الأربعاء ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم زياد شليوط

الفكرة

نهضَ المختار من نومهِ مذعوراً ولمّا يطلع الصباح، سمع نقرات خفيفة على درج منزله. أصاخَ السّمع جيدا، لم يكن هناك أي صوت. ظنّ أنه يحلم. استعاذ بالله وعاد إلى نومه. لم تمضِ ساعةٌ وإذ به يقفزُ ثانيةً من سريره. هدوءٌ تام. يكاد لا يصدّق.

في المرّة الثالثة لم تعد أعصابه تحتمل الانتظار. نادى على أبنائه الذين اتوه فزعين منزعجين. طلب منهم أن يحضروا أسلحتهم. الأول مسدسه والثاني بندقيته والثالث خنجره. وقفوا عند الباب، فركوا عيونهم وحملقوا في الدرج، لم يروا شيئا. عادوا خائبين، فصاح بهم والدهم المختار غاضبا وحانقا لفشلهم هذه المرّة.

تكرّرت الظّاهرة مع المختار لعدة ليال. عندها قرّر أن يحدث جلساءه في الديوان. دهش جميع الحاضرين مما سمعوه من مختارهم، وعندما سألهم رأيهم، لم يجرؤ أحد على التفوه ببنت شفة. ومن كان في ذهنه سؤال أو استفسار آثر الصمت على الكلام. واحتاروا في أمر الصوت ليلاً على درج منزل المختار.

وكان قد اندسّ بين الحضور شاب نحيف الجسم، قصير القامة، يكاد لا يظهر بين شيوخ القرية الجالسين في الديوان، لكن إمارات الخبث بادية على وجهه، تجرأ الشاب وقال بصوت رفيع:

  إنها الفكرة!

التفت المختار ناحية الصوت الضعيف وسأل: ماذا؟ من الذي تكلم؟
مدّ الشّاب الخبيث رقبته كي يراه المختار وأجاب:

  أنا يا سيدي المختار، وقلت إنها الفكرة!

اعتلت الدهشة وجه المختار ثانية، وعاد ليسأل الشاب مسرعاً.

  وما هي الفكرة؟ قل، لا تخف.

فتلعثم الشاب خجلا ورهبة، وعاد ليقول:

  أقصد.. أي.. انها الفكرة!

كتم بعض الجالسين ضحكتهم، بينما بدأ صبر المختار ينفذ، وقال بصوت يشوبه الغضب:

 أجل، وما هي هذه الفكرة، قل.. قل!

حاول الشّاب الإجابة وإمارات الخوف تكسو وجهه:

  لا أدري.. لكن.. هي.. الـ..فكرة!

وهنا نفذ صبر المختار، فثار وهاج وصرخ بأعلى صوته:

  قم من هنا يا وغد.. يا حقير.. انك مزروع.. من سمح لك بالدخول؟ أتريد أن تفقدني عقلي..؟ انصرف أنت وأمثالك.. اغرب عن وجهي يا غراب..!

وهبّ يدبّ ويركل برجليه ويلوح بيديه، والشيوخ يحاولون الإمساك به.

وبقي السؤال عن الفكرة يحوم في سماء القرية دون جواب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى