الأحد ١٧ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم محمد السموري

فيلم مزرعة القبرة في نسخته العربية بالقامشلي

تعليق نقدي على فيلم مزرعة القبرة

فيلم مزرعة القبرة للأخوين (باولو وفيتوريو تافياني) ،بطولة الفنان الفلسطيني محمد بكري يستند إلى رواية الكاتبة (أنطونيا أرسلان) تتحدث فيها الكاتبة عن ذكريات أسرتها عائلة أرسلان في غربي أرمينيا حين كانت تنتظر عودة أقاربها من البندقية التي حالت دونها مذبحة الأرمن عام 1915والفيلم يروي قصة ذبح الذكور الكبار والأطفال وتسفير أو تهجير النساء عبر الصحراء إلى الأراضي السورية حلب ودير الزور كذلك يلقي الفيلم الضوء على ذبح الأغنياء الأرمن والاستيلاء على ممتلكاتهم تحت شعار (تركيا للأتراك). وعلى أرضية صراعات قومية وطبيقة ودينية مركبة ويظهر الفيلم الحزن الشديد وحالة الغثيان التي عانت منها النساء التائهة في الصحراء السورية، والفيلم من إنتاج مشترك :ايطالي، اسباني، بلجيكي، فرنسي،

والفيلم يعرض الآن في أوروبا بينما هو ممنوع في (إسرائيل) لأنه يتحدث عن مأساة الأرمن التي هي أفظع بكثير مما عرف سياسيا بمذابح اليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية وما درج على تسميتها بـ (الهلوكوست). ولكن اليهود لا يعترفون بمذابح أفظع وأكثر مصداقية تاريخية من مذابحهم. في حين أن مذابح اليهود ضد الشعب الفلسطيني باتت تفوق بكثير مذابح العثمانيين ضد الأرمن، فـ (إسرائيل) لا تعترف بالمذبحة الأرمنية ليتاح لها الانفراد بالحملة الدعائية الدولية والتستر ببرقع الشماعة لتقديم اليهود بصورة الضحية بينما كيانها الإرهابي يمارس القتل المنظم وبالدم البارد ضد الشعب الفلسطيني واللبناني وفي جميع الأراضي العربية المحتلة، ورغم كل هذا نجد أن (إسرائيل) استغلت مذابح اليهود المزعومة في تحقيق مزيد من المكاسب ليس على حساب مرتكبيها من الرايخ ولكن على حساب العرب الذين لا ناقة لهم ولا جمل بمحارق اليهود الألمان على يد دولتهم آنذاك ألمانيا، بينما لا نجد الأرمن قد استفادوا أي شىء حتى من مرتكبي الجرائم أنفسهم، فالأرمن مهما يكن وضعهم القومي أو الديني فهم ينتمون في النهاية للشرق . وهذه صورة واضحة عن نفاق الغرب .

أما النسخة العربية من الفيلم فقد عرضتها الجمعية العمومية الخيرية الأرمنية في القامشلي وهي من ترجمة الدكتور أنطوان آكوب أبرط والدكتور أنطوان هو: طبيب أسنان وقاص، ويهتم بالنقد الروائي، والسينمائي ،كما يعمل بالإخراج المسرحي، ومن مطابقة أولية بين النسختين العربية والانكليزية تظهر مقدرة المترجم على تفهم دراما النص وخصوصية الشخصيات فقد تفاعل مع الحدث وكأنه المؤلف الآخر للرواية ، فقد استطاع إيصال الفكرة للمتلقين بجدارة الأديب والروائي وليس المترجم فحسب .ذلك لعدم اتكاءه على الترجمة الحرفية الجوفاء كما يفعل بعض المترجمين أما تنفيذ الترجمة فكانت من جهد الدكتور: روبرت عبود كريكور وهو الآخر طبيب الأسنان الذي استحق تكريم الجمعية بجدارة. عن جهد تطوعي مضني .

لقد حبس جمهور القامشلي أنفاسه لساعتين متواصلتين وهو يتابع مزرعة القبّرة
التي جسدت فيها الروائية (أرسلان) مذكرات آلاف العائلات الارمنية بمذكرات عائلتها. كان الجمهور في صالة الجمعية متعددة الأغراض خليطا من عامّة المتعطشين للسينما في القامشلي ينعون بأسى موت الشاشة الكبيرة في هذا البلد الثقافي بامتياز من جهة وبين الأرمن تحديدا الذين يعتصرون ألما للمشاهد فيطابقون في اللاوعي الجمعي الحكايات والذكريات والمرويات التي شاهدوها أو سمعوا عنها وبين المشاهد الدامية لمناظر قطع الرؤوس البريئة للأطفال والرجال فضلاعن مناظر انتهاك الحرمات والأعراض ،من جهة أخرى بينما يتربص المثقفون التقاط عبرة سوسيولوجية تقول: ليس كل الأتراك هكذا بدليل شهادة الروائية عن عائلتها حين قدمت من يتوق للتعاطف والمساعدة إلى حد التمرد، ومن يعرف الحب، وهناك أيضا من يعترف بالذنب أمام المحكمة ويتهم نفسه.

وأخيرا يلفت انتباه الناقد بعض المشاهد التوظيفية التي أضفت على هذا الفيلم أبعادا مختلفة منها : تدحرج التفاحة من يد الصبي وعودة (نونيك )مما تسبب بإلقاء القبض عليها، تبرز على الفور فكرة ارتباط التفاحة بالإغواء تاريخيا وميثيولوجيا وهي جدارة في التوظيف السينيوغرافي والارتباط العلائقي بين المفاهيم حتى لو كانت الحاجة والجوع هما الدافع وراء تضحية الفتاة بنفسها لإنقاذ الأطفال وصديقتها

الخلط الثاني جاء في مشهد الفتاة المراهقة (نونيك) التي أحبت شابا تركيا في الجيش قبل المأساة وأحبت الآخر في قلب المأساة فهي تمارس مراهقتها لكن المخرج عمد على توظيف هذه الممارسة في خلط واضح بين مواقف متباينة مما لا يعفي الجنود من الذنب ولكن لو كان مع غير شخصية (نونيك) المجازفة التي انتحرت أخلاقيا باعتبار نفسها ميتة فلم يعد يهم وأصبح سيان بين ممارسة الجندي الذي تعاطف معها وساعدها دون شروط وبين الآخرين. فطلبت منه أخذ ما سيأخذه الغير لا محال لأنه الأحق كونه صاحب فضل عليها في بعض الطعام .

وفي جانب آخر هناك مبالغة في أسلوب قتل المولود حين وضعته أمة بين ظهرها وظهر صديقتها يريد المخرجان الأخوان تافياني منه استدرار المزيد من التعاطف والمبالغة في تجسيد المأساة لكنهما تناسيا تماما العاطفة الإنسانية التي تأبى هذا الأسلوب على عكس ما قرأنا في بعض سير الأرمن عن مثل هذا فقد ألقت الأم بنفسها مع وليدها في البئرفماتا سوية وهذا هو التعبير الصحيح فكم تمنيت على المخرجين تصوير الأم وهي تنتحر مع طفلها ، ولا تقتله وتنجو بنفسها، وكأن شيئا لم يكن،وكان بوسعها أن تلقي به بأحضان الجندي أملا منها باستدرار عطفه ،سيما وأنه أبى قتله بنفسه وهنا تغيب الفكرة التي لم يتمكن المخرج من قبضها ،. ثم أن أسلوب القتل كان اعتباطيا لدرجة ملفتة ولم يراع المشاعرالإنسانية .

أبرز الفلم تعاطف الفقراء المتسولين مع الطبقات الغنية في محنتها متناسين الفقر والازدراء في أيام الرخاء ،وهذه حالة إنسانية تاريخية فلم يتنكروا للطبقات التي كانت تعيش في الرخاء فلعب الفقراء والمتسولين دور البديل السيسيودرامي عن الطبقات الغنية التي أصبحت تمثل حالة (عزيز قوم ذلّ ) وهذه اللفتة تسجل لهذا الفيلم ، كونه يجسد إلى حد كبير الحالة الاجتماعية السليمة ،والوطنية الحقة .
يدعو الفيلم إلى تفهم حقيقة هذه المأساة الإنسانية واعتراف الحكومة التركية الحالية بها باعتبارها حكومة مختلفة كثيرا عن سابقاتها وتتعاطف كثيراً مع قضايا الشعوب بايجابية أينما كانت ،ولا سيما الرجل الشجاع رجب طيب أردوفان ،وكأن الفيلم يقول في النهاية: لا ذنب للأتراك اليوم بما فعل غلاتهم بالأمس فالزمان قد تغير والمفاهيم تغيرت وحتى القيم الاجتماعية تغيرت.والاهم من هذا وذاك الحكومة تغيرت ،وإن الأرمن لا يملكون عقدة الانتقام فمن آواهم بالأمس هم مسلمون من نفس دين الأتراك

تعليق نقدي على فيلم مزرعة القبرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى