الخميس ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
تحت القصف
بقلم رانية عقلة حداد

رغبة بالسلام مع العدو مهما يكن الامر

فجأة تصحو على وقع قذائف تتساقط حولك... ولا تعلم هل هذا الصوت الذي يدوي هو صدى لكابوس لم تلبث أن استفقت منه، أم أنه واقع يفرض وجوده من حولك، بهذه الاصوات استقبل اللبنانيون بما فيهم المخرج (فيليب عرقتنجي) صباح 12 تموز 2006، حيث العدوان الأسرائيلي على الجنوب.

"بدل ما ابكي عملت فيلم" هكذا كان جواب فيليب عرقتنجي على الحرب، فعبر عن غضبه ب فيلم "تحت القصف" انتاج 2006، الذي تم تصويره على مراحل: اثناء الحرب وتحت القصف، وبعد انتهاء الحرب مباشرة في الوقت الذي كانت فيه وحدات اليونيفيل تستقر على السواحل واللبنانيون كانوا يدفنون موتاهم، ثم استكماله بعد اشهر قليلة، فلم يكن هناك نصا مكتوبا مسبقا، انما الحرب المشتعلة وفكرة بسيطة في عقل المخرج عن امرأة شيعية تدعى زينة (ندى ابو فرحات) تعيش في دبي، تقرر العودة إلى لبنان اثناء الحرب بعد انقطاع الاتصال مع اختها، للبحث عن ابنها كريم الذي ارسلته ليمضي العطلة الصيفية معها في قرية خربة سلم الجنوبية، ونظرا للحصار لا تصل إلى مرفأ بيروت الا يوم وقف اطلاق النار، ولا تجد سائق تاكسي سوى طوني (جورج خباز) المسيحي يرضى وسط هذه الظروف أن يقلَها إلى الجنوب بحثا عن ابنها.

إذن كانت القصة المفترضة تتشكل اثناء التصوير، وتتكيف وتتفاعل مع الحدث الواقعي، فذهبت اسرة الفيلم إلى المدارس والكنائس حيث التجأ اهل الجنوب من القصف فالشخصيات كما الديكورات والاحداث كلها واقعية، وكانت تدخل ندى او الشخصية المفترضة زينة على الناس في الغرف والممرات وتسألهم أن كان احد منهم قد شاهد اختها وابنها او يعلم عنهما شيئا، ودون تدخل المخرج في ادائهم اجابوا بعفوية وبعضهم سرد قصته والتي هي شهادة على الحدث، وبناءا على ما يقولون كانت تتجاوب معهم الممثلة وترتجل بما يناسب، وبعد الانتهاء من التصوير في فترة الحرب، وما بعده مباشرة، تمت تطوير الفكرة وكتابة النص بناءا على ما تم تصويره، من ثم استكمال التصوير، وهذا الاسلوب جديد في السينما يؤسس له فيليب عرقتنجي، فلم يسبق لفيلم أن جمع بين الروائي والوثائقي على هذا النحو حيث احداث الروائي تتشكل اثناء الحدث الحقيقي لتبدو فيما بعد كجزء منه، وان راى فيه النقاد عند عرضه في ايطاليا أنه يحاكي فيلم روسلليني "برلين العام صفر" والذي شكل بداية التأسيس للواقعية الجديدة حينها.

في حديث عبر الهاتف مع المخرج فيليب عرقتنجي اتاحته ادارة جراند سينما بعد العرض الذي خصصته للصحفيين والنقاد، اشار أنه اختار معالجة موضوع الحرب بهذا الاسلوب الذي يجمع بين الوثائقي والدرامي، لانه اراد أن يصل إلى مشاعر الناس لا عقلهم الذي يمكن للوثائقي أن يخاطبه، لانه يريدهم أن يحسوا فداحة الحرب وقسوتها، وليس الانشغال في ادانة طرف ما، فعندما تندلع الحرب يتم الحديث عن كلا الطرفين ومن معه الحق ومن ليس معه حق، اما الناس والضحايا فيتم نسيانهم تماما، لذا هذا الفيلم هو صوت الضحايا وضد الحرب اي كانت.

من منا لا يتفق مع المخرج أنه لا للحرب، انتبهوا للناس والضحايا، لكن هل لا للحرب بالمطلق كما يقدمها الفيلم، ماذا لو كان هناك من اعتدى على ارضك، او بادرك بالحرب الا تدافع عن نفسك، والا تدينه؟ قد نختلف مع رؤية عرقتنجي كما وردت على لسان بطلته زينة وهي تخاطب روح شقيقتها في المقبرة "هاي الحرب مش حربنا"، وايضا كما اوضح في المقابلة لا للحرب ونعم للانفتاح على الاخر والحوار معه كبديل الحرب... "انا مستعد للحوار مع الطرف الاخر حتى لو كان الاخر غير مستعد ويقصف بلدي"، لكن يبقى "تحت القصف" من الافلام التي تدين الحرب بعيدا عن الصراخ والبكاء، باسلوب هادئ ينساب إلى الاعماق، كما يمتاز الفيلم باداء بطليه جورج وندى التي نالت عنه جائزة احسن ممثلة في مهرجان دبي الاخير، وفي ذات المهرجان نال الفيلم جائزة المهر الذهبي لاحسن فيلم، وجوائز اخرى من عدة مهرجانات دولية.

من ناحية اخرى يكتسب بحث زينة عن ابنها على مدار الفيلم مستوى ثاني للدلالة، فهوالحلم والمستقبل، ويترك لمشاهدي الفيلم معرفة هل سيبقى مفقودا أم انها ستجده؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى