الخميس ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
قص ولزق
بقلم رانية عقلة حداد

شباب وأحلام تتكسر على العتبة

إلى أين يمكن تفكير الشباب أن يقودهم عندما تتكسر أحلامهم على العتبة بسبب الوضع الاقتصادي الخانق، وإلى انعكاس هذه الاوضاع على حياتهم ينقلنا الفيلم المصري "قص ولزق" انتاج 2006، للمخرجة هالة خليل في ثاني أفلامها بعد فيلم "أحلى الأوقات، والذي نالت عنه عدة جوائز منها؛ جائزة مهرجان روتردام للفيلم العربي في دورته السابعة، وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين لأفضل فيلم عربي.

يوسف (شريف منير) شاب في الثلاثين، لم تحميه شهادة البكالوريوس من البطالة في ظل الوضع الاقتصادي السيء فلجأ كغيره من الشباب إلى وظيفة اخرى، تعلم تصليح اطباق الستالايت ولكنها وظيفة غير مستقرة بطبيعة الحال، أما جميلة (حنان الترك) قادتها الظروف الصعبة إلى العمل في شراء وبيع اي شيء، من اجل أن تجمع المال الكافي للهجرة إلى نيوزيلندا... إلى مكان يمكن أن يحضنها ويستوعبها.

نسيج الشخصيات

يوسف شاب بسيط وصادق لا يعرف المواربة خجول ورقيق مستكين لواقعه، في المقابل جميلة شابة قوية فهلوية وجريئة عملية تحاول تغير واقعها من خلال تحقيق حلم الهجرة، على هذا النحو تصوغ هالة خليل – كاتبة السيناريو والمخرجة في آن- الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم؛ كشخصيتين متناقضتين ومتساويتان في القوة وفي القدرة على تأثير كل منهما بالاخر وفي مجريات الاحداث، اضافة إلى تمتع جميلة بسمات غالبا كانت تقتصر على الرجل في السينما العربية، مجموع هذه الامور تجعل من هذا الفيلم مميزا عن سواه من الأفلام العربية عموما والمصرية خصوصا، حيث تقدم صورة وبنية مغايرة لصورة وبنية العلاقة بين الرجل والمرأة الشرقية المألوفة، والمشهد الاول في الفيلم أفضل ما يعبر عن هذه الصورة والبنية بشكل مكثف ومختزل، حيث في البداية يطغى طبق الستالايت ويغطي على يوسف من خلفه وهو بالكاد يستطيع حمله وهو يدخل إلى عمارة الزبونة عبر ممر ضيق بين السيارات وعندما يعلمه بواب العمارة أن المصعد معطل فيصدق يوسف ويصعد للطابق العاشر على الدرج، لكن عندما تدخل جميلة بعده فلا تصدق البواب بخبرتها في المرواغة، فما أن يغادر البواب مطمئنا تغافله وتسرق المصعد، ولاحقا نشاهد جميله ترتفع بالمصعد للاعلى ويوسف في الاسفل لا زال يصعد الدرج وهذا اول لقاء للشخصيتان معا يؤكد الفارق بينهما.

لكي تثري هالة خليل هاتين الشخصيتين وتحقق التنوع في النسيج الانساني تخلق في الخلفية شخصيتين مكملتين في اختلافهما مع يوسف وجميلة هما؛ سامي (فتحي عبد الوهاب) صديق يوسف الذي يشترك معه في خيبة ايجاد وظيفة، لكنه يشكل النقيض في ردة فعله حيث يلجأ إلى الحشيشة والبنات، وزينب (مروة مهران) صديقة حنان والتي جاءت من ريف مصر للدراسة ثم العمل، والتي تشكل نقيضها ايضا ففي الحين الذي تبحث فيه جميلة عن تحقيق ذاتها بعيدا عن الحب والزواج، تبحث زينب عن عريس او حب لم تختبره واكتشفت انه غير موجود في القاهرة.

المال لم يكن العائق الوحيد في سبيل هجرة جميله، ففي الوقت الذي كانت تنتظر فيه انجاز المعاملة خسرت نقاط لانها خلال هذه الفترة انتقلت من فئة عمرية إلى اخرى حين اتمت الثلاثين، لذلك بعدما تعرفت بيوسف صدفة عند زبونة مشتركة، وبما انها انسانة عملية عرضت عليه أن يتزوجا على الورق الامر الذي سيعيد لها النقاط التي خسرتها والتي ستمكنها من الهجرة من ثم سحب يوسف ال هناك ثم كل يذهب في سبيله، يوسف بطبيعته المتقبلة للواقع كما هو لم يكن يفكر بالهجرة قبل أن يلتقي بجميلة وقبل أن يبدأ وجوده في المنزل يعيق على اخيه الزواج من خطيبته، لذلك قبِل العرض، وهذا يعتبر التحول الاول في شخصيته وبتأثير من جميلة، أما التحول الثاني عندما اضطر للعودة مع جميلة إلى منزله المشترك مع اخيه في ليلة الزفاف، بعد أن طردتهما عزة (سوسن بدر) والدة جميلة وتراجعت عن عرضها بالسكن معها حين اكتشفت خطة الزواج والهجرة التي كانت تخفيها ابنتها عنها، هنا اصبح اكثر جرأة وقوة حين منع جميلة من السكن في بنسيون كي لا تعطل مشروع زواج اخيه، وكما اثرت جميلة بيوسف وغيرت شيئا فيه هو بالمثل اثر في جميلة فنراها تتجاوز قليلا الجانب العملي في حياتها عندما يدعوها إلى السينما ويطلب اليها أن لا تحسب كل شيء بدقة وان تترك مجالا للعفوية والعلاقات الانسانية.

المرأة

"قص ولزق" لا يتكلم عن الوضع الاقتصادي السيء والذي يدفع الشباب إلى الهجرة فحسب، وانما ايضا عن العلاقات الانسانية التي يلقي بظله عليها، لاسيما معاناة المرأة التي تجسدت في الشخصيات النسائية الاربعة؛ جميلة، زينب، اللاتان تحدثت عنهما سابقا، وعزه التي تحملت مسؤولية البيت بعد وفاة زوجها والد جميلة الامر فعمل ليلا نهار الامر الذي جعلها لا تتمكن من رؤية ابنتها والتواصل معها فاصبحت علاقتهما هشة، أما سُريا (حنان مطاوع) صديقة جميلة، فسافر زوجها للعمل وجمع النقود ليعيلها ويعيل الاولاد واهله، ومن اجل توفير النقود لم تتمكن من مشاهدته على امتداد ثمان سنوات زواح من أن ترى زوجها الا عشر مرات، مما تركها بحاجة إلى شريك تحادثه يحمل معها عبء الاولاد والحياة ويمنحها احتياجاتها العاطفية والجسدية، الامر الذي قادها لاحقا إلى خيانة زوجها.

قص ولزق

القص والزق هو أن تغني مقطع من اغنية وتبدأ اخرى من حيث انتهت الاولى دون أن يكون بينهما جامع سوى تشابه الكلمات كما غنى ابطال الفيلم، الامر الذي يشبه حياة هذه الشخصيات التي هي عبارة عن قصاصات تشكل في مجموعها لوحة كولاج.

"قص ولصق" من الأفلام الجادة التي توظف بعض المواقف الكوميدية لتخفف من صعوبة الواقع رغم أن بعض هذه المشاهد لا تخلو من مبالغة؛ كما في المشهد الذي تلقي فيه الشرطة القبض على الشخص الذي نصب على جميلة حين باعها الطير، فعناصر الشرطة بدل من أن تقبض عليه وتنسحب انهالت عليه بالضرب في خلفية المشهد ليعطي فرصة للحوار بين الشرطي المسؤول وبين جميلة ويوسف، كما أن توظيف عنصري الكوميديا والاغنية الدرامية التي رافقت بعض المشاهد، وضع المتلقي على مسافة متوسطة بين الاندماج التام مع الاحداث والتعاطف مع الشخصيات وبين المراقبة لما يحدث.

"قص ولزق" من الأفلام الواقعية النقدية التي تنقد الواقع ولا تغيره، فتبقى الشخصيات عاجزة عن تغيير واقعها الاجتماعي والاقتصادي، انما تنتظر فرصة الهجرة.

لا ننسى الاشادة باداء شريف منير الذي جاء عفويا وصادقا ومتميزا في خلق ملامح خاصة لهذه الشخصية على بساطتها، وكذلك حنان مطاوع رغم أن وجودها كضيفة شرف لم يتجاوز المشهدين لكنه كان اداء مميز لهذه الشخصية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى