الأربعاء ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم ياسمين شملاوي

مرام لم تعد باسمة

أكثر الذكريات التي تنقش على جدرانن شرايننا وتتشبث في عقولنا.. وتغدو عميقة.. عميقة.. لا نستطيع نسيانها أو تناسيها على مر الأيام..

ولعل حياتنا اليومية وما تحويه من مفردات الألم والقهر والمعاناة.. ما تجعل أحداثها السحيقة تطفو على سطح ذكرياتي.. حتى انه ما من يوم يمر إلا وأراها تتهاوى أمامي كقطعة قماش بالية.. هشة عاجزة عن لملمة شظاياها وصورها.

ومهما حاولت اتباع قواعد الاسترخاء واستدعاء الصور السعيدة من صندوقي الأسود المحكم الإغلاق..في أسبار ذواتي الخفية إلا أنها تزداد غورا وسبورا..

ورغم هذا الكم المركز من اجترار الذكريات المتراكمة فوق كاهلي وكأنها الجبال..إلا أن صورة صديقة طفولتي وعمري (مرام النحلة) تبقى المستحوذة على كل جوارحي وإحساساتي.. وهي ما انفكت تستقبلني مع ترانيم كل صباح..تلبس زيها المدرسي الأزرق تلملم شعرها الناعم المنثور.. بطوق من الياسمين.. ليزيدها سحرا ودلالا.. لا تكاد تفارقها ابتسامتها العريضة التي أصبحت علامتها الفارقة المميزة..

نشبك أيادينا.. نتباهى بطفولتنا المفعمة بالحيوية والنشاط.. نقارب ما بين مقاعد الدراسة حتى تحتك الأكتاف.. ويغدو همسنا أكثر وضوحا. وفي ساعات المساء.. يحضرنا الشوق والحنين.. فنخترع لأهالينا أسبابا واهية لاستعمال الهاتف.. وما أن أسمع صوتها الآتي من الحارة القريبة كوقع شحرور يشدو.. حتى يُطمئنني قلبي بأن عالمي يسير برتابته المعتادة في رسم معالم الغد الحالم بالأمن والأمان..

مرام: - هل سترتلين علينا غدا بعضا من آيات الذكر الحكيم..

 طبعا حبيبتي غدا دوري بالتسميع..

مرام: - يا الله ما أطيب معلمة الدورة وما أحرصها على تحفيظنا القران الكريم وشرحه..

 تريدنا أن نكون على خطى الصالحات من أمهات المسلمين..

مرام: - كم حزنت البارحة على صديقتنا (ملاك) كان الله في عونها

 ليس بسيطا أن تفقد الأسرة راعيها..

مرام: - ما أكرم أن يقضي الإنسان شهيدا..يشفع لسبعين من أهله..

.. وفي ليل ذات اليوم حيث سقط الدم فيها في الدم.. والتاريخ من التاريخ.. ومرام من الياسمين..

اقتحم المغول محيط سكناها.. بحثا عن شباب المقاومة.. فاختلط الرصاص بالدم.. والصراخ بالهدم.. وصوت جريح غير بعيد عن بيتهم.. يستغيث..ينزف يتألم.. اندفع أبواها نحو الباب غير آبهين لجنود الموت ودباباتهم وآلياتهم.. يحاولون انتشال ما تبقى من الجريح الذي أمسى جثة هامدة..غير بعيدة عن جثامين رفاقه الأربعة الآخرين..

مرام التي تقف غير بعيدة عن والديها تشاهد ودموعها منهمرة على وجنتيها.. أطلقت صرخة رعب وفزع وفتحت عينيها وفغرت فاها (وا.. ويلتاه....)!!؟؟
عاجلتها رصاصة احتلالية غادرة مرت بالقرب من جبهة والدها وأُذن والدتها..
لتخترق دمعتها ولتستقر بثغرها الجميل.. وتقتل معها كل ما هو جميل.

(ولتسجل مرام رقما جديدا في قافلة الدم المسفوح في كل دقيقة (..
اليوم وبعد أربعة أعوام على رحيلها.. رزقت والدتها بمرام جديدة غدت تملأ حياتهم بالبهجة والسعادة.. والذكريات..!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى