الجمعة ٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم مروة كريديه

معابر الروح

يضم كتاب (معابر الروح) مختارات من خواطر الكاتبة مروة كريدية وقد صدر حديثًا عن دار شمس للتوزيع والنشر في القاهرة بنسخة أنيقة بعد ان كان قد صدر رقميًّا في وقت سابق، وعلى الرغم من أن الكتاب يشكل ديوانًا ويصنف في دائرة الشعر الا ان الكاتبة أشارت في المقدمة الى انها ليست شاعرة محترفة، واصفة ما تقوم به بأنه مجرد كتابة صادقة لتقلبات الروح في رحلة انعتاقها ومحاولة منها لمشاركة القارئ بمجون قلم عابر وحروف محترقة

فَمَا حَرِيقُ حُرُوفِيَ إِلا دَمْعَة ...
مَزَّقَتْ خَجَلِي
فَأسْرَفَتْ فِي الْمَفَاتِنِ ...
حَتَّى التَهَبَت شِعْرًا نَزْوَتِي

كريدية تقدم قصائدها بنفس كوني هادئ يتجاوز الاديان والمعتقدات السائدة ففي قصيدة بعنوان (حواء كونية) طرحت اشكالية سياسية ببعد كوني عندما شبهت (القدس بالعذراء) الكونية معتبرة ان الكائن الانساني الكوني هو الذي يعبر من فوق كل التقسيمات الايديولوجية

بالحَقِّ أحببتكَ وبالحبِّ أحققتكْ
أنَا تلكَ الدُّرَّة ... البيضاء
وفاتنة الليلِ ... حوَّاء
إليك اليومَ ... آتية
أَستقبلُ أزمَانِي ...وأيامي الورديَّة
فأنا ... عَذراءٌ بريَّة
 
******
هناك …مِن القدسِ أتَيتُ
مِن أورشليمِ معبدٍ
من صخرةٍ عُلِّقتْ بأقصى مسجدٍ
من كَنيسةٍ قَامتْ للعذراء...
حينَ وَضَعتْ ...لحمَ بيتِ النورِ
في قَلبِ المَغَارَة الشتوية
من هناك أتيتُ إليكَ
من طورِ سيناءَ ...حيثُ تكلَّمَ اللهُ
حينَ آنستُ نارًا نورانية
مِن قَصرِ سُليمانَ وهيكلَه ...أَقبلتُ الآن الآن
بعرش بلقيسٍ ... وملوك البنت الِجنِيَّة
أحملُ جراح أكوان ٍ أسكبُ القلبَ
بالخفقان أنَّاتِي ... أُرتِّل الآه تلو الآه
أمسحها بعنفوان كل نبي ّ
أُشفيها بكلماتٍ قدسيّة
أحملُ زيت المَسيح و أخضَرَ زيتونةٍ
و كلّ الورودِ الجوريَّة
عَبرتُ الزمانَ إليكَ
أكافحُ ... أطوي العصورَ
بفستانِ عروسٍ مَسبيّة
 
******
حبيبي إنني لكَ ..وإليكَ اشتياقي
وكلّ أحلامي الصَبيّة
حبيبي ...برغم جروحِ الجراحِ
فإني اليوم بحبّك قوّيةً ...قويّة
شَدوتُ لدواود ... مزاميرَ هوىً
و لسليمان َ شدْتُ ... هيكلَ عاشقٍ
وآية الحبِّ يسوع حَضَنْتُها.. سلامَ مُحمدٍ
فأنا ملائكةٌ سماويّة
 
******
بنتُ النُّور أنا ...أفيض حنانًا ...
شمالك تحت وجنتي
ويمينكَ حولَ الياقوتة الحمراء ترتسم...
و حسبي أنا شفتاك القرمزية
كم أنت جميلٌ..جميل ..حُلو المذاق...
أدْخِلنِي حبيبي حانةَ زبيبٍ
أَرسمٌ اسم الربِّ بالزعفران
أَشربُه ...عساهُ يُخالط
دماء أوردتي فأنا امرأةٌ كونيّة

******

ومن الواضح ان الكاتبة مروة كريدية تتحلى بحس وطني باذخفهي تدافع عن تراب الوطن واصفة مفردات القرية اللبنانية باسلوب أدبي راق، ففي قصيدة معبر سلام من اجل لبنان تنتقد الطائفية المعمول بها في لبنان كما تهدي القصيدة لأرواح الأطفال الذين سقطوا في حرب تموز 2006

يَسقطُ قِناعُ (الحريّةِ)
ويتهاوى قناعُ... (السلام)
يتكسّرُ...على أسوار مدينة ...أحيرام
يسقط ... من يدي قَلمٌ
تضيعُ الحُروف العَابرة
تتلاشى ... الرسوم ...تختلطُ الألوانْ
أضيئ ليلاً شُموع السلام وأصلي ...
لأجساد أطفالٍ عَفَّرَهَا الترابْ
 
******
كيف تُُلَوّن ريشتي بعد اليومِ
نهاركِ يا بيروتْ ؟؟؟؟
كيف أرممّ بالحروف الضَّائِعة
ليْلك يا لبنانْ ؟؟؟؟
و سيوفٌ... أُشهرت
تحزّ الرِّقابَ... تلوَ الرقابِ..تلو الرقابْ....
فهلْ قدرنَا أنْ نكونَ قرابينَ مَعبدٍ ؟؟؟
وهل قدر لبنان ان يكون مذبحَ إنسانْ ؟؟؟؟
من قانَا ....إلى القاعْ
من الغازيّة .... إلى الشيّاحْ
من أمٍّ تعجنُ .... خبزًا
إلى طفلٍ يرتعْ ....عند زيتونَةِ ذاك البستان
ضمير الانسانية مخدِّرٍ
أُغْرق في سُباتْ .... إدمانْ
 
******
إليك يا لبنان المحبَّة
من منفى الجرحِ
إليك يا بيروت من تغريبتي
بعضًا من الحنانْ
من هناك...أطِّل إليكَ الآن أخطُّ سطورًا
ودانةً ..أغزلها من دموع عيونِ الأمهات..
إكليلاً ... يُرطِّبُ ترابَ إنسان
فسلامًا .... لبنان إليكَ
وسلامًا لك ...
من فوق كلّ الحضاراتِ
من فوق كلّ الأديانْ
من فوقِ كلّ حاجزٍ
من فوق كل بنيانْ
أعبرُ قرونًا من التقنية المدمرة ....
أطوي كلّ معتقدٍ
أسلك طرقًا تتقاطع مع كل انسانْ

******

الكتاب لا يخلو من الرثاء ففي قصيدة تخاطب الشاعر محمد الماغوط بعد رحيله وتسترجع همساته لها قبل رحيله بقليل تقول :

ودخانٍ ...
يبحثُ في شفتيْكَ عن قصيدة...
عن كلمةٍ.....تؤرِّخ اللحظاتَ ....
رأيتك يومَها ...كنت اناجيك....
ابحثُ عن كلمةٍ تعبر شفتيكَ
تعتصرُها ..ذِكرى للتاريخِ...
وحكمة خلَّفها طول انتظارْ ...
 
******
سافرتُ في زرقةِ عينكَ
أجتازُ شاعر بلمحةٍ
أطوي التجارب ...أعبرُ بألحانك بحارْ
اعتصرُ زمانَ الوصلِ
ارشفُ خبرةِ قلبٍ يعزف نشيد أسفارْ
وكأسًا يفوح رائحةَ هوىً
وكبرياء شهيدٍ لحظة احتضارْ
انحنيتُ عندَ كرسيك
اتوضأ من الحروف… أرشفُها
أرفع صلواتي للاله ..
احفر في ذاكرتي ...
علّي أجدُ ... تعويذةً تلهمني .... اعتذارْ
كبريائك الملغوم فجرّ أبياتًا
شدَوتها ... حبًّا وعطرًا لدمشق تُهديها
شطور سنين آنست الريح
وعانقت بنقائها الأمطارْ
رسمت مساحةً للمجدِ..
من سجنٍ... لمعتقلٍ ...لَشَهيدٍٍ...لأسيرٍ
ولكل أولئك الأحرارْ
سعيدةٌ أنا بولادتك
فهو عند العالمين موتًا
وفي عُرْفِ أمثالك انتصار

*****
مروة لا تحدد ماهية الموضوعات في" معابرها " بقدر ما ترسم النسيج الشعري بصورة بيانية جميلة تتجاوز من خلالها
المعقولات الى الماورئيات وتتناول عالم الأرواح بمسحة سوريالية صوفية.

انْمَحَى الزَّمَان عن قَلبِي
فَعَاوَدَتنِي أَحدَاثُ عَالَمِ الأزَلِ
حِينَ استَدعَت لَطِيفَتِي مَعْبَدًا تأوي إليهِ
عِندَ العُنصُرِ الأَعظَمِ المُكّتَنَزِ في عالم الغَيبِ
عَبَرتُ إِلَى عَالَمِ التَّكوِينِ عَبرَ دَائِرَةِ الهَوَاءِ
فَاستَدَارَ الزَّمَانُ يَومَ ولادَتِي
على صُورَةِ المِيزَانِ
سَتُحلقُ رُوحِي مقامُ عَدل ...
وأَعُودُ إِلَى حَبِيبِي عِند انقِضَاءِ دَورِيِ
وفي نهاية القصيدة تقول :
هو إيقاعِ الكون مراقِصٌ
ترقص سيرورة موتٍ مستأنفٍ
إلى صيرورة حياة حرٍّ
أولد اليوم مُجَدَّدًا
وفي كل آنة أموت فيها
وأحيا بولادتي في كلّ آن
تلك معابر الرّوح فِي رِحلة انعِتَاقِهَا
إِلى آخر عِتْقٍ عتيقٍ
عند عودتِي
إِلَى صُورة رَبِّي فِي عَالَمِ القُدسِ

******

انها الكلمات تحترق في هذا الكتاب وتحضر الأنثى بعنف صارخ أخّاذ فتمزقّ الصمت وتسرف في وصف المفاتن

فَكَم أَغْوَتْ مِنَ العُشَّاقِ نَظْرَتِي
فَمَا ابْتَرَدَتْ أَحْدَاقهُم
وَمَا مِنْ سِحْرِالأحْدَاقِ ....
تَبَرَّدَت عُيُونِي
فَمَا حُرُوفِي ...
إلا نَشْوة .... تُرَاوِدُ مَن بِهِ وَلَه
تَعَرَّتْ لِلوُجُودِ ... غِوايَةً
فَلَيسَ الوُجُود ... إلا تَجَلّ جمَاَل عَاشِقٍ ثَمِل
إِنَّ الزَّمَانَ لَيَسْتَدِيِرُ لِأجْل وُصَالِي ... مُتَرَيِّثًا
وَيَنْسَكِبُ الثَّغْرُ رَاقِصًا عَلى صَدْرِي
وَيئنّ الْمَكَان لِحَنِين عِنَاقِي ...

مروة كريدية: عملت في ميادين ثقافية متنوعة ولها العديد من الاعمال الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والابحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي

من مؤلّفاتها:

* معابر الروح – مجموعة شعرية
* أفكار متمردة - في الاجتماع السياسي
* مدائن الغربة – فنون تشكيلية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى