الخميس ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم توفيق الحاج

كعب داير

لمن يستغرب هذا العنوان، ولا يعرف معناه..

أقول: انه تعريف لغوي كلبوشي لذلك السجين الذي يعاقب إجباريا، وبغضب من الحكومة بالتجوال المستمر على السجون، حتى تنتهي فترة عقوبته..!!

أما التعريف الاصطلاحي السياسي والاجتماعي، فهو ذلك الانتهازي الذي يتجول اختياريا، وحسب اتجاه الريح، وما تقتضيه بوصلة المصلحة الأنانية الصرفة بين كل الألوان والفصائل والأحزاب والفصول، كما النحلة النشيطة في البستان..!!

فمرة..تراه يساريا متطرفا أكثر من الرفيق لينين، ومرة أخرى يفاجئك حين تراه على النقيض يمينيا متشددا أضعاف أضعاف الطالباني الظواهري ومرة ثالثة تراه مشايعا ليسار الوسط أو..وسط اليمين كالأخ المناضل ذائع الصيت..بهتان عبد المليم!!

أعرف مسئولا زئبقيا غير وبدل مواقفه ولغته وبوصلته أربع مرات في عام واحد، لكل فصل من فصول السنة لون واتجاه ولغة و"برستيج "معين، ولازال يمارس هوايته في إبهار الناس من حوله، بحيث أني وغيري نحتاج دوما عند مخاطبته، إلى اصطحاب قاموس ألفاظ يتناسبوأحدث صيحات الموضة السياسة، و معرفة مسبقة ومحدثة لنشرة أخبار الطقس المزاجي لديه، فربما نلبس له "تي شيرت" صيفي، ونفاجأ بأنه بارد جدا، وممطر مطر استوائيا عاصفا فترتبك علاقاتنا الضرورية التي لابد منها، ويعتريها الزكام، وربما نعد لاستقباله ذات مساء معطفا صوفيا ثقيلا ليصدمنا بموجة يسارية خماسينية حارة..فتتأزم أحوالنا معه، ويخنقها القرف..!!

هذا "الحربائي"، وأمثاله، لا نعدم وجودهم في مجتمعنا الفلسطيني، وباتوا يشكلون وبشكل غير معلن رسميا، حزبا جديدا قديما تعارفنا عليه تحت يافطة المنافقين الجدد على غرار المحافظين الجدد في أمريكا، ورغم أنهم مكشوفون دائما حتى لأصغر طفل في أصغر حارة..!!، إلا أنهم وهذه نقطة ضعفهم، لا يعترفون بذلك، ويحاولون باستمرار الاقتداء بالنعامة، و استغلال السذاجة، وطيبة القلب المتبقية عند الكثير من أبناء شعبنا، بابتذال الشعارات النظيفة مرة، وبالتلميع الفاقع المفبرك مرة أخرى وينسون أو يتناسون أن الحذاء مهما اكتسب لمعانا وبريقا من الورنيش الجيد يبقى حذاء..!!

لعلهم يستتفهون قوة الذاكرة الشعبية التي تحفظ في أرشيفها غير القابل كما ملفات الكمبيوتر للقص واللصق والإزالة، ولا توجد لديها سلة محذوفات..!!

وإنما هي أذكى -رغم صمتها- من أن تستغبى من دعي للتقوى أو محترف للأونطة..!!

أحد هؤلاء طلع علينا قبل أيام بفيلم من تأليفه وبطولته وإخراجه..، ويحكي كعجوز ماتت أجياله عن وطنياته وتضحياته، فما كان من جمهور المشاهدين إلا أن حيوه على طريقتهم العفوية بالبصاق والتأفف، كما لو انه فسيخ عيد تالف..!!

، وكان بودهم أن يحيوه بحرارة البيض الفاسد والبندورة المفغصة، ولكن قاتل الله الغلاء..!!

والعزاء الذي يكفينا ويكفيهم
، أنهم ذكروه بسوابقه التي لا تنسى، ولاتغتفر..!!

ذاكرة الوعي هذه..هي الأمل الوحيد في ألا يضحك علينا في المستقبل متسلق حاقد، أو جاهل بائد، كما ضحك علينا أشباههم، وآباؤهم ذات أيام في مهرجانات ومؤتمرات وانتخابات..!! أصبحت من نكت الماضي الذي جر علينا مصائب الحاضر، وليس من المعقول إن يستمر مسلسل استهبالنا من أولئك السحرة الذين يلعبون بالبيضة والحجر، لأننا بحكم تجاربنا القاسية والعميقة والمتكررة من المفترض أن نكون قد تجاوزنا بكثير سن المراهقة السياسية وعنتريات "باب الحارة"التي يخدعها بسهولة التطبيل والتزمير، وهتاف الباطل بكل ما هو طاهر ونبيل..!!

وهانحن نعيش في تجربة حية تعتبر درسا وافيا للأصم والأبكم والأعمى، فما بالك بالأسوياء..!!

أيها الناس..

ليس كل من ألقى خطبة وطنية عصماء، ولوح بقبضته أمام الميكرفون يليق بقيادتكم

وليس كل من أطال لحيته، وفضفض عباءته، و تشغنف في حديثه المتلفز، هو أهل لثقتكم..!!

تبصروا المنبت، وثبات السيرة، والمنطق البسيط..قبل أن تضعوا نادمين آمالكم في أيد ملوثة بمعاناتكم..!!

أيها الناس..

انظروا حولكم..في أي زقاق سياسي كان أو اجتماعي، تجدون أحفاد الحرباء وتلاميذها، فاحذروهم كي لا تدفعوا من حياتكم ودمائكم ومستقبل أبنائكم ثمنا جديدا باهظا لتجربة مؤلمة أخرى..!!

، واعلموا أن أبشع الأمراض وأعصاها على العلاج هو عمى الألوان..!! لان المصاب به لا يحس، ولا يعترف..!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى