السبت ١١ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم أمينة شرادي

العطر

كانت ليلة مقمرة من ليالي الصيف الجميل.صفاء يفرح النفس الحزينة ويأخذها بعيدا عن متاهات الحياة الرتيبة.هدوء استوطن كل أرجاء المدينة الصغيرة.إلا من بعض أصوات الحشرات التي كانت تؤثث سكون ذلك الليل.كانت ليلة سجية تمنت خلالها "سلوى"السهر خارج البيت وتطليق روتينية حياتها ولو بشكل مؤقت.قالت له وهي تتمنى أن تكمل فرحتها:

 "عندي مفاجأة لك."

 أعرف جيدا مفاجآتك.

 سنسهر الليلة خارج البيت.الجو جميل جدا ورومانسي و..

 كم أتمنى ذلك من كل قلبي.لكن كما ترين ،لدي عمل يجب علي انجازه الليلة.

نظرت إليه نظرة عتاب وقالت:

 و أنا أيضا أعرف إجاباتك.

ولجت غرفتها وهي في حالة عصبية مثيرة.أسقطت حقيبة يدها من فوق سريرها.و احتضنت وسادتها كأنها تفشي لها سرا.

استيقظت باكرا.أخذت أدرع الغرفة ذهابا وإيابا.بدا عليها الاضطراب نتيجة نوها المتقلب.أعدت لنفسها كأس قهوة حتى تستعيد نشاطها وتطرد وخز ابر ليلة أمس.سمعته يستعد للخروج كالعادة. أخذت مجلة بين يديها تقلب صفحاتها حتى تتغلب على لحظة توديعه لها وخروجه.فجاء يطلب منها أن لا تنتظره على الغذاء إن تأخر كالعادة.تردد قليلا ثم دفع الكلام من بين أسنانه دفعا وقال لها بسرعة:

 أعتذر عما بدر مني أمس.أعدك بأنني سأحاول..و خرج..و أقفل الباب بقوة كالعادة.

اختنقت أكثر وكادت أن تعصف بكل أشيائها.بكت وبكت..تكلمت كثيرا في الهاتف.جلست طويلا أمام التلفاز بدون هدف. حان وقت ذهابها إلى عملها.ليست لديها أية رغبة.الملل طال كل شيء في حياتها.ذهبت إلى غرفتها ،تلبس بدون تفكير.و أثناء وقوفها أمام المرآة،أثارت انتباها زجاجة عطر ملفوفة بورق شفاف.ابتسمت للمفاجأة التي ظنتها أنها منه.يعتذر بها وبطريقته الخاصة. قالت تخاطب نفسها"لن أفتحها حتى يهديها إلي هو." تغير مزاجها.و فرحت بتلك الالتفاتة الرقيقة التي ستغفر له.

جاء الليل وجاء الانتظار. انتظرت كثيرا.و عند كل نظرة منه أو التفاتة،تظن أنها ستتلقى هديتها.نامت على أمل أن تحصل على الهدية في الصباح.قالت "أحسن وقت لتقديم الهدايا هو عند بداية يوم جديد.سأنتظر."كانت من المستيقظين الأوائل، كالأطفال عند حلول يوم العيد.فرحت بيومها واستعدت لتقبل الهدية.طال انتظارها.جاءت تسأله عن برنامجه اليومي.و في الوقت نفسه، تحاول أن تذكره بالهدية وفي نفس الآن تنسى حزن ليلة البارحة.الهدية بالنسبة إليها، نافدة تفتح على دنيا أخرى، مغايرة..و متغيرة..و جميلة..تحدث انقلابا في كل مشاعرها وأحاسيسها.دخلت إلى غرفة النوم تبحث عنه.ماكادت تخاطبه حتى رأت زجاجة العطر التي كانت بالأمس ملفوفة بورق شفاف،بين يديه.ابتسمت.و انتظرت.التفت إليها وهو منهمك في فك الورق عن زجاجة العطر. قال لها:

 ماذا هناك يا سلوى.؟

طال صمتها وهي ترى زوجها يستمتع برائحة العطر ويقول:

 أول مرة أحصل على عطر غال الثمن وزكي الرائحة.و تابع كلامه دون أن ينتبه إليها:

 كنت دائما أخجل، بين زملائي، من تلك العطور الرخيصة التي كنت أضعها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى