الاثنين ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم مروة كريديه

أي دولة تريدون؟

كونية الفرد وأنوية السلطة

شكل مفهوم "السلطة" جزءًا كبيرًا من عقلية الإنسان العربي، بكل ما يكتنزه هذا المفهوم ويرتبط به من عنف صريح ومقنع، وأصبح هذا المفهوم يسيطر على شتى التصورات والمسلكيات عند الشعوب التي لم يتبلور عندها مفهوم "الفردانية " والحق المدني وما ينبثق عنه من حق الفرد في تقرير خياراته ؛ ذلك أن معظم التصورات بما فيها آراء بعض النخب، في الأعم الغالب، عبارة عن اعتقادات جاهزة منمّطة لا مكان لإعمال العقل فيها، وهي في أحسن الأحوال عاجزة عن عن تأسيس بنية أخلاقية قادرة على بلورة الحس الفردي، حيث نجد أن معظم الذين نادوا بزوال القمع في دولنا العربية يمارسون قمعًا أشد بأسًا وأشد تنكيلا، ونجد أن العديد من المتبجحين مستعدون لتقديم شعارات حول الحرية في حين أنهم يكرسون العبودية في مسلكيتهم اليومية!

فكيف يرى "الإنسان العربي" السلطة؟ وما هي الدولة بالنسبة له؟ وما هو"الفرد" في الذهنية العربية؟؟

كيف يرى الفرد العربي علاقته بالدولة؟

يتجه سكان الدول الغربية عادة الى الاعتقاد أن ثمة رابط متين يشد الفرد تجاه دولته، التي تمثل له المؤسسة الرسمية المعنية بحفظ حقوقه وصيانتها، وهي المسؤولة عنه وعن سلامته وحاجاته الأساسية، وهي المعين له في أزماته، وهي التي تنظم له علاقته وتضمن له حقوقه مع دوائر المجتمع، بدءًا من الأسرة وصولا الى علاقات العمل، وتتبلور هذه العلاقة الايجابية المتناغمة من خلال عقد اجتماعي بين كلّ فرد والدولة، لذلك فالمواطن عندها يشعر بالأمان في التعاطي مع رموز دولته ومؤسستها ويجنح اليها كأول حلّ لأي مشكل يعترضه اوينتهك حقوقه، هكذا يمكن أن نلخص علاقة الفرد بالدولة في الانظمة الغربية فكيف الحال في الانظمة الاخرى ومنها العربية؟

طيلة أعوامٍ مضت وانا أحاول أن أفهم جوهر العلاقة الجدلية المعقدة في عالمنا العربي وعلاقة "الفرد بالسلطة" - ولا أقول ب"الدولة" لان الانظمة القائمة لم ترق لأن تكون "دولا" بعد- علما أن هذه العلاقة تتشابك حولها معطيات كثيرة بالغة التعقيد، وتتدخل فيها العقائد والديانات والثقافات المتراكمة عبر عصور، ناهيك عن بنية الفكر المؤسس للممارسات ؛ محاولتي تلخصت برصد وجهة نظر الفرد العربي تجاه السلطة بدءًا من عامة الناس وصولا الى النخب الفكرية والسياسية والثقافية.

ويمكن أن يسجل المرء الملاحظات التالية:

السلطة في أذهانهم عامة الشعوب العربية، عبارة عن جهاز منفصل عنهم قائم بذاته لا علاقة لهم فيه في أحسن الأحوال، وبالمجمل فالعلاقة مبنية على التوتر والنفور، وغالبا ما تسعى الشعوب الى الوصول الى معادلة تسوية قائمة على ما مبدأ " ياحكومة انت بحالك وأنا بحالي"، وقد ساد توافق عند الافراد العاديين نساءًا ورجالا، على انه من الجيد والاسلم أن لا يتعاطى الفرد في اي امر يخص الشأن العام، وان يبتعد عن السياسية وأهلها قدر الإمكان! والغريب أن معظم العائلات العربية بتربيتها الراديكالية تتفاخر بأنها تربي أبنائها على الجهل التام بالسياسة والحقوق المدنية!

هذه صورة عامة تنطبق على معظم الشعوب العربية،أما في بعض الانظمة "الشمولية"، فالمشهد أشد سوادًا، وعلاقة الفرد بالسلطة أكثر توترًا، فالسلطة والدولة تتلخص من وجهة نظر الفرد بأنها عبارة عن جهاز قمع وتأديب، وهوجهاز حرّ بأن يفعل ما يشاء ساعة يشاء، وينتهك حقوق الفرد والجماعة ساعة يشاء، دون أن يعارضه أحد، ومن يتجرأ ويفتح فمه فسيلقى مصير من سبقه، وهي تتلخص في الاذهان برموز هي "الطاغية - الشرطة – السجن – البلطجة – الفساد المالي "، لذلك فالسواد الاعظم من الشعب في هكذا نظام يلتزمون الصمت التام ويقفلون أفواههم، يشتمون سلطتهم سرًَا ويدعون للزعيم بطول العمرجهرًا!

أما في بعض الدول العربية الأخرى فإن السلطة في نظر المواطنين هي عبارة عن عائلة حاكمة " مقدسة" لا يجوز لغيرها مجرد التفكير في كل ما يتعلق بأمور البشر ولايُسئلون بأي شكل عما يفعلون! ومفهوم الدولة والحق المدني غائب كليًّا في أذهان الناس ناهيك عن مفهوم الفرد حيث الفرد لا يرى ذاته الا من خلال عصبيته القبلية!

ومن المفارقة أن أنظمة كهذه أدت الى نشوء يأسٍ شعبي عارمٍ من كل ما يحيط بها، والأشد خطورة من اليأس هوأن من يتبنى "تغيير هذه الانظمة " هم "الحركات الأصولية" في حين أن الانتلجنسيا والنخب شُردت في شوارع الدول الاوروبية، فأي كارثة أشد تحيط بنا من أن نجد أن "الأصوليات" على رأس الثائرين من أجل الديموقراطية والحرية والحقوق؟ على الرغم من غياب القيم المدنية والحريات من عقيدة هذه الحركات!

"الفردانية " تكامل اجتماعي وعدالة سياسية:

يمكن للعاقل أن يلحظ الغياب شبه التام لمفهوم "الفردانية" و"الحقوق المدنية" من عقلية الإنسان العربي، فالفرد لا يُنْظَر له بوصفه كينونة خاصة لها حقوق مميزة، والحق الإنساني بوصفه شيئ أصيل يتعلق بوجودية الفرد يكاد يكون غائبًا. اذن فعملية وعي مبدأ "الفردانية " يكون جوهر فهمنا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية.

أن الفردانية مفهوم انساني جامع، ويتحقق من خلال "الفرد" الماثل في الكيان الإنساني؛ أنها تطال الإنسان بوصفه "كونًا ماديًّا" كما تمتد الى الجانب الروحي منه، وعلى هذا المستوى فالناس اجمعين يتساوون أما حقيقة "انسانية الفرد"، التي تتمأسس بنيتها على مبدء أن جميع الافراد على اختلاف انتماءاتهم واعراقهم واثنياتهم يتمتعون "بالحق الإنساني " و"حرية الروح"، وهم من وجه آخر يتكاملون في كيان غير متناقض. وهنا تكمن عظمة "الفردانية" وحقيقتها في آن!

"لأنها تعني احترام التمايز والتنوع بين كل كائن وآخر في ضوء تكامل الاجتماعي والوحدة الوجودية؛ وان كنا نعد أن الفرد كيان محترم وكينونة مصانة، فإن إحترام حقوقه تفترض احترام " حريّة اختياراته الفردية" وهي غاية كامنة في الكيان الإنساني لا تُدرك الا من خلال "ديموقراطية فكرية" وتسامح حقيقي.

إن تحقيق "الفردانية لا يعني بحال من الاحوال تكريس "انوية البشر وعنصريتهم " بل هومفهوم يتسع من "الانوية السلبية السلطوية الطاردة للآخر " الى مركزية مفهوم "الانوية الإنسانية المتسامحة" إذا صح التعبير، وهي بهذا المعنى تتمحور حول: تحقيق خبرة الفرد الذاتية، اضافة الى تحقيق كينونته الاجتماعية في مجتمع انساني ؛ اما فردانية الروح فهي تتبلور من خلال "كونية الكائن في اطار وحدة الوجود ".

بطبيعة الحال لا مكان لعنصرية السلطة في هكذا منظومة لان السلطة ترتبط "بالعنف" بشكل مباشر ووجودها يتنافى مع احترام الإنسان، الفردانية تتحقق في "دولة" بوصفها مؤسسة اجتماعية ترعى حقوق الافراد وتصبح السياسة وسيلة فعالة لتحقيق الادارة المدنية على الوجه الحسن، ويكون الساسة عندها هم "الحكماء" و"الرئيس" هوخادم التكامل والعقد الاجتماعي الساعي الى أن يتجاوز بانسانيته العنف والاكراه، منفتح القلب عادل.

لا اتحدث عن مدينة فاضلة! ولكن هذه هي حقيقة الكائن المسمى انسان!
ولن يستمر العنف وشهوة السلطة تأخذنا ونحن عنها غافلون!!

كونية الفرد وأنوية السلطة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى