الأحد ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
تحت السقف
بقلم رانية عقلة حداد

ذاكرة مهترئة ترشح بالانكسارات

سقف غرفة مروان (رامي حنا) يرشح بالماء ومع كل قطرة تسقط تتداعى الذكريات في الفيلم السوري "تحت السقف" انتاج 2005، اخراج نضال الدبس في اول فيلم روائي طويل له.

تحت هذا السقف الذي لم يتوقف عن الدلف لا صيفا ولا شتاءا، عاشت اسرة مروان عندما انتقلت خدمة والده إلى دمشق في سنة 67، فاعتقد الناس حينها انهم لاجئون، وتحت هذا السقف لاحقا توهجت احلام مروان واصدقائه المثقفين في ثمنينات القرن الماضي، حين كان النضال في سبيل القضية الفلسطينية في اوجه، وتحته الان يموت الشاعر احمد (فارس الحلو) صديق مروان الحميم والمثقف الذي يمثل له القدوة، فتبدأ الذكريات بالتداعي وتشاركه الذكريات لينا (سلافة معمار) ارملة احمد وحبيبة مروان سابقا.

ازمة الشخصيات

هاتان الشخصيتان من كانت تصارع؛ الماضي، او الذات، او كليهما؟ ازمة لينا بالاصل تتمثل في ايجاد ذاتها، لهذا عندما التقت باحمد الرجل المثقف المناضل والمؤمن بحرية المرأة، حولت عن مروان وتزوجته لاعتقادها بانه قادر على توفير ما يلزم ليصبح لخطواتها صوت يميزها، فتمردت على اهلها حين رفضوا، لكن الواقع ذهب بعكس احلامها، لذلك موت احمد في مطلع الفيلم فتح باب الماضي والرغبات المكبوتة بينها وبين مروان، وبدأت بمحاولة تجاوز الماضي وحث مروان على تجاوزه ايضا، بالايحاء بانها ما زالت تحبه؛ فهي وان كانت ملهمة وحبيبة وخطيبة ثم زوجة احمد لكنها لا ترغب الان بان تبقى ارملته، لكن ازمة مروان كانت ازمة قيم ومبادئ، لهذا لم يكن بمقدوره تجاوز الماضي بسهولة واستعادة العلاقة معها والتي لا يزال يكتمها في داخله، لان ذلك بمثابة خيانة ليس لصديقه الحميم احمد -وان كان ميتا- فحسب انما لثقافة وقيم مرحلة ينتمي اليها هؤلاء الشباب.

على درب تجاوز الماضي كان البوح شكلا لتداعي ذكريات لينا، وهو ينسجم مع الجرأة التي بدى انها تتمتع بها، في حين غلب الصمت على مروان، وكانت صورة الفيديو المسجلة وسيلته للتذكر بشكل ينسجم مع تركيبة شخصيته.

احمد شخصية رئيسية ثالثة تقف بالاهمية بجانب مروان ولينا رغم موته في مطلع الفيلم، لكنه حاضرا ليس فقط بصور اشرطة الفيديو انما ايضا بما يشكل من ماضي تسعى لينا ومروان لتجاوزه، كذلك بما يمثل من مثقفي الجيل الثاني ما بعد النكسة، وموته بعد حفلة صاخبة -للاحتفال بزواج اصدقاء- تشبه سقوط جدار برلين وانهيار مرحلة باسرها.

سقف غرفة مروان الذي كان شاهدا على اجتماعات الشلة تحته، كان كذاكرة مهترئة لا يزال يرشح بالانكسارات، ويليق تبديله بذاكرة جديدة كما اراد نضال الدبس لمروان أن يفعل في نهاية المطاف، فيغادر الغرفة إلى بيت جديد، بعد أن يليقي بذاكرته (الكتب واشرطة الفيديو) في الفناء الخارجي امام الغرفة، اما لينا فعلى المحك عندما بدأ مروان بتجاوز الماضي ظهرت هشاشة موقفها، حين لم تقوَ على تجاوز الماضي انما انغمست فيه بالعودة إلى اهلها الذين يمثلوا ضياع الذات والاستقلالية.

الكاميرا...السقف والذاكرة

الكاميرا واشرطة الفيديو والتلفاز كانت حاضرة كجزء عضوي من الفيلم مرتبطة بعمل مروان كمصور حفلات فوتغراف وفيديو، كما انه كان يسجل جلسات الاصدقاء، وفي ذات الوقت حملت هذه الادوات وظيفة اخرى يسترجع من خلالها ذكرياته كما يوثق الحاضرالذي سيصبح بدوره ذكريات، واتخذ التداعي اشكال اخرى في الفيلم منها؛ البوح، واستعادة مشاهد من الذاكرة عبر التخيل، اما السقف الذي كان يدلف باستمرار كان بمثابة الحياة التي ترشح ببقايا الاحلام المتكسرة التي ولدت تحته، وعلى مدار الفيلم اشتغل المخرج على هاتين المفردتين السقف /الحياة والواقع، والكاميرا واشرطة الفيديو /الذاكرة التي اراد أن يتخلص منها في النهاية برميها في فناء المنزل.
كان المخرج موفقا في توظيف هاتين المفردتين الا أن هناك بعض الانفعالات والتكوينات الجسدية لم تأتِ عفوية ومقنعة بل تلائم خشبة المسرح اكثر من السينما كما في المشاهد التي جمعت لينا وصديقتها مها (امل عمران) شقيقة مروان، كمشاهد البوح على السرير، او محاكاة القطة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى