الثلاثاء ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

البيت (البيت الأصفر) رحلة تجاوز الألم

موكب عرس يسير على أحد الطرق في منطقة الأوراس الجبلية شرقي الجزائر، الأغاني والزمامير تحتفي بالعروسين، بهذا المشهد يفتتح الفيلم الفرنسي الجزائري "البيت الأصفر" انتاج 2006، للمخرج الجزائري عمر حكار، ولكن أيضا بالتوازي مع شرطي يعطي مكتوب للطفلة عاليا تحمل خبر وفاة أخيها بلقاسم المجند بحادث سيارة، كي تخبر والدها مولود المزارع الذي يبيع الخضروات في مكان بعيد، فتعتلي عاليا المركبة التي تقل العروسين وبيدها المكتوب ودموعها على خدها تمتزج بأغاني الفرح، وهو من المشاهد المؤثرة والمعبرة بقوة عن استمرارية الحياة إزاء الموت.

إذن منذ البداية الأولى يضعنا المخرج أمام ثنائيات الموت والحياة، الحزن والفرح، ومنذ هذه اللحظة يشغل النصف الأول من الفيلم حدث الموت واحضار جثمان الابن من المدينة ودفنه في الهضبة النائية التي تعيش فيها الأسرة بعيدا عن المدينة وصخبها، بينما النصف الثاني من الفيلم يتصدى للألم الذي اصاب العائلة، جراء الموت المفاجئ والشعور العميق بالفقد، ومدى امكانية تجاوزه، فان كان مولود تحمل بصعوبة الصدمة فان الأم فاطمة دخلت في حزن عميق، فيبدأ مولود وابنته عاليا بالبحث عن طريقة لتتجاوز الأم حزنها وتخرج من اكتئابها، إلى أن يحضر مولود للبيت تلفزيون وفيديو لتشاهد العائلة شريط الفيديو الذي تركه بلقاسم، فيعزي الام مشاهدة ولدها على التلفاز وهو يبعث بسلامه لهم واحدا واحدا ويخبرهم عن مدى اشتياقه إليهم.

في الفيلم قدر من المبالغة في البساطة والبراءة التي يتمتع بها الأبطال فمثلا مولود يذهب للصيدلي في المدينة ويسأله عن دواء للحزن، فيخبره أن ليس هناك دواء للحزن، لكن ينصحه بأن يدهن بيته بالون الأصفر كما فعل شخص يعرفه فتفرح زوجته وتتجاوز حزنها، فيسمع النصيحة ويدهن البين بالأصفر لكن لا يجدي نفعا، هذه المبالغة بالبساطة وإن كانت غير مقنعة إلا أنها تعمق الإحساس لدى المشاهد بقسوة الموت والألم الذي لا تستحقه هذه الشخصيات.

هذا الفيلم يذكرنا بالفيلم الإيطالي "غرفة الابن" انتاج 2001، اخراج ناني مورتي الذي يتكلم عن ذات الفكرة الموت إذ يفاجئ المرء وعلى غير المتوقع يخطف أعز الناس إليه وفي كلا الفلميين كان الابن، من ثم يصبح الفيلم كله عن ألم العائلة ازاء الشعور بالفقد رفض الفكرة والحزن من ثم محاولة القبول بالأمر الواقع، هناك نقاط تقاطع بين الفيلمين على اختلافهما، كلا الفيلمين يتحدث عن الموت كتجربة ذاتية واجهها المخرج عمر حكار عندما مات والده فعاد إلى بلدته في منطقة الأوراس كي يدفن يدفنه، وعندما عاد إلى فرنسا كتب سيناريو هذا الفيلم ولعب دور الأب، كذلك ناني مورتي عندما واجه المرض وكان يظن أنه مريض بالسرطان وأنه موشك على الموت، وبعدها اكتشف أن الطبيب قد شخص مرضه خطأ، قاده هذا إلى التأمل في الموت وكتب سيناريو غرفة الابن ولعب فيه دور الأب أيضا، رغم هذا التشابه بين الفلمين والمخرجين إلا أن ناني مورتي ذهب أعمق شكلا ومضمونا في التأمل بالموت في فيلمه "غرفة الابن".

من فيلم "البيت الأصفر" يبقى في الذاكرة مشهد مؤثر بهدوئه وعمقه، ذلك الذي يسير فيه الأب بعربته مبتعدا إلى عمق الكادر، في قلب الظلام الذي يكاد يبتلعه لولا ضوء اللواحة البرتقالي التي اعطاها إياه شرطي السير، ليكمل رحلته باتجاه مدينة باتنة حيث جثة ولده، بمرافقة موسيقى تصويرية رقيقة تعمق الاحساس بالسير وحيدا نحو المجهول الغامض الذي لا يتوضح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى