الاثنين ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم يونس توفيق الحمداني

حالاتٌ خاصة لرجلٍ يتماسك

1. الوجه.
من صمتكَ أينَعَ وجهٌ،
تعرِفُـهُ:
كالماءِ تماسَكَ فيكَ،
وتقرأُهُ:
يَتغَيَّبُ لحظةَ شاءَ،
ولايأتي،
خلفَ الأسوارِ يضيع.
وبينَ مَفاوِزَ "باب الشَّمسِ" تألّقَ مبتهجاً
وخَـبَا.
أَستوقِفُ أقدامي
بينَ النّهرِ المتثاقِل
والأبواب؛
وأعرفُ أنَّ خُطانا في "الدّندان"
تصابَت فيها دائرةَ الأيامِ،
وشَبَّ عليها دِفء الإلفةِ، والتّذكار.
 
2. السـاعة.
دَقّت.
سَــثغادِرُ مقذوفا خلفَ الأبواب.
تَترَنَّحُ كالأعجازِ
تَميلُ
وتَهوي
تنبضُ... تَشهَقُ،
ثمّ تضيع.
تَتحاملُ فوق بقاياكَ المشلولةِ
منقوعاً بالسُّـكرِ
وبالحسَرات.
هَل تُجمِلُ كلّ الأشياء المَهجورةِ حولكَ؟
قد لاتدري شيئاً،
قد تصحو ثمِلا...
فَوجوهُ الظلماء التّعبى صحراءٌ من همٍ،
وغِناءُ المَخمورينَ عَويلٌ
تَنفُرُ منهُ غَزالَة صبرِكَ،
والإغفاءة في ظلّ الألحان.
أجمِل:
ساعاتكَ دقّت من غَضبٍ،
وجُنون...
 
3. إمرأة.
أمسَـكتَ بِها.
كانت غَيماً يَتفجَّر بالأضواءِ،
ويرعُدُ بينَ عيونِ الشَّوقِ،
قوِياً
حُرّاً.
كانت خيمةَ قلبكَ
ناراً للكلِمات.
يداها فيكَ،
يداها منكَ،
وفيكَ صباها يغرقُ،
يُزهرُ،
قد تَتوحَّدُ فيها،
أو تَتماسكُ مسحوراً بِحوار النظرةِ
والهَمسات.
أمسكتَ بها.
من قُمقُمِ صَمتِ البحرِ تجيءُ،
وتَهدُرُ،
ثمّ تُضيءُ كنجمَةِ صُبحٍ بين يديكَ.
تُعانقَها
أو تَنفُرُ منكَ وراءَ الباب.
 
4. بيت من الماء.
رَطبٌ،
يتكوّم منزويا
في منعطَفٍ حجريّ،
تأتيه الريح السوداء من الطرقات
وتنثر فيه لزوجة رائحة الفقراء.
تتقدّم،
يثقلك التجوال
وهمّ الأرض، تنوء
وتكبو تحت جدار المنزلِ،
تحتضنُ البابَ الخشبيّ المنهك بالأعوامِ:
 أتذكر ياطفلا ضَمَرتهُ "الحوت" *
وعافَت فيه نُبوءة أن لا يحزن،
أن لارؤية أقسى من سريان الجوعِ
وقحطِ النوم؟
في فقر مداهُ ولدت،
وخَلفَ سذاجتهُ والطِيب كَبُرتَ:
فصارَ هواكَ
مَخالب من نار،
تنمو في قلبكَ
أو تتأَصَّل في عينيك.
 
5. وطن.
فَاحُكُم.
أيّ منّا لايغرقُ فيه "الخضر"
ولايأتيه الماء.
عليك العُشب طيور
من قطراتِ الشوق،
وعِطر الحبّ.
قِف.
يارجلا يتَقاسمكَ الوطن المنقوش
على طول الأنفاسِ،
ويرسمُ في عينيكَ سماء كالبلّورِ،
تغازلها،
وتُنادمُ نهديها.
يَتحاورُ فيك،
وأنت تعالج سرَّ الصبرِ،
وجَني ورودَ العشقِ
من الأحشاء.
فلا سافَرتَ،
ولا قضَمَت خُطواتكَ أبعادَ الطرقات.
وأنتَ،
نُجومكَ سبعٌ لاتطفأ،
فاحكُم أن لاتُطفأ.

 [1].


[1ملاحظات:
 باب شمس: موقع أثري في مدينة الموصل فيه باب لمعبد يشرف على شروق الشمس، حيث كانت تُعبد فيه آلهة الشمس في العصر الآشوري الوسيط.
 الدندان: منطقة أو حي في مدينة الموصل قرب نهر دجلة.
 الحوت: كما جاء في قصة النبي يونس (ع) في القرآن الكريم، وله مرقد في مدينة الموصل.
 الخضر: شخصية دينية يعرف عند الناس في الموصل بأنه حيّ ويحضر عند الماء وهو هنا رمز لمملوكية الماء والتوحد فيه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى