السبت ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم ميسون جمال مصطفى

مُريد البرغوثي فارسٌ خارج السرب

ُمريد البرغوثي شاعر الوطن المهاجر، يأخذ شعره منحا انسانيا عميقا، يبتعد عن اللغة الخطابية، ويغوض غمار الرمزية والجمال، فيبتعد بشعره عن الرتابة والمألوف ليدخل عالما من الجمالية الغير مصطنعة التي تعبّر عن هموم شعبه وهمومه في قالب يشدك لقراءة شعره ونثره بشغف.

ولد البرغوثي في 8 تموز 1944 في قرية دير غسانة قرب رام الله. تلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر عام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1967 وهو العام الذي احتل فيه العدو الصهيوني الضفة الغربية، ومنع الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. وعن هذا الموضوع كتب مريد البرغوثي في كتابه الذائع الصيت رأيت رام الله: "نجحت في الحصول على شهادة نخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي". ولم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاماً من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وهي التجربة التي صاغها في سيرته الروائية تلك. نشر ديوانه الأول عن دار العودة في بيروت عام 1972 "بعنوان الطوفان وإعادة التكوين" ونشر أحدث دواوينه عن دار رياض الريس في بيروت بعنوان "منتصف الليل" عام 2005. واصدرت له المؤسسة العربية للدراسات والنشر مجلّد الأعمال الشعرية عام 1997.

في أواخر الستينات تعرّف على الرسام الفلسطيني العظيم ناجي العلي، استمرت صداقتهما العميقة بعد ذلك حتى اغتياله في لندن عام 1987. وقد كتب عن شجاعة ناجي وعن استشهاده بإسهاب في كتابه رأيت رام الله ورثاه شعراً بعد زيارة قبره قرب لندن بقصيدة أخذ عنوانها من إحدى رسومات ناجي "أكله الذئب". وفي بيروت تعرف على غسان كنفاني الذي اغتاله العدو الصهيوني عام 1972. عرف مريد بدفاعه عن الدور المستقل للمثقف واحتفظ دائماً بمسافة بينه وبين المؤسسة الرسمية ثقافياً وسياسياً، وهو أحد منتقدي أوسلو. سجنته السلطات المصرية وقامت بترحيله عاام 1977 إثر زيارة الرئيس المصري أنور السادات للكيان الصهيوني وظل ممنوعاً من العودة لمدة 17 عاماً. وكان أول ديوان نشره بعد طرده من مصر هو ديوانه الأكثر شهرة قصائد الرصيف (1980).

ترجمت أشعاره إلى عدة لغات وحاز كتابه النثري رأيت رام الله - دار الهلال (1997) على جائزة نجيب محفوظ للآداب فور ظهوره، وصدر حتى الآن في 6 طبعات عربية، وصدر باللغة الإنجليزية بترجمة لأهداف سويف، ومقدمة لإدوارد سعيد في ثلاث طبعات عن دار النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة ثم عن دار راندوم هاوس في نيويورك ثم عن دار بلومزبري في لندن. ثم ترجم إلى لغات عديدة. شارك مريد البرغوثي في عدد كبير من اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى في العالم. وقدم محاضرات عن الشعر الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة وفاس وأكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد وغيرها.

متزوج من الروائية المصرية رضوى عاشور أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس بالقاهرة ولهما ولد واحد هو الشاعر والأكاديمي تميم البرغوثي.
لمريد البرغوثي 12 ديواناً شعرياً، وكتابٌ نثريٌّ واحدٌ هو سيرته الروائية "رأيت رام الله".ومن أشعاره: الطوفان وإعادة التكوين( 1972- دار العودة – بيروت) فلسطيني في الشمس( 1974 - دار العودة – بيروت) نشيد للفقر المسلح
( 1977 - الإعلام الموحد – بيروت) الأرض تنشر أسرارها(1978 - دار الآداب – بيروت) قصائد الرصيف( 1980- المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت) طال الشتات( 1987 - دار الكلمة - بيروت، نيقوسيا قبرص) رنة الإبرة(1993 -المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت) منطق الكائنات(1996 - دار المدى – عمان) وغيرها.

يتعرض الشاعر لحراس الملوك والرؤساء ويسخر من طرق حمايتهم المصطنعة، فمنهم من يقف على البروج ومنهم الفرسان الذين ينحنون باحترام وإجلال... فلكل رئيس أوملك حاشية لخدمته وحمايته ولصنع الدعاية له بين الشعوب، إلا أن سخرية الشاعر تكمن في حملهم للسلاح كزينة ومظهرا فقط دون مسه، أو استعماله لأزمنة طويلة.

حرّاس صاحب الجلالة الملك
حرّاس صاحب الجلالة الرئيس
على البروج بعضهم
وبعضهم على السّروج.
معتدلون في وقوفهم
وينحنون في مهابةٍ لدى الدخول والخروج
وبعضهم يراقب الطّعام
وبعضهم يراقب الخُدّام
وبعضهم حرّاسُ بعضهم
وبعضهم يملي على الجريدة الجريدة.
وبعضهم يؤلّف القصيدة.
وبعضهم يوزّع التصفيق في خطابه
وكلّهم ذوو كياسةٍ
وخفّةٍ للمسة
ِ السّلاح في جنوبهم
وقدوةٌ في السير والسلوك
وكلّهم لهم ممالك، وكلهم ذوو جلالة
وكلّهم ملوك.

مريد كغيره من الشعراء، يحمل همّ الوطن وهمّ شعبه الذي يعاني الأمرّين يوميا ويموت كل ساعة دون أن يجد من يهتم لأمره، أو يرفع صوته احتجاجا ضد ما يحصل له، لذلك نراه في قصيدة "لا بأس" يقبل بالموت يائساَ من كل الذين لا يعرفون من الاحتجاج إلا رفع العرائض والتنديد.

لا بأسَ أن نموتَ في فِراشِنا
على مِخَدَّةٍ نظيفةٍ
وبين أصدقائِنا
لا بأسَ أن نموتَ مَرَّةً
ونَعْقدَ اليديْنِ فَوْقَ الصَّدْرِ
ليس فيهما سوى الشُّحوبِ
لا خُدوشَ فيهما ولا قُيودْ
لا رايةً
ولا عَريضَةَ احتِجاج.

يستغرب شاعرنا خوف العدو الصهيوني من شعبه، بالرغم من انتصاراته اليومية، ويتساءل لماذا هذه الهستريا؟ ولماذا لا يهللون ويفرحون ويقيمون الولائم....؟! ففي قمة انتصاراته يبقى خائفا لأن ايمان شعبه أقوى وأكبر من خوف العدو من الموت.

أيها الأعداءُ صارَ الإنتصارْ
عادةً يوميةً كالخُبزِ في أَفْرانِكُمْ
فلماذا هذه الهستيريا؟
ولماذا لا نَراكُمْ راقِصِينْ؟
كم مِن النَّصْرِ سَيَكْفيكُمْ لكي تَنْتَصِروا؟
أيها الأعداءُ، "شيءٌ ما" يُثيرُ الشكَّ فيكُمْ،
ما الذي يَجْعلُكُمْ، في ذُروةِ النَّصْرِ عَلَيْنا،
خائِفِين؟!

هذه اطلالة سريعة على شعر مريد البرغوثي، الذي وجد لنفسه مستقر قدم بين مبدعي الجمالية الشعرية، صابغا بإسلوبه قصائد عبرت عن تلك الروح الوطنية الثائرة، الغاضبة، والشجاعة... وكأنه استمد ألفاظه من رحم معاناة الشعب وجرح الوطن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى