السبت ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم توفيق الحاج

يا كلنا..يا وحدنا

الآن.. الآن.. وليس غدا..أجراس الوحدة فلتقرع.!

حانت لحظة الحقيقة لكل ما هو فلسطيني يا فيروز.

الميركفاة المفولذة من أمامنا وزوارق الدبورا الشرسة من خلفنا ووتشكيلة الزنانات والاباتشي والاف 16 من فوقنا وكلها لم يجربها طارق بن زياد وقت أن كانت الحرب سيفا في مواجهة سيف.!

حانت لحظة الحقيقة على خلفية من اتساع متوقع لبقعة الزيت في مواجهة الرصاص المصبوب..

لم نعد كلنا مستهدفين بل أصبحنا بالفعل عجينا بشريا بفعل احدث صيحات القنابل المنضبة الفتاكة تختلط فيه أشلاء اسر كاملة بكتل الباطون والدخان والغبار.. بركة من دم الأطفال الرخيص عربيا ودوليا تغطي وجه غزة..!

موت في غزة لا يفرق بين المؤمنين والمرجفين ولا يميز بين الصابرين والمنافقين وكل التسميات والألقاب ودرجات التصنيف التي لا زال يطلقها البعض على البعض في ذات المحرقة أصبحت تثير الضحك الهستيري والسخرية معا ..وكأنهم يرشون على المر سكر..!!

يااااااا

كلنا تحت رحمة قنابل زنتها طن ونصف صنعت خصيصا في أمريكا تدمر في لمع البصر كل شيء في مساحة 100م مربع وبعمق 7 أمتار ..!!

يا كلنا معمل تجارب حقيقي لأحدث ما تتفتق عنه عقلية القتل والتدمير..!

والنتيجة المأساوية بين الكف والمخرز 1:100

يا كلنا نتشهد جماعة على أرواحنا قبل أن يقهرنا النعاس سويعات قليلة بعد اللهاث المستمر بين محطات ال اف ام المقاتلة

الفاخورة..اسم لن ينساه حتى من يعانون الالزهايمر.. خاصة وان50 شهيدا جلهم من الأطفال أصعدوا إلى الرب وفي وجبة واحدة ..!!

أبعاد دموية جديدة لها مغزى لمذابح تنفذها حمامات السلام العبرية بدقة متناهية في مدارس وكالة الغوث التي لجأ إليها الهاربون من قصف الدبابات

في اليوم العاشر..

في اليوم العشرين ..

لم تعد للأيام قيمة وعدد الشهداء يهرع نحو الألف وعدد الجرحى في طريقه إلى الخمسة آلاف

لم يعد للأخبار من معنى وهي تتحدث عن مساعي جول ومفاوضات سركوزي ومداولات مجلس الأمن ..بينما طاحونة اللحم الطري تدور بوحشية لا نظير لها..!!

قلبي مع المتمترسين..

قلبي مع المقاومة.. وصورة تلميذي ذي العشرين ربيعا لا تفارقني

قلبي مع الثكالى و الأيامى و اليتامى

قلبي على الجراح الساخنة الآن في الزيتون..والشجاعية..وجبل الكاشف ..!!

قلبي مع رفح التي لم ترتجف أمام ليل المجزرة..!!

لكنها الأسئلة التي تلح علي وتطاردني كما تطاردني أم العيال طلبا لأشياء شبه مستحيلة تحت القصف

لماذا وصلنا إلى هاهنا..؟!!

وكيف الخروج..؟!!

ألم يكن استقطابنا إلى محورين وما جرى بسببه من انقسام معجلا في الوصول إلى هذه اللحظة..؟!!

هل وجدنا عدا الخطابات النارية والعقلانية من يخفف الضغط عنا بفتح جبهة عسكرية في الشمال أو الشرق أو الجنوب..؟!!

أليست فنزويلا شافيز أكثر إسلاما وعروبة ..؟!!

ما الحقيقة المرة..والعارية التي لم تعد تخفى حتى على عيون أطفالنا الخائفة..!!

يا وحدنا.. استعيدها من درويش الذي قالها في لحظة مماثلة..

يا وحدنا..

برغم الدعوات والتمنيات والبكائيات والتوسلات والفضائيات والعنتريات..!!

يا وحدنا

برغم نظريات القومجة و الأسلمة وحتى الأنسنة..

يا وحدنا..

نستدفئ بمظاهرات عارمة عاجزة من أقصى الأرض إلى أقصاها..!!

نشحن روحنا المعنوية من حنجرة "احمد سعيد" وبلاغة "الصحاف" في فضائيات البسوس وصحف الشرذمة..!!

نحلم بأن يهب القادة العرب من فرط لعناتنا ودعواتنا عليهم ويدركوننا في اللحظة الأخيرة كما في نهايات الأفلام العربية..!!

عشرات الأغاني الوطنية والإسلامية..

ومئات القصائد والمقالات النارية والتحليلات السياسية والعسكرية العاطفية تؤكد حتمية النصر..

أتمنى و أدعو الله الذي لا يحتكره أحد أن يلطف بنا ليس من أجل حزب أو فصيل بعينه وإنما من أجل شعب مقهور لم يجد بعد إلى الخلاص من سبيل..!!

ولكن مع الاحترام للحليف والرديف والثقيل والخفيف..نحن وحدنا ولم نجد سندا حقيقيا وملموسا في مواجهة عجلة الموت عدا ظواهر صوتية لا تحمي من رصاصة..!!

في لحظة الحقيقة هذه نحن جميعا في القصعة وحدنا مدعوون إلى ما يلي للخروج من محنتنا وانقاذ مستقبل أجيالنا القادمة :

أولا: التوقف فورا عن المشاتمات والشماتات والملاحقات والمزايدات وتجسيد الوحدة الوطنية بأجلى صورها أمام الهجمة الغادرة.

ولا تقولوا لي كيف..!!

ثانيا: التوقف عن رجم مصر بالحق وبالباطل متناسين عن عمد تاريخها وشهدائها وعروبتها و لا يليق الغمز في قناة قادتها اليوم وتبادل القبلات مع كيل المديح بعد أسبوع.

ثالثا: مراجعة خطواتنا ..طالما أردنا الاقتداء بحزب الله فخورين طبعا بالبطولات واستبسالات الصمود حتى الآن فالفلسطيني لا يقل قطعا شجاعة وبسالة عن اللبناني

فلربما أخطأنا في بداية هذه الحرب كما أخطأ حزب الله وعلينا أن نمتلك شجاعة الاعتراف كما اعترف السيد نصر الله بخطأ خطف الجنود في بداية حرب 2006

حقا ستنتهي الحرب اليوم أو غدا.. بالسلاح أو بقرار سياسي وسيسارع القاتل والقتيل على السواء إلى إعلان النصر.. ولكني

على ثقة من أن هذا الثمن الباهظ والمفتوح من ضحايانا سيحرم الجميع من متعة انتصار تتلاشى أمام غزارة الدم خجلا ..

أفكر الآن فقط في كيفية الخروج بأطفال جدد مرشحين للمقصلة..

أفكر الآن فقط في بأسر كاملة أخرى قد تهرسها قنابل الشيطان..

فأصرخ من قهري وبأشلاء بريئة مقطعة في العالم المتحضر : لست جديرا بحياة لم تصن حقنا فيها ..!

يا لله..ليس من قلة في الإيمان أو زيادة في الخوف إنما

لا املك قدرة الآخرين على تحمل المزيد من صور الأطفال الشهداء من اجل شهوة أو نشوة ..!

أفكر الآن في اللحظة القادمة.. بينما المذياع يزعق بنغمة الدلعونا "يا غزة ويلو ياللي يعادينا"..!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى