الجمعة ٨ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم رافي مصالحة

الإصحاح الأخير في سفر العروبة المدنّس

أنكرَكِ الجّميعُ ألف مرّة قبل ان يَصيحَ الدّيك يا ليلى.

هناكَ، حيث امتدّ الظلّ وفقأ الغرُوبُ عينَ الشّمس حِيكَت المكيده.

تجشّأ الحضور إثر الوليمة الاخيره بعدما التهموا خبز جسدك واحتسوا نبيذ دمك.

وعلى مائدة القمّة تعاهد اثنان وعشرون (يهوذا) أن يوقعوا بطهُركِ بأيدي رؤساء الكهنه وجَعلوا من دمكِ محبَرة ً سجّلوا فيها حروف تاريخ الخطيئة في السفرالمدنّس لاثنتين وعشرين زانيه، قبّلتكِ، لا لإلفةٍ، ولكن كي يأتي "قيافا" ويكبلك بالأغلال، وحَمَلتْ الأكاليل بانتظار تابوت الجّرح الباسم ِ المُكابر.

عندما تبتسمين ليلاي، يراودني حلمُ غزّه.
واذا بكيتِ، تذكّرت وأد الطفولةِ وسط َ ردم الأساطير الاغريقيّة في غزّه.

غزّه!!.

هناك حيث سكنت الريح البحرية ُ على حدود المجزرة.
وتخطّاها آذار الذي لم يحظ بتأشيرة دخول ٍ لروابي لم يعرف قََسَماتها التعيسه.

فيها عَبَسَ النّرجس وتجهمّت شقائق النعمان فوق رماد النجوم المحروقة وشظايا الحمامات الزاجله.

غزة يا ليلى لمن لا يعرفها، غابة البنفسج المضمّخة ببهار العطارين والبخورات العدنيّه، يتجمّد الزّمان فيها خلف المتاريس والأسلاك الشائكة والحواجز العسكريه، وتهاجر غيومها لتبكي في بلاد الغربة وهي تخشى صليل السيوف في طروادة َ النازفه.

وغزة لِمن لم يداعِبهُ بعدُ نسيم بحرها تشرّدَ فيها الصّباح واشتعل الوردُ على صدرها لينشر فتات خبز الموتى في مناقير العصافير وافواه الطفولة المكسّرة على الارصفة الحالمه.

وغزة لمن يهوى النقائض، ميدان براءة صبيان ٍ، كالفراش ِ، يرتشفون في ليال ٍ ناعساتٍ رحيقَ القمر وحُبيبات الطلّ عن ورق الشجر، إزاء حُطام جنديّ يهوى حرقَ الفراش في جوف اللهب، وقد تمرغت خيالاته المستعارة من مارد طينيّ في وحل الشوارع المعتمة النابضة بغضب زفس قبل ان يغرق الارض بالطوفان.

إكليل الشّوك ضفّره (فريسيون) ينطقون بالعربية الهزيلة التي ينكرها ابو العتاهيه، ووضعوه فوق رأس غزّه، بعدما رووا ظمأها بالخلّ.

وعلى الصّليب المظلوم المترنّح أمام زوابع القهر كتبوا متهكمين: (هذه غزّه، ملكة عزّة العرب).

وبعدما زالت سحابات غبار المعركه، انتصبت غزّة جبلاً من الحياة، كشموخ "اوديسيوس" صاحب النّصر المؤزر في طرواده.

مارداً، ينبِضُ خافِقُهُ بأعذبِ ألحان البقاء والخلود، لم يخرج من أي قمقم ِ ليلبّي أماني السُذ ّج، بل عملاقا "كسيكلوب" الاغريق المهيب، ذي العين في الجبين، الذي لا يتوانى أن يبتلع أشجع المحاربين اذا ما مسّوا يوماً طرفه.

بُعِثَت غزّة ُ يا ليلاي،

ما صَلبوها، ولا قتلوها، ولكن، شُبّهَ لهُم....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى