الخميس ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم حسن خاطر

ليل مشغول بالفتنة

تأكيد من الشاعرة (سعدية مفرح) على أن قلمها مداده حبات اللؤلؤ

لا يختلف إثنان على أن الشاعرة الكويتية سعدية مفرح تعد من المهارة والنباهة والذكاء لدرجة أنها تتفوق على نفسها يوما بعد يوم وتستطيع أن تحلق في سماء الإبداع كيف تشاء ومتى تشاء.. وذلك لأنها تكتب دائما بقلم مداده حبات اللؤلؤ الذي به تستطيع أن تكتب لا بغرض الكتابة.. بل من أجل إسعاد وإمتاع جمهورها العريض داخل وخارج دولة الكويت.. في ربوع الوطن العـربي..

ومن منا يستطيع أن ينسى كتابات سعدية مفرح المبدعة في(آخر الحالمين كان) عام 1990 م،(تغيب فأسرج خيل ظنوني) عام 1994 م،(كتاب الآثام) عام 1997 م،(مجرد مرآة مستلقية) عام 1999 م،(تواضعت أحلامي كثيرا) عام 2006 م بالإضافة إلى كتابها الرائع(حداة الغيم والوحشة) عام 2007 م.

وحاليا أمتعتنا الشاعرة الكبيرة(سعدية مفرح) بكتابها الأخير(ليل مشغول بالفتنة) والذي صدر عن دار النشر الكويتية(مسعى) والدار العربيةللعلوم ناشرون ببيروت، يقع الديوان في 75 صفحة من الحجم المتوسط تصدره غلاف أنيق من تصميم الفنان التشكيلي البحريني عبدالله يوسف.

وفي إصدارها هذا تنجح الشاعرة المتميزة في خوض مجال السيرة الذاتية شعرا فهي تتناول قصة حياة إمرأة من الولادة إلى الموت.. متناولة تفاصيل حياتها بدقة متناهية.. تتطرق إلى حياتها بكل ما فيها من هموم وأحزان وانكسارات..

تقول الشاعرة:

تجيئين..
مثل بلورة اصطفاها النور في منبعه الأول
لتكون سره وكينونته
مثل حصاة معتمة
أهملت في طريق الرمل
وهو ينبثق من تعب الجبال الهرمة
مثل خيمة في أقصى حدود الريح
تغني من أجل أن يعود الغائبون
في غياهب الأسئلة السافرة
مثل خيمة مثقلة
بدموع لا تسقط
إلا في حضن جبل شاهق..

وفي وصف جميل ودقيق وصور جمالية بليغة تصف الشاعرة جزء من لحظات(الليل المشغول بالفتنة) الذي تهرب إليه هذه المرأة لنسيان همومها وإنكساراتها فتقول:
...

في سهرتكما المنفردة
تغزلين خيوط ثيابه
وتغسلين شعر رأسه
تضمخينه بدهن العود
وترشينه بماء الورد
وترسمين ملامح وجهه بعري أصابعك..
تلمعين فضة مرآته
وتهمسين له بسر جديد من أسرارك الكثيرة..
تقطرين الحكايات الصغيرة
في فراغ الكلام الكبير..

وتصف الشاعرة سعدية مفرح محاولات المرأة مع قضاء ليل آخر تنشغل بالفتنة فيه حتى تهرب مرة أخرى أو مرات أخرى من معاناتها الحياتية اليومية ومشاكلها المستعصية التي لا نسيان لها سوى ببما تحاول القيام به.. وسرعان ما تنجح:
...

وحيث تبدئين رحلتك السرية
في فترة ما
بذلك القميص الموشى بالزهور الزرقاء
يصير دليلك ودلالتك
في متاهات القوافل العابرة للتاريخ
دون أن تدركي تماما
من أين تبدأ قافلة النساء
رحلتها نحو أرض الأنوثة
ولا من أين تبدأ قافلة الرجال
رحلتها نحو أرض الذكورة
فللنساء تجاويف كيدهن العظيم
به يكتفين كي تبدأ حياة وتنتهي..

وتمر الأيام والسنوات وتنقلنا الشاعرة مع هذه المرأة من مرحلة حياتية لمرحلة أخرى وفي سرد شاعري جميل ومتقن تقول الشاعرة:
...

وأنت تنظرين مبتسمة
لساعتك المتوقفة على مشارف أربعينك
بأيام..
بأسابيع..
بأشهر..
بعمر إضافي..
بحياة إضافية..
وربما بموت أضافي..
يحتاج قبرا إضافيا..
يكفي لأن يكون بيتا
أو وطنا
أو قلب حبيب متأب
أو دمعة أم تستدرجك نحو الفناء
بامتنا واه
تحاولين اقتناص لحظات منسية...

وتستمر سعدية مفرح مصممة - بأسلوبها الجميل وخيالها المتدفق – على أن تأخذ قرائها من بقعة مضيئة بضوء وهاج إلى بقعة أخرى في حياة تلك المرأة وتنجح في أن تجذب وتشد القاريء إلى أن يعرف تفاصيل الأحداث وما تؤول إليه الحالة النفسية التي تعتري بطلة(ليل مشغول بالفتنة)
.. وبعد أن أصبحت المرأة تتطلع للأمومة.. تصور الشاعرة لحظات المرأة بأسلوب بارع ومشوق..

تتابعين محاولاتك المستميتة الآن
لأن تحترقين أخيرا
في حديقة الجهنمية الأبدية
دون أن تكتفي
بأنك العاقر في أرض الخصب
وأنك الباكية في بستان الفرح
وأنك الكسيحة في حلبة الرقص
وأنك العمياء في حديقة الألوان
وأنك القطة ذات الأرواح السبعة في مقبرة المعاني
وأنك الجثة الهامدة في رحم الأمومة

وعن لحظات الفراق تترجم الشاعرة مشاعر وأحاسيس المرأة في صورة جمالية بليغة..

تضعين يدك على سياج المودعين
وبالأحرى تلوحين له
بسلامات خزفية
يعبق في المكان الحاشد
عطن الجثث المتفسخة
فتهربين حيث يسيل دمك البارد
بين شظايا الخزف المتكسر
تحت قدميك
تمرقين من بين الجموع الحاشدة
فلا تنظر إليك
لحن الحظ
وأنت تمسحين نقطة حائرة
بين عينيك الدامعتين.

ونجاح سعدية مفرح في(ليل مشغول بالفتنة) يكمن في تصويرها البلاغي المتقن الذي يجعلك ما إن تمسك بكتابها هذا فلا تجروء على تركه إلا وقد انتهيت منه.. حيث تأخذك مع بطلة الليل المشغول بالفتنة في سرد متسلسل ومنمق وبديع منذ الولادة إلى وفاتها.. وتنتشلك في حدث إلى غيره بكل حنكة وبلاغة وأسلوب متميز..

وفي النهاية تصف حال المرأة بعد أن عانت الأمرين ولاقت الجفاء والبعد.. وهو ليس حال بطلة(ليل مشغول بالفتنة).. بل هو حال المرأة الشرقية بوجه عام..

تغامرين بالسكينة والسكون
فتهاجمك طيور جارحة
نهشا لبقاياك
تروحين وتجيئين..
تروحين وتجيئين..
تروحين..
وتجيئين..
تروحين..
تموتين
لعلك.. تموتين
مدججة بقلب حي.

ولا يختلف اثنان على أن الشاعرة الكبيرة سعدية مفرح قد نجحت نجاحا غير عادي في هذا اللون من الشعر.. شعر السيرة الذاتية حيث ترجمت لنا حياة إمرأة بكل مافيها من لحظات شقاء وسعادة وترنحها وإختياراتها بين أن تبقى أسيرة ومكبلة وبين أن تثور وتفقد سكينتها وسكونها.

"ليل مشغول بالفتنة" يعد بلا شك إضافة للمكتبة الشعرية والأدبية العربية، ولقد خرجت علينا به الشاعرة سعدية مفرح في وقت قد تكون الساحة الشعرية قد ضنت بمثل هذا العمل المتقن والفريد ولهذا فقد تلقفته القراء وجماهير الشاعرة سعدية مفرح بكل لهفة وشوق وترحاب وجعلت منه أكثر الكتب مبيعا في معرض الكويت الدولي للكتاب والذي أقيم مؤخرا بدولة الكويت.

ومجمل القول هو أن الشاعرة(سعدية مفرح) تكتب دوما بقلم مداده حبات اللؤلؤ و(ليل مشغول بالفتنة) جاء لتؤكد به الشاعرة على ذلك.

نبذة مختصرة عن الشاعرة سعدية مفرح:

 شاعرة وناقدة وصحفية كويتية تعمل بالصحافة منذ عقد ونصف تقريبا.
 تعمل حاليا رئيسة القسم الثقافي في جريدة القبس الكويتية وكاتبة في مجلة العربي الكويتية وجريدة الرياض السعودية كما تشارك في كتابة مقالات نقدية ومراجعات صحفية أسبوعية وشهرية دورية في بعض الصحف والمجلات العربية.
 نشرت قصائدها في كثير من الصحف والمجلات العربية.
 ترجمت كثير من قصائدها إلى عدد من اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والسويدية والطاجيكية والفارسية.
 شاركت في أكثر من مؤتمر نقدي، ونشرت عددا من الدراسات والبحوث النقدية في المجلات المتخصصة.
 صدر لها حتى الآن مجموعة من الكتب الشعرية.
 تهتم بالكتابة الشعرية للطفل، وأصدرت لها مجلة العربي الكويتية مجموعة شعرية للأطفال بعنوان(النخل والبيوت).
 فازت بعدد من الجوائز الشعرية.
 صدرت عن تجربتها بعض الكتب والدراسات باللغة العربية والانجليزية أهمها كتاب(انتحار الاوتاد في اغتراب سعدية مفرح) للناقدة العمانية سعيدة بنت خاطر الفارسي.
 أحيت عشرات الأمسيات الشعرية قبل أن تتوقف عن إلقاء الشعر والمشاركة في مثل هذه الأمسيات لأسباب تتعلق برؤيتها النقدية لأمسيات الشعر بشكل عام.
 تنتمي لجيل شعري اهتم بكتابة القصيدة الجديدة بتجلياتها المختلفة، وكتب عن تجربتها كثير من النقاد العرب العديد من الكتب والبحوث والدراسات والمقالات النقدية باللغة العربية والإنجليزية.
 لها موقع إلكتروني على الإنترنت www. saadiah.info تعتبره نافذتها المباشرة على العالم.

تأكيد من الشاعرة (سعدية مفرح) على أن قلمها مداده حبات اللؤلؤ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى