الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم عزيز العرباوي

بدايـــــــــــــة

استقبلتني الشمس رغم ديكتاتورية الرياح العاصفة. ومنحتني فضاء دفء وصفاء ونشاط وحيوية، رغم البرود المعلن عن بعد في أفق النفس الذي يتجمع فيه الألم واليأس بحذر.

تأبطت حقائبي الصغيرة منها والكبيرة، واخترقت الجبال الشاهقة حتى المكان الموعود. مررت بكل الدواوير المترامية على جانبي الطريق، والتي شاخت دورها المطلية بالوحل. وغاب ناسها في عز النهار. يجذبني الحنين إلى الأمل كلما سجل عداد السيارة الكيلومترات وراء الكيلومترات، أضعت الأحلام التي سجلتها وحفظتها في دفتر الذكريات، حتى إذا لم يعد لي هناك مفر من قدري، ظهر القسم يحتل أعلى التلة. فسألت عن البناء القابع هناك رغم أن ملامح البادية حفرت في خيالاتي، مدرسة الدوار، جامع الدوار، بئر الدوار، البيوت. حتى إذا رأيت العلم الأحمر في وسطه نجمة خماسية خضراء، فاجأتني أبواب الإدارة المفتوحة على مصراعيها بجانب السكن المبني منذ عشرات السنين كما يبدو عليه.

دفعني الفضول والاستغراب لتحية الشخص الجالس على كرسي وثير داخل مبنى الإدارة، لمجرد التأكد من أنه هو المدير، توقفت لأحادثه ولأتعرف عليه أكثر، دفعتني رغبتي في الاستمرار إلى أن ألمح ورقة بيضاء أمامه كتب عليها اسمي وبعض المعلومات التي تخصني. وجدته يمعن النظر في لحظة، ولحظة يراقب الورقة. جلست حتى لا أتعب أكثر، وجعلت نظري يحوم بكل أركان الفضاء ليرشدني إلى معرفة كل مكوناته واحدة واحدة.

خرجت إلى خارج المبنى تخنقني أسئلة لا أعرف لها إجابات. كادت تصدمني أفكار شقية مرت بجانبي لولا انزلقت من مكاني ببضع خطوات. تذكرت رحلتي في منتصف نهار مشمس سعيد، على متن سيارة " البوجو" الطويلة، وعلى إيقاع نغمات موسيقية لأمير الفنانين محمد عبد الوهاب. واختلطت أصوات أناس جدد بتفكير غريب يمتطي فرسا مجنحة. أنقذني مرور أحد هؤلاء الناس من الاصطدام بي. فنظرت إلى قدمي التي أتعبها المشي. ورأيت صباغة حائط الإدارة وقد ازدادت تآكلا جامعة خربشات وخطوط صغيرة من جراء تصرفات الأطفال الصغار أثناء العطلة الصيفية.

قذفتني الأقدار إلى دوار آخر الذي يشبه في مظاهره كل الدواوير، ورأيت أقساما لم تشهد هي الأخرى تجديدات تجعلها أكثر وضوحا ونقاوة ورغبة. إلا أن بعده عن الإدارة وظهور وجوه الأطفال الأبرياء، كل هذا كان يمحو بذيله أحلام الماضي التي سكنت فيها....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى