الخميس ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩

الوسواس

بقلم: رمضان حينوني

دخل غرفته دون أن يعرف كيف أوصلته خطاه الثقيلة إليها.. ألقى كتبه على الأريكة وهو يرتجف كمن خرج من كومة جليد. لم تكن تشد رقبته ربطة عنق، ورغم ذلك ظل يبعد عنه شبح يد تخنقه. وجلس إلى طاولته فترة يحاول التحكم في أعصابه التي تذوب في واد القلق، ولكنه سرعان ما غادرها إلى النافذة لعله يستنشق هواء منعشا يفتقده، ولكن هيهات..

وتأمل أصابعه ثم بقية ذراعيه، فهيء له أنهما أنحف من ذراعي صبي، ثم لمس بقية جسده وإذا برودة عجيبة تسري في كيانه.. بعد دلك بقليل فتح الباب وانطلق مسرعا إلى الشارع حتى لا يلحظ أحد من عائلته تغيره المفاجئ.

واعتقد في عالم تصوره أنه يتحول إلى مخلوق آخر.. تذكر لقطة مخيفة في فيلم سينمائي شاهد فيه إنسانا تحيطه البلايا من كل جانب، فيتحول إلى جسم غريب متوحش يقتل ويدمر انتقاما لوضعه.

ودق قلبه بشدة.. بل أحس أن جسمه كله يدق، واضطربت أنفاسه كأنه أمام الموت وجها لوجه. أما الهواجس فقد أخذت في الهجوم عليه، لعل الغذاء الذي تناوله ظهيرة اليوم عند صديقه فيه سم قاتل.. أو ربما تكون هذه أعراض لمرض خطير ما بدأ قتل خلاياه.. أو ربما...

واستقر هاجس الموت في نفسه، وازدادت ضربات القلب كأنها طبول مجانين، واستمر احمرار الوجه وكأن ما في الجسم من دم تصاعد فجأة إلى أعلى، فضاقت عليه نفسه حتى كأنما تريد الاستقرار في حلقه، وانكمش خائفا حائرا ينتظر كارها أمرا بالقضاء عليه إلى الأبد.

حاول أن يجمع شيئا من قواه ليعود إلى البيت، ولكنه أحس كأن جاذبية الأرض تسحقه إلى أسفل، وخلالها كان ضجيج الناس وضحكهم يرتسم في عينيه كاريكاتوريا.

ومكث على هذه الحال مدة.. تتلاعب به أنفاسه لتضيق عليه صدره، وتعود قهقهات الشيطان تعرب له عن ضعفه، وتغمض عينيه في مرارة و تزيده انكفاء على ذاته.

كانت صورة القبر في ناظريه جلية، كأن نهايته ستكون هنا.. في هذا المكان الذي يجثم فيه.. يتصور ملك الموت وهو يقترب منه في غير تردد أو رحمة، وكيف سيتركه دافنوه في حفرته وحيدا بين الموتى مثله، وكيف سيفتح عينيه على عالم آخر كان يسمع عنه ويؤمن به دون أن يعرف كنهه..عالم كله أسئلة وأجوبة أمام الله والملائكة.

وشعر أنه خفيف كقطعة ورق، بارد الجسم كأنما فصلت منه الروح، وهيء له أنه يصرخ بأعلى صوته في عالم لا حياة فيه لمن ينادي. وفي الأخير تذكر أن الموت لا يمنعه صراخ أو هدوء. وعندها استرخى مسلما للقدر.. وتمدد في هدوء مغمضا عينيه فاتحا فاه مستسلما كعصفور محطم الجناح، ينتظر اليد التي تأخذه إلى مصير ما. وغاب عن الوعي تماما، ليغرق في نوم كان في أمس الحاجة إليه ليهدئ موجة الاضطراب العنيفة التي اجتاحته.

وفي لحظة من لحظات الصباح الباكر، كان يفتح عينيه في وداعة على صورة هادئة بديعة رسمها الخالق على صفحة الطبيعة، وصفعته نسمة لطيفة تبشره بالانبعاث الجديد.

تأمل يديه، ولمس وجهه فما وجد فيها عيبا.. لاحظ أن أنفاسه هادئة وقلبه يدق طبيعيا.. قارن نفسه بما حدث له أمس فإذا الفرق شاسع بين.

ما الذي حدث إذن؟ هل هي إحدى تجليات الشيطان استغلت ضعفه إيمانه بخالقه.. هل هو امتحان الإنسان أمام قوة الهواجس النفسية التي مهما ادعى التصدي لها تقهره وتكشف عن تفاهته؟

بقلم: رمضان حينوني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى