الثلاثاء ١٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم مصطفى أدمين

ذاتُ النهدين الكبيرين

تلك الحرامية زُليخـَة هي من خطّط للمؤامرة ضدّ نجاة. وهي كفتاة من شرق البلاد المعروف بالنبل والمروءة، لم نعرف أبداً مصدر قدرتها الخارقة على حبك المؤامرات بالإضافة إلى قدرتها على عدم التعلّق بأيّ شخصٍ كان والتنصّل من أيّ عشق مهما بلغتْ قوّتُه. وهي صديقة أحمد، تنام معه، لكنها لا تبدي أيّة غيرة لمّا تجدُ في شقته غيرها من الفتيات.

يمكن اعتبار أحمد من صنف ذلك الشباب الميسور الذي لا همَّ له سوى جني ما لذّ وطاب من الفواكه النسائية.

نحن نعلم أنّه يحب زليخة حدَّ الانصهار وذلك ليس بسبب جمالها النسبي ولكن بسبب تميّزها بالأنفة وعدم الخضوع إلى إذلال الذكور. ومع ذلك، رأيناه يعمل ما في جهده لإخفاء حبّه الذليل لها. ولربّما طلب منها (هي بالذات) أن توقع بنجاة الطيبة جارته الجديدة لكيْ يوقظ غيرتها عليه. ولكننا رأينا في حركاته وسكناته ما يدلُّ على أنّه أصيب كذلك بداء نجاة.

كان أحبّها ذلك الحبّ البدائي الذي تلوح معالمه كفورة بركان ثائر لتنتهي على السرير مثل رماد بارد في تنور مهجور.

وكان أحمد قد قال لي ذات ليلة:

  اسمع يا مهدي؛ إنّ ما جعلني أقع في حبّ نجاة ليس جمالُها وشموخُها النادرن وإنّما نهداها الكبيران.

فكان لزاماً عليّ أن أعطيه رأيي في ذوات النهود الكبيرة من الفتيات:

 كلّما تقدّم بهن العمر، زاد حجم أثدائهن وتدلّت أكثر إلى حدود البشاعة.

فقال لي:

 أيّها الأحمق؛ إن الجمال هوجمال الوظيفة وإنّ زوجة بثديين كبيرين أقدر على إرضاع أبنائك.

وأنا أعلم أنه من نوع أولائك الرجال الذين يحبّون شراء أيّ شيء بالمال المتوفر لديهم: الحب والصداقة والإخلاص والحليب...
كما في علمي أنّه لم يرضع من أمّه لكونها توفّت وهي تضعه.

ضحكت صديقتي حياة وقالت له:

 هل تريد الزواج من امرأة أم من بقرة؟

وقلت:

 ما أحببتَ نجاة سوى لأنها تشبه زُليخـَة في أنفتها وعدم اهتمامها بك.

فلم يقبل بالملاحظة على الرغم من أنّه يعلم أنني رأيته قبل يومين يعترض طريقها إلى المصعد فما كلّمته بل صدّتْه بكل احتقار.
فقام يسرد سيلا من النظريات في علم الجمال وأحقية الوظيفة على البنية وعلاقة الطبيعة بالثقافة إلخ...
وزُليخة تضحك وتضحك؛ الأمر الذي زاد من دفق سيله الكلامي.

 طيب ! قالت له؛ تريد " ذات النهدين الكبيرين؟...سآتيكَ بها.

وكصنبور ضخم كفَّ فجأة عن صبّ المياه بسبب جليد مفاجئ، توقّف أحمد عن الكلام وتجمّد لبرهة من الزمن ثم قال:
 تأتين بها؟... إلى هنا؟...

فردّت الداهية:

 طبعاً لا ! فهي لن تقبل أبدا أن تأتي كما شاة لإلى شقة معروف عنها أنها مسلخٌ للفتيات وأنا عرفتُ نجاة وعائلتها المحافظة وعقدتَها...
 عقدتها؟ سأل أحمد.
 عقدتها هي – بالضبط – ما أنتَ مغرمٌ به.
 تقصدين؟...
 أجل ! عقدتها هي نهداها الكبيران وأنا وضّبتُ معها زيارة لضيعتكَ بناحية سيدي المخفي.

وللحظة تناسينا نجاة وعقدتها وركبنا خيالنا إلى ضيعة أحمد غير بعيد عن مدينة آزروالمكسوة بالأرز والثلوج...

 أخبرتها بوجود ضريح ولي صالح في ضيعتك ما إن تستحم المرأة في المجرى المائي الذي بجواره حتى تستعيدُ رشاقتها و
جمالها فتصير في رقة وجمال عارضات الأزياء.

في تلك الليلة، لم نكمل سهرتنا إذ قام أحمد إلى غرفته وهوشبه غاضب أومتذمر. فقالت صديقتي حياة لزليخة:

 صحيحٌ أنّك تلعبين بعواطف الرجل وهذا ليس في مصلحتك. فأجابتها بجدّية مطلقة:
 أنتِ ساذجة وأنا ماكرة ولكنني لستُ كذّابة.

فجاءت الليلة الموعودة قمراء ساحرة في صيف حارّ وسرعان ما تحوّلتْ إلى ليلة حمراء آسرة. في الضيعة. في العشق. في المؤامرة. تحت خيمة وبرية دافئة وعلى زرابي بربرية جميلة وفي أنوار شمعدانية خافتة شاعرية.

أذكر أنّنا كنّا مثل خيالات بريئة.

حتى إذا ما نام الجميع أوتظاهر بالنوم؛ قامت نجاة إلى المجرى المائي وخلعت ملابسها في حضرته حتى لاحتْ في سنا القمر مثل حورية تستعد لصلاة مّا. ثم تقدّمتْ إلى الماء الفضّي بخطى بطيئة وبأوهام متسارعة. وشرعت تبلل ساقيها ثم فخذيها وسُرّتَها ونهديها الكبيرين من دون أن تنتبه إلى أن الجميع كان يرقبها. واستمرّت تُدلِّكُ نهديْها إلى أن مال القمر على جنبه. ثم خرجت من الماء كما دخلتْ إليه، بكثير من البطء والأوهام.

فاستقبلها أحمد بفوطة ليلفّها بها في حنان، فما قالت كلمة وسارت معه إلى جناحه الخاص من الخيمة.
وفي الصباح رأيناهما متعانقين وزليخة تضحك وتضحك...

ومرّت سنوات تزوّج خلالها أحمد بزليخة وأنا بمريم صديقة نجاة ونجاة بالمسؤول عن ضيعة أحمد وحياة بطالب جامعي بائس كنتُ أراه ينظر إليها بعين الحب فأشفق عليه...

حدث ذلك خلال السبعينيات من القرن الماضي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى