السبت ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم عبد الهادي شلا

حمامة السلام

دخلت العش على عجل وانزوت في ركن بعيد وهي تتمتم بكلمات مبهمة لفتت نظر باقي الحمامات البيض!!

حولها تلفتت، وبرأسها من العش أطلت؛ وعيون الأخريات تتابع تصرفاتها الغريبة!!

منها تقدم (الذكـــر) الوحيد من بين الحَمامــَات البيض الوديعات،وسألها: ما الأمر؟

ارتد إليها طرفها خجلاُ بينما رموشها ترفرف وترتجف خوفاُ وهي تحاول أن ترى ما يجري خارج العش ولكن بلا فائدة فقد سد (الذكـَـر) الطريق إلى المنفذ بكامل جسده الأبيض الجميل.

كان المكان معداً لاجتماع الحمامات البيض لاختيار واحدة سيتم تصويرها من قبل فريق من المصورين الذين جاءوا خصيصاً من مقر الأمم المتحدة كي تكون صورتها ورسمها رمزاً للسلام هذا العام حيث تتناقل الأخبار آخر فرص السلام وطرح المبادرات، ولا يجوز أن لا يكون للحمامات البيض دوراً ولو ممثلاً برسم مطبوع على ورقة أو علم أو قميص يرتديه دعاة السلام بجوار الجدار الفاصل ضمن حملاتهم لرفض وجوده.!!

أمــَرَها(الذكــَر) بضرورة الجلوس مع الأخريات لإجراء قرعة بينهن لاختيار الفائزة لتصويرها.. انصاعت بحذرفقد رأت في طريقها فريق التصوير قادم نحو العش الهادئ ومعه الكثير من أدوات التصوير ونماذج لطيور الحــَمَام في كتالوجات ملونة وجميلة.

ما إن) سمع ( الذكــَر) صوت قائد فريق التصوير يستأذن إحضار حمامة لتصويرها حتى أمهله قليلاً كي يتم اختيار الفائزة لتصويرها..

أذعـن وجلس ينتظــر!!

تَحـَلـَّقت الحــَمامــَات البـِيضُ داخل العش الجميل وبدأ(الذكــَر) يتمعن في وجوه الحاضرات فعرفهن جميعا إلا واحدة بدت غريبة عليه في شكلها وملامحها لنصاعة بياضها الملفت للنظر فقال في نفسه: فلنتغاضى عنها لربما كانت هي التي ستفوز وتقوم بتمثيلنا ليعرف العالم أجمع كم نحن نبلاء، نتغاضى عن أمور هامة تحت وطأة الضرورة وأننا نقدم كل شيء من أجل السلام العالمي.!!

بدأ الجلسة بالحديث عن الديمقراطية وتكافؤ الفـُرص وضرورة الانتماء الوطني والالتزام بالأهداف السامية التي تدعو لاحترام الإنسان في كل مكان، ثم بدأت عملية الترشيح فتقدمت العديد من الحَـمامات البـِيض ومن بينهن تلك الحمامة التي استرعت انتباه (الذكـَر) بصفاء لونها الأبيض.

ثم بدأت عملية الفرز وسط صمت الجميع وكانت النتيجة من نصيب الحمامة التي أعجبت (الذكـَر) في بهاء لونها وصفائه، فانقسم المجلس بين مؤيد ومعارض بحجة أن الحمامة الفائزة لا يعرفها أحد ولم تتواجد في أوقات الضرورة والشدة من قبل،وكان الأجدر التحقق من شخصيتها قبل الترشيح والانتخاب، ولكن والأمر قد تم فليس أمام الجميع إلا الانصياع وقبول النتيجة ...هذه هي الديمقراطية!!

مد الذكر رأسه من باب العش ليخبر رئيس فريق التصوير بأن الحمامة البيضاء جاهزة للتصوير وهي تستعد للخروج للوقوف أمام الكاميرات.

استعد الجميع وصفقوا ترحيباً بالحمامة الجميلة وهي تهم بالخروج من العش لتقف على المنصة المعدة للتصوير.

فما إن وقفت وأخذت زينتها بخيلاء حتى هبت عاصفة رعدية قوية وتساقطت الأمطار بغزارة، حاول كل أن يجد له مكاناً يستظل فيه أو مظلة يحتمي تحتها.. فكانت المفاجأة الكبرى التي أذهلت الجميع حين رأوا لون الحمامة الأبيض يزول رويداً رويداً ليظهر من تحته ريش غراب أسود!!!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى