الثلاثاء ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
كلفتي
بقلم رانية عقلة حداد

ودرب يمتد أمامنا من الواقع نحو المجهول

كلفتي (باسم السمرة) أي النصاب الشخصية الرئيسية في الفيلم المصري الذي يحمل اسمه "كلفتي" انتاج 2004، للمخرج محمد خان، حيث كلفتي لا يمثل نموذجا استثنائيا في المجتمع إنما حلقة من سلسلة طويلة من النصابين على تنوع مهاراتهم، لكن علينا هنا أن نميز بين نوعين من النصابين؛ الأول ثري يدفعه حب امتلاك المزيد من المال والسلطة إلى النصب، والثاني فقير تدفعه الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة إلى النصب، وإلى هذا الأخير ينتمي بطل الفيلم، إلا أن محمد خان لا يقدم هنا صورة لنصاب سوداء بالكامل، فكلفتي كغيره من ابناء طبقته ظروفه قادته إلى هذا الحال لكن لا زال قلبه ينبض ببعض الخير، فها هو يتعقب النصابين الذين ضحكا على شاب أمام ناظريه، ونصب عليهما، ليعيد إلى لشاب نقوده، بعد ما أخذ حصته من نقود النصابين، كما أنه يشتري البرتقال ليعطيه لأطفال الشوارع في الملجأ الذي عاش فيه لفترة في طفولته.

أقرب إلى الفليم التسجيلي

إلا أن هناك لحظات في الفيلم ينتاب خلالها المشاهد شعورا بالملل، وذلك لأن ليس هناك حدث يتطور خلال الفيلم، ليس سوى تقديم ملامح عن شخصية كلفتي، واقعه السيء واستعراض بعض عمليات النصب التي يقوم بها، ووعوده الكاذب للفتيات بالزواج، ثم يقدم لنا الفيلم خلفيته الاجتماعية والاقتصادية من خلال زياراته؛ لملجأ أولاد الشوارع، ولوالدته - التي انقطع عنها لأعوام- ندرك بعدها أن الأوضاع الاقتصادية السيئة دفعت والدته إلى الزواج من جديد، مما جعله يهرب من المنزل إلى الشارع، ومن ثم إلى ملجأ أطفال الشوراع، واستعراض لمحات من ماضي وحاضر كلفتي مع غياب التشويق والأحداث التي تتطور على امتداد الفيلم، يجعله أقرب إلى الفيلم التسجيلي من الروائي، الذي يرسم من خلاله بورتريه تظهر ملامح الشخصية التي قد لا تمتلك بالضرورة نقاط انعطاف تنقل الشخصية من حال إلى آخرى.

هذا لا يقلل من قيمة الفيلم، ولا الصورة المشهدية الجميلة التي يرسمها خان بكاميرته، على وجه الخصوص في نهاية الفيلم بعد أن يخرج كلفتي من السجن ويواصل نصبه على سائحة أجنبية تتشمس على الشط، فيراهنها على مائة دولار أنه يستطيع المشي على الماء من دون أن يغرق، فتمتعها الفكرة وتلوح له بالمائة دولار التي لن يحصل عليها إذا ما غرق، ونرى بعدها كلفتي يمشي على الماء، أنها ليست معجزة إنما يوظف ذكاءه في خدمة النصب، فهو يعلم أن هناك ممر خشبي يمتد إلى البحر يختفي تماما عندما يعلو الموج البحر ويغمره، ويستمر في المشي إلى أن يصل إلى نهايته فيغرق، وينتهي المشهد الأخير في الفيلم بهذا الممر وقد انحسر الماء عنه، وها هو يمثل دربا يمتد أمامنا من الواقع المر نحو المجهول.

"كلفتي" فيلم من انتاج محمد خان الخاص عام 2004، وهو أولى أفلامه المصورة بكاميرا الفيديو الرقمية، وقد واجه صعوبات في عرضه سينمائيا وبقي حبيس الأدراج إلى أن تم عرضه هذا العام على إحدى القنوات الفضائية، "كلفتي" الفيلم الذي عاد به خان بعد فترة انقطاع طويلة عن السينما، فهي الفترة التي سادت فيها كوميديا الأفيهات، فمنذ "يوم حار جدا" عام 1994 - آخر فيلم اخرجه في التسعينات- لم يخرج سوى "أيام السادات" عام 2001، في حين كان يخرج قبلها بمعدل فيلما كل عام منذ بداياته في "ضربة شمس" 1978، و"الرغبة" عام 1980، مرورا بأفلامه المميزة "عودة مواطن"1986، و"زوجة رجل مهم" 1987، "أحلام هند وكاميليا" 1989، إلا أنه بعد "كلفتي" عاد إلى السينما بقوة واخرج بعدها "بنات وسط البلد" عام 2005، وفي "شقة مصر الجديدة" عام 2007، وهو الآن يحضر لتصوير فيلمه الجديد "نسمة في مهب الريح".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى