السبت ٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

درتي الثمينة

ها أنا أناجيك المناجاة الصادقة، هامسة في أذنك كهمس النسيمات الطرية لأنفاس الزهور الغافية: أحبك حبيبتي(رندة)، وأحييك بافتخار. ألا تدركين بأن حياتي الصدئة اخضرت، وزهت دفعة واحدة بعد كساح طال أمده، وكادت عدواه اللعينة تبيد مشاعري لأغدو صفرا تافها يطفو ببلاهة على السطح؟

أنجبتك راضية، وكانت الآمال تتلون في أفقي، وتتماسك كخيوط الحرير وهي حبلى برياحين السعادة، وعطر الاطمئنان، لم أغفل ولو برهة في متابعة نموك الجسدي، أرنو إليك بصمت أصيل حميم وعيناي تصطخب فيهما أمواج حناني العاتي، وأسكب عليك من غير مضرة طوفان اهتمامي لتكون نشأتك طيبة، سليمة من كل العثرات، والمتاهات، والعقد.

وها أنت تتطورين شيئا فشيئا، تتسلين بأشيائك الجميلة لبعض الوقت، ثم تعلنين رفضك الطارئ لها، وتبعثرينها هنا وهناك في زوايا غرفتك، وتنصرفين.

ما أبهج ترنيمات الطفولة! وما أصدق لحظاتها البريئة في براءة الروح!

يملأك انبهارها فلا تسعين لتقديس الضغائن، وتعاطيها في غمرة النشوة، وإنما تصخبين مجانا، ولا يتفنن ذلك القلب العفيف، الصغير في كسر جسور المحبة الكائنة فيه، عالمك القزحي هذا سخي، شفاف كملوحة الدمع، وككلمة حق.

يقترب العيد في أبهى حلة ككل سنة، ينقر بابنا وهو يفاجئنا بتراتيل الصلاة، وتسابيح الذكر، وأجدك ترتدين ثوبك الزاهي المنمق بورود عشق الطفولة، وتنتعلين ذلك الحذاء اللماع الذي أهداه لك إياه والدك عن طيب خاطر.

أهتف بك ناسية تماما فوضى السنين العجاف: كم أنت رائعة يا ابنتي! رائعة مثل العيد.

تترنحين ثملى، منعشة من الفرح، وتستأنسين بوجودي معك مثلما يستأنس الراعي المحبوب بنغمات نايه وهي تتسرب دافئة في دفء لهفة الحبيبة على الحبيب.

تتغلغل أصابعي في مروج شعرك، ثم ألثمك فوق جبينك العاجي وأقول وأنا أغرق أمومة وحبا: هيا، انطلقي مع مثيلاتك، وابتهجي.

لكم تقاسمت معك ليالي العتمة حين يهلك المرض رقادك، ويغتال بسمتك الحلوة من شفتيك الزمرديتين، آه! لكم يؤلمني في صميمي منظرك وأنت طريحة الفراش تئنين بوجع مخيف، وترتجفين كالزمهرير.

أثابر بقناعة مدهشة للسهر عليك والأمل ملء حناياي، ويسكرني شفاؤك من العلة الطارئة التي حلت بك، وها أنت تعودين مجددا إلى مرحك جوهرة مبهجة.

تركضين بلهفة مطعمة بابتهالات الشوق كأنما تسابقين غزلان البراري، تسقطين، تتأوهين ألما، ثم تنهضين وأنت تنفضين ما علق بك من غبار، وتستمرين في أداء مسلسلك الناجح.

أنت حقا طفلة بمعنى الكلمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى