الأربعاء ١٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم إنتصار عبد المنعم

قاسم أمين ... ديور وشانيل !!

"ونحن معاشر المصريين ويا للأسف لا نحترم وطننا ولا نعرفه ،وكثيرا ما نتكلم عنه بالاستخفاف والاحتقار، ونحكم عليه كما نسمع من الأجانب الذين لا يمكن أن يعرفوه كوطن لهم بحال من الأحوال ، وفاتنا أن كل عيب منسوب إليه هو منسوب في الحقيقة إلينا ".


ما إن يذكر اسم قاسم أمين حتى تتعالى أصوات فريقين لا ثالث لهما ، فريق يتهمه وآخر يؤيده والموضوع واحد؛المرأة .
لقد اختزلنا اسم قاسم أمين في خانة الشأن النسائي ، حتى جاء الجيل الجديد الذي ابتدع الفاست معلومة مثل الفاست فود لا يعلم عنه غير أنه هذا الذي اهتم بالمرأة ،فأصبح في ذهنهم لا يفرق عن شانيل وديور شيئا .
قاسم أمين كان زعيما وطنيا ومصلحا اجتماعيا لا يقل أهمية عن الشيخ محمد عبده ،وجمال الدين الأفغاني و عبدالله النديم و أديب اسحق . ولكنه لم يرالوطنية مجرد ثورة ضد الحاكم ،أو صوت يهتف في المظاهرات والمؤتمرات، لينتهي كل شيء بعد ذلك. لقد تمثل مقولة جمال الدين الأفغاني
" ماذا تنفع الحكومة الصالحة اذا كان الشعب غير صالح"؟

ولذلك جاء قاسم أمين بثورة دائمة وحقيقية على كل النقائص ، كان ينشد الكمال في كل شيء ، أراد تعديل سلوك الأفراد لأنهم هم الوطن ،فنظر إلى المجتمع المصري وشرح طبقاته يريد كشف العلل التي تعيق تقدمه.
أراد معالجة العيوب التي خلفتها سنوات الاستعمار والظلمة التي توالت على مصر وفرضت على شعبها الجهل والفقر مما أفقدتهم الثقة في أنفسهم وفي وطنهم وأضاعت فيهم روح الوطنية وحب الوطن :
"ونحن معاشر المصريين ويا للأسف لا نحترم وطننا ولا نعرفه ،وكثيرا ما نتكلم عنه بالاستخفاف والاحتقار، ونحكم عليه كما نسمع من الأجانب الذين لا يمكن أن يعرفوه كوطن لهم بحال من الأحوال ، وفاتنا أن كل عيب منسوب إليه هو منسوب في الحقيقة إلينا ".

كان يعتبر أن أكبر أعداء مصر هم المصريون الذين نسوا واجبهم نحو وطنهم ، وكأنه يصف حال تلك الفئة التي لا تستريح إلا إذا هاجمت مصر حكومة وشعبا على صفحات صفراء بلون ضمائرهم المباعة .
كان يعلم أن استقلال الوطن لا يأتي بين عشية وضحاها ، فلابد أولا من أن يمارس أفراد الوطن فكرة الإستقلال المقبورة داخل ذواتهم ،وجعلتهم يقنعون بالبطالة والكسل والتراخي انتظارا لوظيفة حكومية :
"نحن كسالى في الصباح وفي المساء،نقوم من النوم كسالى ، ونذهب إلى النوم كسالى ونعيش بين هذين الوقتين كسالى"

كتب قاسم أمين يحث الشباب على العمل والاستقلال "فعلى كل نفس تحترم ذاتها متى كانت قادرة على الكسب أن تكون مستقلة ، غير محتاجة للغير ، تكفل نفسها بعملها ، ولا يباح لها مطلقا أن تكون عالة على غيرها"
نهي عن البطالة والتذرع بعدم وجود وظائف حكومية "كن تاجرا ، كن مزارعا،كن صانعا ،كن خادما،كن كيفما تستطيع أن تكون ،فإنه أحسن لك وللناس مما أنت فيه "
ثم انتقل إلى أصحاب الوظائف يشير إلى ما يفعلونه بعد أن حازوا الوظيفة الحكومية المضمونة الراتب والمركز.
تحدث عن الموظفين الذين يسخرون وظائفهم لأنفسهم ولمعارفهم ، في الوقت الذي تضيع حوائج الغير عندهم "...متى دخل عليه أحد المستخدمين بورقة يريد عرضها عليه،تشاهد تبسمه قد غاب ووجهه تقطب ..."
وأشار إلى الموظف السلبي أو "الفشار" الذي أطلق عليه "الموظف :وأنا مالي "
(الذي يقابلك بغاية اللطف وحسن المحيا والإشارات المطيبة للخاطر،فتظنه شريكك في الإحساس " ولكن إن جاء وقت الجد تجده " بعيدا عنك،أبعد من ساكني القمر إليك ،وترى إذا أمعنت النظر في وجهه كأنما رسمت عليه هذه الكلمة : وأنا مالي ، وأنا مالي ، وأنا مالي"

هاجم الموظف الذي يعلي مصلحته الشخصية على مصلحة العمل والدولة ، أو كما يتردد على ألسنة بعض الموظفين اليوم مبررين تكاسلهم أنهم يعملون على قد فلوس الحكومة .
"لماذا يا ترى يخالف الموظف المصري غيره حتى يعتبر أن منفعته الخصوصية يلزم أن تكون في جميع الأحوال مضادة للمنفعة العمومة ؟؟
هاجم الموظفين المتشدقين بحب الوطن وعبارات الاصلاح حتى اذا نالوا منصبا نسوا ما وعدوا به وما نادوا به، من يقول ما لا يعتقد ومن يظهر خلاف ما يبطن ، من يناصر اليوم هذا ثم ينقلب عليه إذا اتيحت له فرصة أفضل له فيها منفعة شخصية .
حتى أصحاب المعاشات وضعهم في فكره الإصلاحي ، أراد لهم المشاركة في بناء الوطن ،لم يرضه أن يتخلوا عن الحياة لأنهم تركوا الحكومة أو كما يقول مستدركا "من تركتهم الحكومة" يصف حالهم والذي لم يتبدل إلى اليوم :
"تراه كسيف البال آسفا على وظيفته أسفا شديدا ، لأنه يظن –كما اعتاد أهل بلادنا أن يعتقدوا – أن الإنسان قليل بنفسه كثير بوظيفته !"
لقد وصف حال أرباب المعاشات وكأنه يصف الحال نفسه الآن ، يريدون قتل الوقت انتظارا لنهاية العمر التي يستحثونها على المقاهي ، أو جالسين على الأرصفة يراقبون المارة متحسرين على عمر فائت وشباب ولى. يعيب عليهم أنهم ينسحبون من الحياة كلها ويفقدون اهتمامهم بمجريات الأمور لأنهم تركوا الوظيفة الحكومية.
"ولم أر فيهم من أوجد لنفسه عملا يشتغل به بدلا عن وظيفته !!!
كان قاسم أمين يريد تغيير نظرة المصري الذي لا يرى في التعليم فائدة إلا كي يفوز بوظيفة حكومية ويصبح موظفا ،وكأن الوظيفة هي القيمة والغاية من التعليم ،ولذلك لفت النظر إلى تلك الحالة من الاحباط التي تصيب من يحال إلى المعاش وكأن العالم انتهى ،في حين أن الإنسان بيده كل أمره إن تمسك بالعلم والعمل .
".......إن كل انسان قادر على أن يرقى نفسه بنفسه ، وأن يعلو على أكبر ملك في الدنيا بفضيلته وعلمه "
نظر قاسم أمين إلى عملية الاصلاح كعمل وطني متكامل يستلزمه تربية صحيحة لأفراد المجتمع ، اهتم بالأسرة لأنها الخلية الأولى التي يتكون منها المجتمع ، واهتم بالمرأة لأن بيدها تربية أفراد المجتمع ، نقد وضع المرأة الذي لم يتح لها مقدارا من العلم يمكنها من تربية نشء يرفع من شأن الوطن ، كان موضوع المرأة بالنسبة له حلقة واحدة من عدة حلقات اصلاحية .ولذلك من الغبن أن يوجه الاهتمام لجزء واحد من هذا المشروع ويتم تجاهل باقي ما دعا اليه قاسم أمين ، ولعلها فرصة أنادي فيها بضرورة اعادة طبع كتابه "اسباب ونتائج " وتوزيعه على جميع المدارس .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى