاحترار العالمي الذي لا يمكن وقفه... كل 1500 سنة’’. لمؤلفيه، فرد سنغر ودينيس آيفري، واللذان يعتمدان نظرية تقول إن هناك دورة طبيعية تمتد 1500 سنة، يتبدل فيها المناخ بين البارد والحار،بقوله " ونحن الآن على أبواب دورة الحر. في الظاهر، قد نفهم أن الاستنتاج واحد، وهو أن المناخ يتغير نحو حرارة أعلى. لكن الفارق أن الكتاب يقول إن هذه ظاهرة طبيعية لا يمكن وقفها، ولا علاقة للنشاطات الإنسانية بها. إذاً، لا بأس في أن نواصل الأنماط الاستهلاكية المنفلتة، فنزيد انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة، ونقطع الغابات، ونلتهم موارد الطبيعة بنهم ـ فالمناخ سيتغير في أي حال. ليس هذا فقط، وفق سنغر وآيفري: فزيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ستفيد الزراعة، وارتفاع درجات الحرارة سيطيل عمر الناس ويدعم التنمية. هذا الكتاب يتوجه أساساً إلى المستهلك الأميركي، رداً على الحملة الناجحة للتحذير من عواقب تغير المناخ، التي أطلقها نائب الرئيس السابق آل غور".

وذكر نجيب بالردّ العلمي السابق على نظريات الكتاب واستنتاجاته، والذي كان دقيقاً وواضحاً، في التقرير الرابع للجنة الحكومية الدولية حول تغيّر المناخ، الذي عمل عليه آلاف العلماء حول العالم، وأجمعوا للمرة الأولى على أن المناخ حتماً يتغيّر، والسبب الرئيسي هو النشاطات الإنسانية وليس عوامل الطبيعة. وقد أيدت هذا الاستنتاج الهيئات العلمية المستقلة والرسمية في الولايات المتحدة نفسها، التي كان بينها، حتى فترة قريبة، من ينكر وجود إثبات علمي على أن الانبعاثات من الصناعة والنقل وتوليد الطاقة هي المسؤولة عن الاحتباس الحراري.

فقد ذكّرتني استنتاجاتهما بآلاف ’’الدراسات العلمية’’ التي صدرت خلال السنوات الستين الأخيرة، يفيد الأستاذ صعب، لتنكر وجود صلة بين التدخين والإصابة بأمراض القلب والرئة والسرطان، وتبيّن أنها ممولة من ’’كارتيل’’ مصنعي التبغ. اليوم أصبح الأمر محسوماً، ولم تعد العلاقة بين التبغ والأمراض موضع نقاش، بل أصبحت المسألة محصورة في معادلة أنه إذا أردت أن تدخّن وتموت أو تعتلّ صحتك، فهذا قرارك. وقد تم منع التدخين في الأماكن العامة في دول العالم المتحضرة، وانضمت إليها بعض الدول العربية، على اعتبار أنه لا يحق للمدخّن الذي لا تهمه صحته أن يعرّض الآخرين للخطر رغماً عن إرادتهم.

وعلل الاستاذ صعب دواعي التحدث بالتفصيل هن هذا الموضوع بالتفصيل وعلاقتها بتغيّر المناخ بكونه حين فكّر بالرابط بين المسألتين، قام ببعض الأبحاث، فكشف كما سيق ذكره، أن المؤلف الرئيسي لكتاب المناخ، الدكتور فرد سنغر نفسه، كان المشرف ’’العلمي’’ على تقرير نُشر عام 1994والذي ينطر آثار دخان التبغ على الناس المحيطين بالمدخّن، ومختلف الامراض الخطيرة..
و"قد استطعنا كشف مجموعة كبيرة من الهيئات ذات الأسماء البراقة التي ارتبط بها فرد سنغر، وكلها بتمويل من مجموعات استخدمتها لمحاولة تمرير أجنداتها في الادارة الأميركية، تحت غطاء العلم، مثل: مؤسسة واشنطن للقيم في السياسة العامة، والمركز الدولي للبيئة العلمية. والواضح أن دور سنغر في جميع الحالات كان لعب دور ’’حصان طروادة’’ لانكار الحقائق العلمية تحت غطاء العلم. لكن ’’ورقة التوت’’ تسقط سريعاً حين نراجع التاريخ المشبوه له ولزملائه، والجهات التي تموّل مؤسساتهم وتقاريرهم". إذ تظهر ارتباطاتهم أنهم ’’بنادق برسم الايجار’’.

وتسائل الأستاذ صعب بمرارة، "أما بعد، فماذا يريد سنغر وآيفري والذين يروجون لكتابهما؟ هل نفهم الرسالة دعوة الى الاستمرار في الأنماط الاستهلاكية المنفلتة، التي تقوم على الهدر المفرط للطاقة والموارد؟"

وجادل الأستاذ صعب مناقشا بالدرس والتحليل ما جاء في الكتاب أو ’’فضيلة الشك’’ حسب وصفه في كون المناخ يتغيّر، ولكن لعوامل طبيعية مرتبطة بدورة الـ1500 سنة العادية. مانحا إياه " نصف الحق"مفترضا أن هناك ’’نصف شك’’ أيضاً ذّلك بأن النشاط الإنساني يساهم في تسريع هذا التغيّر وزيادة حدّته.

" ماذا تخسر الانسانية إذا أخذنا ’’نصف الشك’’ هذا في الاعتبار، فاعتمدنا الاستخدام الرشيد والنظيف لمصادر الطاقة التقليدية، وطورنا مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، واعتدلنا في استهلاك الموارد الطبيعية بدل استنفادها؟ وهذا ليس لتخفيف الانبعاثات فقط، بل للحفاظ على مواردنا المحدودة، حماية للأجيال المقبلة".

مجيبا في نفس السياق أن اعتماد هذه الخيارات سيوفر فرص عمل جديدة ويؤمن مستقبلاً أفضل للحياة على الأرض. والخاسر الوحيد بعض الشركات الجشعة التي ترى أن استمرارها في الربح الشخصي السريع أكثر أهمية من استدامة الربح العام واستمرار الحياة على الأرض.

وأوضح الأستاذ صعب بجلاء تخوف سنغر وآيفري من الآثار المدمرة لتدابير الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الاقتصاد الأميركي. "حتى اليوم، لم تكن الولايات المتحدة جزءاً من المساعي العالمية لمواجهة تغير المناخ، لكنها استمرت في سياسات السوق الاستهلاكية المفتوحة والنمو المتفلّت. فهل منع هذا الاقتصاد الأميركي من الانهيار المفجع الذي نعاينه اليوم؟

وهل ستعاني الإنسانية الويلات إذا تحوّلت صناعة السيارات الأميركية من انتاج الدينوصورات التي تتجرع الوقود بنهم وتبث أطنان الغازات، حفاظاً على ما يُسمى ’’طريقة الحياة الأميركية’’، إلى السيارات الصغيرة النظيفة المقتصدة في الوقود والقليلة الانبعاثات؟

وماذا يُضرّ منتجي النفط لو خُفِّضت كمية الإنتاج وارتفعت الأسعار، وبقي بعض الاحتياطي في باطن الأرض ثروة للأجيال المقبلة؟

قد نفهم لجوء بعض مدّعي العلم إلى الشعارات الديماغوجية والجدل الشعبوي لاستقطاب التمويل من مؤسسات ذات مصالح خاصة، أو لترويج كتاب يخالف الإجماع العلمي. لكن من غير المقبول أن تتبنى بعض المؤسسات العربية هذه الادعاءات، بلا مناقشة.

نرجو أن تراجع الهيئات الرسمية في الدول المنتجة للنفط التاريخ العلمي لمثل هؤلاء الكتّاب، قبل أن تتبنى نظرياتهم".

أنكر مضار التدخين بالأمس

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى