الأربعاء ٢٧ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم بسام عورتاني

مشاعية النفط الفلسطيني

لم يجد الفلسطينين الى الآن حيزاً في الزمن لكي يحققوا إنتصاراً ما أو يحققوا مكاسب فعلية على الأرض. منذ 60 عاماً وهم يكتسبوا خبرات عمليه باستيعاب المآساي والظلم والقهر. حيث كرست هذه المظالم ثقافة خاصه لدى الفلسطينين وما هو ملفت للنظر، كيف أصبحت هذه المظالم الاسرائيليه والممارسات القمعيه مصدراً للرزق لأغلب فئات المجتمع.؟؟

شهدنا مظاهر عديده تبدأ من أبسط الناس وأفقرهم وصولاً الى النخب القيادية في المجتمع ومنها: بائعين على الحواجز، حفر أنفاق للتجاره، وصولاً الى تأسيس مؤسسات غير حكومية لمقاومة الجدار ومصادرة الأراضي، ومؤسسات تعمل لجرد الانتهاكات الاسرائيلية وحجم الأراضي المصادرة وأرشفة تلك المعلومات. وكل المساعدات التي تقدم للشعب الفلسطيني تقدم على أساس أنه شعب محتل ومضطهد ومقتحم... الخ. وما هو ملفت للنظر المبالغه في تصوير حجم المآسي حتى على المستوى الداخلي للمجتمع نفسه: أي بين الفلسطينين أنفسهم، بالاضافة الى إمتهان تسويق المآسي وتحويلها الى(نفط يباع بأغلى الأثمان في أغلب الأحيان).

قد يقول أحدهم بأن اليهود يقوموا الى الآن بإبتزاز العالم لمأساتهم (الكبرى) في ألمانيا النازية، وما زالوا يُعوَّضون الى الآن من أحفاد هتلر. أقول هذا صحيح لقد استغلوا هذه الصوره ؛ صورة اليهودي المحروق لكي يبتزوا العالم بأسره. ولكن لا ننسى بأن اليهود كانوا لهم أثر قوي في المجالين الأهم في العالم وهما العلم وانتاج المعرفه من جهه والتجاره من جهة أخرى. حيث ساهموا بقوه بالثورة العلميه والثقافية التي هزت أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وطالت آثارها العالم بأسره. أضف الى ذلك أنهم استطاعوا أن يحشدوا قبولاً نوعياً لهم ليس على أساس الشفقه فقط وإنما على أساس قدراتهم العلمية وسلتطهم التجارية في الكثير من بلدان العالم. أما الفلسطينين إكتفوا بالمأساه وصورتها لكي يحشدوا العالم تجاههم، بل أصبحت المأساه هي المصدر الوحيد للرزق الفلسطيني، حيث توفر المجهود وتدر أرباحاً لا بأس بها.

ذكر لي أحد الأصدقاء قصة ملفته للنظر وهي: في منطقة ما من الضفة الغربية يوجد فيها حاجز اسرائيلي، حيث يتم تفتيش كل المارين من خلال هذا الحاجز، ويقوم الشباب بحمل أسلحه بيضاء حاده ويمرون من خلال هذا الحاجز ليتم ضبطهم متلبسين بقصد. ويكون الحكم سنتين يقضيها داخل السجون الاسرائيلية، حيث يحصل على راتب شهري من نادي الأسير الفلسطيني لمدة سنتين يكون قد وفر أكثر من 20 ألف شيقل يتمكن من خلال هذا المبلغ أن يقوم بمشروع ما أو أن يرتبط بشريكة حياته. أثارت هذه القصه دهشتي فعلاً ؛ الى هذا الحد يلجئ الشباب للحصول على المال لينشأ مشروع ما؟؟ والأهم بذلك أنه يضرب عصفورين بحجر واحد: من جهه يحصل على المال ومن جهةٍ اخرى يُعترف به اجتماعياً كرجل وطني ومناضل. وهناك من يسعون الى دخول السجن فقط لكي يستطيعوا النجاح بامتحان التوجيهي(الباكالوريا) لأن إمتحانات السجن أسهل ومضمونه أكثر من خارج السجن.

ومن هنا أستطيع أن اتوسع في تحليل مثل هذه الممارسات الى محاوله فهمية للتصور الفلسطيني لمفهوم"العمل"، وبلاشك فهو مصدر هام للرزق. ولكن هل في ثقافة الفلسطيني عناصر الفهم الحقيقي لقيمة العمل ؟؟

ان توحش النظام الرأسمالي الذي سلَّع الانسان والحيوان، استحدث ثقافةً لقيطه ؛ ثقافة البحث عن الماده وجعلها المعيار الوحيد والأهم في تقيم كل شيء سواءً الانسان أو الحيوان أو الجمادات. وأسقط كل المعايير الأخلاقية.. وان وجدت، وجدت شكلاً وغالباً ما توظف للدعاية والاعلان لشيء ما، أي يتم استخدام المعايير الأخلاقيه كمظهر فقط وليس كجوهر.

وبناءً على هذا فإن ثقافة السعي وراء المادة ضربت البناء الطبيعي لرفض الانسان للظلم والقهر والاحتلال حيث المآسي لم تصبح حافزاً للجهد والعمل والارادة من أجل التحرر والوصول الى برْ النجاه وانقاذ المستقبل، وإنما للمباهاه وإثارة الشفقة ولانجاز مشاريع أيضاً.

ما أود تلخيصه بهذا المقال ؛ هو"أن الإستلاب المطلق يجعل الوعي بالإستلاب معدوم". وهذا القول لعالم الاجتماع الفرنسي بييربورديو، إقتبسته بعد أن عكس الواقع الفلسطيني معنى هذا القول بعمقٍ ودقه.

أي أن المجتمع الفلسطيني ليس فقط مسلوب الأرض، وإنما وصل السلب ثقافته ووعيه الى حدٍ لا بأس به. فهذا الاستلاب الواسع لا يعطي فرصة النقد الذاتي حقها بأن تعيش حاضرةً في أذهان الناس، فتصبح الثورة تجاره وتصبح المآسي مصدراً للرزق. والمحتل يوفر لك فرصة الموت كلما إحتجت لها لكي يسترزق من خَلَفَكْ.

إن الحديث عن هذا الواقع المنفصم ليس حديثاً يعكس التشاؤم والنظره السوداويه لنا، وإنما لا بد من بيان الصوره الحقيقية للواقع من أجل فهم ما نحن عليه الآن. محاولين السعي نحو تحقيق المناعه الذاتيه للمجتمع على أسس علمية دقيقة وليس على أسس عشوائية لا تمت للعلم بصله. إضافة الى ترسيخ قيم"العمل"في أذهان الأجيال القادمه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل مجهول.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى