السبت ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد متبولي

الأصبع الخالى

مر كالمعتاد من أمام مكتبها، تحجج ببعض الأعمال المعلقة، تجاذب أطراف الحديث لثوان معدودات، انتزع من ثغرها الابتسامة وألقى نظرة عابرة على أصابع يدها ثم خرج متوجها إلى مكتبه وقد ملئته سعادة غامرة كأن قلبه يريد أن يقفز فرحا من بين ضلوعه، بدأ يمارس عمله اليومى كالمعتاد بينما أخذ احساس السعادة لديه يخبو ويتحول إلى شعور بالألم، فعلى مدار أعوام اعتاد أن ينتزع الابتسامة منها ويدقق فى أصابعها ليتأكد من عدم وجود خاتم الخطبة أو الزواج دون أن يلمح لها بشئ أو يشرح مشاعره تجاهها.

عندما يأتى الليل، فى اللحظات القليلة قبل النوم، يستجمع الأفكار فتبدو شاخصة أمامه، يتخيل نفسه وقد جلس معها وانطلقت عقدة لسانه، اللحظات التى مرت عليه وهو يشعر بالوحدة دونها، كيف كانت تتجمد الكلمات على شفتيه كلما أراد أن يقول لها أحبك، الغيرة التى تملئه عندما يراها تتحدث مع غيره، القلق والخوف الذى يتملكه عندما يعرف انها فى اجازة والهواجس التى تسيطر على عقله، هل هى مريضة؟، هل حدث ما يغضبها؟، هل تركت العمل؟، هل تزوجت؟، وفرحته كفرحة الطفل عندما يراها من جديد ويطمئن على اصابعها.

كان يعلم أن كل ذلك هراء، وأنه لا يمكنه أن يقضى بقية عمره معلقا بين هواجس وأمانى لا يعرفها غيره، لقد اضاع التردد عليه الاعوام الماضية ولا يمكن أن يسمح بضياع الاعوام القادمة هباءا، فدائما ما كان تردده وتباطؤه فى اتخاذ القرار يضيع عليه الفرص ويجعله يسير فى اخر الصف، وهوما اثر سلبا على تقدمه الوظيفى، ربما تكون مواجهته لها هى بداية عهد جديد يتغلب فيه على مخاوفه.

توجه إلى مكتبها، وجد معها طفلا صغيرا لم يتجاوز الثالثة يعتقد انه ابن اختها التى تعمل فى الخارج وتترك لها ولوالدتها ابناءها، فرصة سانحة، يداعب الطفل، يتجاذب اطراف الحديث، يلقى القنبلة ويرحل، هكذا اعتقد، يداعب الطفل كما لوانهما اب وطفله، تثنى على طريقته فى مداعبة الاطفال والابتسامات والضحكات تعلوالمكان.

يضرب الهواء نافذة الغرفة، يخيم صوت الارتطام على المكان، يفزع الطفل، يهرول نحوها وهويناديها، بينما بدت عليه علامات الدهشة والوجوم، وقف من جلسته صامتا، انتفض جسده واخذت دقات قلبه فى التصاعد والدموع كما لوانها حبست فى عينيه، هم منصرفا دون أن يفتح فاه، وكلمات الطفل تدوى فى اذنه وهو يناديها فزعا (ماما).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى