الثلاثاء ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم عمر يوسف سليمان

فشل التجميل الشعري

على الرغم من كل العوامل التي لا بد أن تؤثر في مبدع العمل الأدبي، يبقى الإبداع عملية فردية ككائن يرفض الانتماء إلى المألوف، وكما أن السائد يرتبط بالجماعة، فالإبداع يرتبط بالفرد، إنه يتعالى ويصنع لنفسه طريقة مختلفة لم توجد من قبل، وإلا لما كان إبداعاً.

بدأت كلمة (الجيل الشعري) في الظهور على الساحة الفكرية العربية منذ أواسط القرن العشرين تقريباً، أي مع بداية ظهور شعرِ التفعيلة، والشعر الحر(النص النثري)، وهنا نلاحظ أن هذا التزامن كان له عامل مشترك، وهو بداية عملية الاختلاف التي حدثت في الشعر العربي في تلك الفترة، إذ صار لكل جيل ملامحه التي تميزه عن غيره، وكان اصطلاح الجيل الشعري مترافقاً مع العقد، فهناك جيل الخمسينيات وجيل الستينيات وهكذا، ...ولكن تصنيف الشعراء وفق هذه الأجيال صنع إشكالية، إذ على أي أساس ينتمي شاعر ما إلى جيل ما? هل ينتمي إلى شعراء الستينيات-مثلاً- إذا نشر أول أعماله في ذلك العقد?، أم ينتمي إلى الجيل إذا ترافق مع نضوج موهبته واكتمال أدواته واتضاح ملامح خصوصيةِ شعره? وهنا يبرز التساؤل الأهم: كيف يكون لهذا الشاعر أدواته الخاصة وطريقته المختلفة الخارجة عن السائد إذا كان سيشابه أقرانه من المنتمين إلى هذا الجيل أو ذاك? وبالتالي ينتمي إليهم.‏

كثيراً ما نقرأ في النقد مصطلحات متبوعة بعبارة (وهذا ما انتشر بين شعراء التسعينيات أو الثمانينيات)، وهو أمر طبيعي، إذ إن موضوع التأثر خطير في عالم الإبداع، و حين يتهرب منه الشاعر يلاحقه دون أن يشعر في لحظة الكتابة، فكيف إذا كان هذا الشاعر يجالس أقرانه وتربطه بهم الصداقات وبالتالي يسمع شعرهم ويقرأه على الدوام? إلا أن هذا لا يلغي الإشكالية المتعلقة بالانتماء إلى جيل ما، وهو الأمر الذي أرفضه شخصياً، لأن الانتماء سيجر معه أدوات الشاعر وسماته، وبالتالي يلغي الخصوصية التي لا بد أن يتمتع بها، ثم إن هذا الانتماء مشكل في حد ذاته كما أسلفت.‏

كل ما سبق الحديث عنه يخص تسمية الجيل بعد انتهاء العقد الخاص به، ولكن هناك من يبدأ بتشكيل الجيل قبل اكتماله!، ومن شعراء لم تنضج أدواتهم بعد!، بل يجمع أفراد الجيل بغية تشكيله بما يشبه الجماعة!.‏
هذا ما حدث معي عندما اتصل بي أحد الأصدقاء وسألني: إنني أدعوك إلى الانتماء لجيل الألفية الثالثة، فسألته: وكيف يكون هذا الانتماء? أجاب: تتقدم بثلاث قصائد وتُعرض على لجنة تحكيم تضم بعض الشعراء من جيلنا، ولكن لا تقلق فأنت ممن سيُوافق على أعمالهم وينضمون إلى الجيل بالتأكيد، فقلت له: إنني لا أعرف الكثير من الشعراء الذين تتحدث عنهم، ثم ما الذي يجمعني مع باقي أفراد الجيل حتى أنتمي إليهم?وإذا تغير أسلوبي في يوم من الأيام سأطرَد من جيلكم?، نعم، إنه حب إثبات الذات وإيجاد الكيان المستقل ولو من الوهم والفراغ، كيف تجمعون شعراء شباباً وتشكلون منهم جيلاً مستقلاً لم يوجد بعد?!، فالمسألة لم تعد جيلاً، بل أصبحت صناعة جماعات على حساب الشعر، هذا الجيل سيكتب كله بأسلوب متشابه، فهو شكّل نفسه قبل أن يوجد! وكأنه ينقصنا المزيد من الرتابة والتكرار في الشعر حتى نشكل جيل ألفية ثالثةٍ يزيد منهما!، وبالفعل، فقد بدأت هذه البوادر تتضح في هذا الجيل الذي رفضت الانتماء إليه، والذي انتُهي من تشكيله!والذي بدأ بمحاربة أجيال سابقة وشعراء جدد بسبب اختلافهم عما يكتبون! فهل هذا هو الاختلاف الشعري? أم أنه الاعتراف بالآخر مع إيجاد الجديد? وكأن الشعر أعطاهم حقوق الملكية المطلقة، ومفاتيح أبوابه المقدسة ليُخرِجوا ويُدخلوا منه وإليه من يشاؤون.‏

إن إثبات الذات لا يكون إلا بالإبداع الفردي الذي ينفر من التشابه والتأثر، لا ذلك الذي يدعو إليهما، ويحاول أن يُوجدهما، ليشكل جيلاً مستقلاً، قائلاً(جيلنا يتميز بكذا وكذا) فنحن لسنا أحزاباً لها مبادؤها وقوانينها، إنما الإبداع أشبه بالجنون، يحاول أن يتغلب على كل قانونٍ يحكمه.‏

هل تكفي ثلاثة نصوصٍ لأنتمي لجيل الألفية الثالثة? ربما كانت القصائد لا تشابه أيَّ نصوص أخرى قدمها آخرون، إذاً ما الغرض? إنه استقطاب أكبر عددٍ من الشعراء لضمهم والتحدث باسمهم في وسائل الإعلام من قبل رؤساء الجيل! و محاربة من لم يتبع أهواءهم وقوانينهم.‏
أما يكفي أننا لا نتحدث عن آرائنا في الكثير من الميادين!، إذ ثمة من يتحدث عنا!هل يجب أن ينسحب الأمر على الشعر أيضاً? كلّ ما أخشاه أن يقوم بعضهم بتشكيل جيل الألفية الرابعة منذ الآن!.‏


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى