السبت ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم رانية عقلة حداد

حوار مع فدريكو فلليني

نفتقد بشكل كبير في عالمنا العربي الى الكتب السينمائية سواء اكانت مؤلفة او مترجمة، لذلك تعد الكتب التي تصدر عن المهرجانات السينمائية اهم مميزات تلك المهرجانات، بما تضيفه الى المكتبة السينمائية، وبما تتيحه للمهتمين والمتخصصين والباحثين من التوسع بالمعرفة في هذا المجال.

كتاب (حوار مع فدريكو فلليني) الذي ترجمه الناقد البحريني امين صالح، هو احدى تلك الاصدارات المنبثقة عن مسابقة افلام من الامارات لعام 2007، ويتناول تجربة المخرج الايطالي فدريكو فلليني (1920-1993) احد المبدعين الذي ترك بصماته لا على السينما الايطالية وحسب وانما ايضا على السينما العالمية، عبر حوار مطول اجراه معه الناقد الايطالي جيوفاني جرازيني في مطلع ثمانينات القرن الماضي، لنتعرف من خلالها الى عوالم المبدع الغنية والكيفية التي يصيغ فيها رؤيته للحياة، والظروف والعقبات التي احاطت بانتاج اهم افلامه منها: (ليالي كابيريا، الحياة حلوة، ثمانية ونصف)...

رائحة الشيخوخة

تتنوع المحاور التي يتناولها الحديث ومن خلال بعضها نتلمس هواجس ومخاوف فلليني الانسان، فهو اذ تجاوز الستين حينها، لكنه كما يقول لا يشعر بانه قد تغير كثيرا عما كان عليه في عمر السابعة عشرة، لكن الخوف من الشيخوخة يتسرب من كلماته، نلمسه حين يتحدث عن تأثره برجل كهل تعرف عليه في مطلع حياته، كان هذا الرجل يخرج مغلقا باب غرفة نومه في الفندق، ويبقى ممسكا بيد الباب لبضع ثوان ثم يعود ويفتح الباب فجأة، ويقحم رأسه داخل الغرفه، ليشم ما اذا كانت هناك رائحة شيخوخة عالقة في الغرفة، الامر الذي مارسه فلليني لاكثر من مرة بعد سنوات في شيخوخته، ومن الحديث عن العمر الذي يمضي بغتة، الى الايمان بكل ما يثير المخيلة ويقترح رؤية آسرة اكثر للعالم والحياة، بما تتجانس مع اسلوبه الخاص في العيش، لذلك يرى في التنجيم نظاما محرضا للمخيلة.

على الرغم من ان بعض افلام فلليني، تنتقد المجتمع واخلاقياته وتكشف السخافة التي وصل اليها كما في (الحياة حلوة) 1960، الا اننا نكتشف من خلال الحوار بان فلليني لا يعتبر نفسه فردا سياسيا يمتلك الرغبة في احداث التغيير، هو يرغب في الخروج عن لا مبالاته هذه ويتخذ مواقف ايدولوجية حاسمة لكنه لا يستطيع.

الغربة خارج ايطاليا

واذ تبدأ المقابلة بالحديث عن الشيخوخة وتنتهي بها، الا انها تعرج على مراحل اخرى من حياة فلليني؛ الطفولة والشباب، ثم بدايات العمل كرسام كاريكاتير، مرورا بكتابة السيناريو والعمل مع روسلليني، وصولا الى الاخراج السينمائي وعلاقة فلليني مع السينما خارج حدود ايطاليا كـ روسيا وأمريكا الحلم الذي يصبو اليه الكثير من المخرجين لكن ليس فلليني، الذي لم يُخرج اي فيلم من افلامه خارج حدود ايطاليا، لم يكن ذلك منبعه الاصرار على ان العالمية تبدأ من المحلية، انما لان شعور الغربة الذي كان يختلجه كلما فكر بالعمل خارج حدودها كان يمنعه، الامر الذي دفعه في وقت ما الى الغاء عقد بعد ان وقعه مع شركة امريكية منتجة، فكان دائما يتساءل كيف يمكنه ان يسرد مدينة لا تشبهه ولا يعرفها، امّا في ايطاليا كان الامر مختلفا فهناك ما يحميه من السقوط اذ انه محصن بذكراياته، وجذوره، عادته وبيته...

فلليني من المخرجين القلائل الذين حالفهم الحظ في العمل مع منتجين لم يفرضوا عليه شيئا ابدا، الا ان بعض اعماله بعد انجازها مورست عليها الرقابة كـ (ليالي كابيريا، والحياة حلوة)...

في 31 تشرين اول الماضي مضى خمسة عشر عاما على رحيل فلليني عنا، ويبقى هذا الكتاب احد الكتب التي يمكن من خلالها التعرف على عالم مخرج مبدع، واقتفاء اثر علاقة فلليني بالعالم من حوله وبذكرياته، بخيمة السيرك ورسم الكاريكاتير... وكيف انعكس كل ذلك في افلامه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى