الأحد ١٧ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم بلوافي مَحمد

الرواية الراهنة والنقد الروائي

في ظل النتاج الجزائري

في ظل هذه الحركة الحضارية الجديدة، والرغبة في مسايرة الموجة الغربية العارمة، كان لا مناص من أن يعرف الأدب العربي بشكل عام، والجزائري منه بشكل خاص، أجناسا جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهو ما دفع بمجموعة كبيرة من الأدباء، إلى الولوج إلى عالم الرواية، وذلك ما واكبته جهود معتبرة، من طرف الباحثين، كما أن الرؤية للعالم؛ والتي تشكل إحدى البنى المركزية الروائية، قد أخذت تتبلور لتتقاطع مع ما تطمح إليه البشرية.

وقد تأثرت الساحة الأدبية الجزائرية بذلك التغيير الحاصل، حيث شهدت تطوراً ملحوظاً من كل الجوانب، ونال منها فن الرواية الحظ الأوفر، لما يمثله على الصعيد الوطني والعالمي؛ من مواكبة لمتطلبات الحال، ولما له من إمكانية لتعبير عن كل ما يعالق النفس، من قضايا وطموحات للعصر.

وتميز هذا الفن، في الزمن الحاضر، كونه قد ثار على القواعد البالية، وبنى لنفسه أسلوباً وفضاءاً خاصين بالعصر ومناسبين له، مما زرع في نفسية القارئ نهماً وجشعاً؛ دفعه إلى الاٌغتراف من العوالم السحرية للأسطورة، والخرافة، والعجائبية، وأيضا الرغبة في ملامسة الحقيقة. ولقد فضلت الرواية الجديدة تشريح مواقف الإنسان، ومعالجة قضاياه، معتمدة في ذلك على اللغة التي هي مادتها الأولى؛ حيث لا يمكن اعتبار رواية من الروايات مجرد كتابة نصية، وإنما يجب أن تعد لدى القارئ، مظهراً من مظاهر الاشتغال على اللغة.

كما يعتبر الخيال؛ هو المنبع والمورد لهذه اللغة، ويضاف إليهما عنصر ثالث، وهو العملية السردية وتقنياتها؛ أي الهيئة التي تتشكل بها الحكاية، في العمل الروائي، وبها يلبس النص السردي ماهيته.

إن الرواية ـ انطلاقا من وصفها فعلا إبداعياـ تتأسس أصلاً، على محاولة اقتناص جوهر اللحظة الآنية بصورة مكثفة، فهي تقرأ الإنساني والزمني والتاريخي في الاجتماعي حيناً، وفي النفسي حينا آخر، مما يجعلها رصداً للمصير والتحولات البنيوية العميقة، التي يكشف عنها الوضع الإنساني باطنيا، حين يرتفع بالشخوص والأوضاع إلى فضاءات الإيحاء الرمزي؛ الزمني والكينوني. وهو الأمر الذي يؤهل النص الروائي، وفق بناءاته وفضاءاته، للإفصاح عن ميلاد رؤية جديدة للعالم.

ونظراً للصدى الذي يلقاه - الفن الروائي- في وسط الطبقة المثقفة، ولما يمتاز به من صدارة على بقية الأجناس الأدبية، فقد أخذت الدراسات تتوسع وتتسع فيه، وخاصة في الفترة الأخيرة في الجزائر، إذ تخطت مرحلة التعريف بالأدب، أو التأريخ والتأصيل له. وقد أضحت مجموعة من الأدباء والنقاد تحتل مكانة معتبرة على المستويين العربي والعالمي، على حد سواء، تعمل على تبيين الخصائص الفنية للأدب الجزائري، ومميزاته الأسلوبية، ومعماريته اللغوية.

وبصورة إجمالية، بحيث يمكن القول بأن هناك أعمالا نقدية ودراسات أدبية في الفترة المعاصرة، لنخبة من الأدبيين الجزائريين، تستند إلى وجود أعمال روائية متميزة، تستدعي المدارسة والتمعن بعمق؛ أي أنها أعمال روائية تساير العصر وتحاكيه، كما استطاعت أن تواكب التطور الحاصل في المتن الروائي الجزائري، وترفع من شأنه، وتجاري الركب العالمي في الآن نفسه، ومن ضمن هذه الأعمال، ما قد بلغ درجة متميزة، من النضج والوعي الفني والفكري، والقدرة على البناء المتعدد المتجدد، الناشئ عن التسلح بجهاز معرفي مقبول، والتطلع باستمرار إلى الاغتراف من تقنية الكتابة الروائية الحديثة.

مما يحتم على مسار النقد الروائي، ضرورة العروج عليه، لمساءلته وتقصي خطواته، وتلمس ملامحه.ضمن القراءة النقدية الجادة، التي تحاول الإمساك بخصائص النص، التي يوظفها المؤلف توظيفاً مقصوداً، ويلح عليها لتؤدي عنه الدلالات الاجتماعية، والسياسية، والتاريخية، والنفسية، والجمالية التي يتفرد بها النص، التي من خلالها يحاول الروائي بلورة بنيته الخطابية.

وذلك بالتدقيق في طبيعة السرد، وحقيقة بناءه الداخلي، سواء على مستوى الشكل أو الدلالة والبناء. في مسار دراسي واحد، يراعي التطور الحاصل في الرؤية، من اتجاه إلى آخر، كما يراعي تكامل النظرة، وتطورها لدى الكاتب، دون الفصل بين بعضها البعض بشكل مطلق.

في ظل النتاج الجزائري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى