السبت ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد متبولي

إله المقعد

اليوم الأول له بمنصبه الجديد، يفتح باب السيارة بجوار السائق، يحمل حقيبته، يدخل من الباب مصافحا كل من يلقاه، يجلس على مقعده الجلدى الوثير، ويقدم له الساعى فنجان القهوة الذى طلبه، يرتشف منه ويشكره عليه رغم أن مذاقه لم يعجبه كثيرا، يدخل عليه الموظفون مهنئون، يسعى كل منهم لتعريفه بنفسه، يقدم له بعض الأوراق المتعلقة بعمله محاولا تضخيم دوره وابراز اهميته والثناء عليه وتملقه على الرغم من أن أي منهم لم يعمل معه من قبل.

بدأ يتأمل مكتبه الجديد، تلك المفروشات الفخمة، ذلك المكتب مترامى الأطراف، والمقعد الجلدى الذى لم يكن فى استطاعته الجلوس عليه قبل حصوله على ذلك المنصب، أو حتى شراء مثله فثمنه سيؤثر على ميزانيته الشهرية بشدة.

بدا مستغربا من تودد الموظفين اليه وسعيهم لكسب رضاءه، فربما لو طلب أى شئ لفعلوه حتى لو كان على حساب كرامتهم، ولما لا فقد اصبح بالنسبة لهم مصدر المنح والمنع، فمن وجهة نظرهم هو يتحكم فى أقواتهم، من سار فى ركبه نال من النعم ما لم ينله غيره، ومن عاداه فكأنما عادا الناس جميعا وخرج من جنته ليكتوى بناره، فببساطة شديدة لقد ألهوه، فقدوا يقينهم بأنه لا يملك لهم ضرا أو نفعا، وان لهم إله واحد هو الذى يرزقهم، ليعودوا إلى الجاهلية مرة اخرى، يصنعوا الصنم كي ما يعبدوه ولا يهمهم أن كان رمز لصالح من الغابرين أو فاجرا أريد به أن يكون عبره، لقد اصبح إله المقعد، بدأ يشعر بتلك القوة والسطوة التى مكنت له وتلك الحياة التى تغيرت، فهو المتحكم فى مصائر العباد والأموال وهم من مكنوه طواعية من ذلك، حتى دون أن يستشفوا أن كان يصلح أم لا.

أوشك يوم العمل على الانتهاء، قدم له الساعى فنجان القهوة بذات مذاق الصباح، نهر الساعى، القى بالفنجان فى وجهه دون أن يحرك الآخر ساكنا أو يفتح فمه أو حتى يبدى نظرة استنكار، أمره بعصبية أن يحمل له الحقيبة، خرج من مكتبه منتصب القامة موبخا كل من لقاه فى طريقه حتى باب السيارة، أشار للسائق بأن يفتح له الباب الخلفى، جلس جلسة تبدو منها علامات الزهو بالنفس، ثم أمره بتعالى أن ينطلق والموظفون من حوله يلوحون له بأيديهم مودعين دون أن يلتفت إليهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى