الثلاثاء ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم عبد الله النصر

واقع الأمس أسطورة اليوم

لم أستحسن بقائي جالساً في شرفتي، وأهزُّ الكرسي المرن، وأنظر إليكِ من بُعد.. فضلتُ تلمسَ بقايا طينكِ بأنامل أكثر حساسيةٍ من ذي قبل.. لكن هل كنتُ أستطيعُ تلمسه.. حتى أستطيعهُ الآن؟.. وهل أنتِ موجودةٌ الآن كما لو كنتِ قبلاً ؟.

على أنقاضِ الفشل الذي ظلَّ سعيه يُلمس بالراح، ويتصخرُ في مواطنِ الشعور، أبني أملاً وتفاؤلاً بنسبةِ المقتِ التي يكتنـزها قلبٌ ماوعى في زمنِ الفعلِ الماضي.. أو سوفَ يعي.

فرفقاً بنا قلوبنا، ثم رفقاً بنا أيها الطوبُ الأسمنتي القائم على أعقابِ الطوبِ الطيني، يامن أسكنْتَ تحتكَ أمانينا قبل أن تتربى تحتَ ظهورِ الجذوعِ أجسامنا.

أتيتُ هنا لأصافحكِ أنتِ بالذات، عساي ألا أشقى.
لعلِّي أرى روحي كيفَ هي معلقةٌ على كلِّ بابٍ ونافذةٍ من أبوابكِ ونوافذكِ؟.
لعلِّي أفتحُ الأبوابَ فأرى قلبي منشرحاً أمامي وينسيني لوعة الغياب والتشرد.

لعلِّي أرى الطفلَ الذي قادني إلى هنا قاتلاً استنكافي، لألعبَ معه في ساحاتكِ التي بقيتْ من رمل.
لعلِّي أرى مخطوطاتي فوقَ الترابِ الذي طالما أتاحَ لي أفكاراً جمة لاسيما فكرةَ الانزواءِ والتملصِ والتمردِ والتعجرفِ والهروبِ والصمودِ وبنائي شيئاً آخر.

وربما كائناً مهجناً.

هل أتيتُ حقاً؟

هل أتيتُ مستغفراً ذنبي لأستغفر عن ذنبكِ ؟

قريتي.. هل أتيتُكِ؟

وهلْ في قلبكِ متسعٌ لتطوافِ التلهف فيكِ ولو بضعَ لحظاتٍ، ومسحِ مرايايَ المغبرة؟

نعم منذ لحظةُ المتمرد، لم أكن معكِ بمستوى مأمول.. ترى لم؟
أتذكرين كيفَ ركلتيني ولفظتيني بسهولة؟.. لكن لم أنسكِ.

كنتُ آتيكِ محملاً بقوافلَ ضوء.

لكنك للأسف تحييني في كلِّ مرةٍ بتحيةٍ عاديةٍ، باردةٍ، جافةٍ، لا تشي بأدنى شوقٍ، بل وكأني غريبٌ يجبُ عليهِ أن يُعرِّفَ عن نفسهِ لأفيائكِ أو يدفعَ لها تذاكرَ الدخول، أو يقومُ بتسجيلِ معلوماتهِ من جديدٍ في موقعكِ لتتعرفي إليه، أو يوقعَ معكِ عقودَ الواسطاتِ والتشفعِ.. ولذا أعاودُ الهربَ باسمٍ كما جئتُ باسم.. بل تهربيني كدخانٍ..وأنتِ لا يهتزُّ لك غصنٌ أو جفن.. لايعتصر لكِ غيمٌ.. ولا تُشعلُ عندكِ حمرةُ لهب!.

هل جئتُكِ الآن لأقيمَ فيكِ ولكِ مجلساً من عتاب؟

وهل عتبي لهُ أثرٌ ما على نفسكِ؟

لا أظن.. فقط لا أظن.

سأعبرُ وسأسجدُ سجدةً لعلَّها لا تكونُ الأخيرة.. فروحي المتعطشةُ أشعرها كثوبِ فلاحيكِ المعدمين الذين أكلتْ عليهم السنونُ وهم ما استطاعوا الاغتسالَ من بؤسهم.. وجسدي كجسدِ ماتبقى فيكِ من جذوعٍ مثقلةٍ منحنيةٍ قد نخرها الدود والنمل.

ربما لعبوري حكايةٍ أرويها للمدينة.. للمدينةِ التي نشأتْ على سفركِ، وللمدينةِ التي احتوتني بطوقها المحكمِ فوضعتني في زاويةِ مرضى التوحدِ، فغدتْ تتحملُ صعوبةَ علاجي بزفي في أتوناتِ البوحِ وشاعريتهِ، فأمشي في الحياةِ مُؤوَّلاً، ومُوحِياً، ومُتَخَمَّناً، ومَظنوناً بي كحروفِ محبرتي.
لكنها واقعاً عزلةٌ مطمئنةٌ إلى حدٍ ما.

إن تلكَ المدينةِ التي احتظنتني، استطاعتْ أن تعطيني مساحةٍ كافيةٍ لكشفِ الضوءِ المختبئ في كوكبي الذي انبنى مابين جدرانكِ المتينةِ.. ولم يعد لهُ أثرٌ اليوم.. إلا زائراً يؤدي فرضهُ، أو نورساً يعودُ للمرفأ من أجلِ حاجةٍ ما.. لتبقى جوهرةُ الحنينِ في زاويةٍ معتمة رغماً عنها. بيدَ أنهُ ابتعادٌ بقدرٍ ما، تحكيهِ شهقةٌ عظمى.. تنخرُ هيكلي ومعناي.

عزلةٌ، واغترابٌ، وكفافٌ.. نعم.. لكنها محاولةُ دفعٍ ضمنَ حدودٍ خاصة.. تتسعُ نوعاً ما كلما تفككتْ قبضةُ ممرضي التوحّد فيها، لأكتشفَ وانكشف.
واكتشافٌ بقدرِ مايهديهِ الزمنُ من زمن، وانكشافٌ بقدرِ الاكتشاف.

لنعد، لقد سرقْتني لكِ من الشرفة.. لأشكلَ وجهكِ في مراياي الجديدة.
عساي أفكُّ طلسماً ما بالسيرِ على أرصفةِ الحنين.

ولن أؤذيكِ أبداً، ولن ألوي عنقَ بوصلتكِ.

ربما جئتُكِ لأرمي بعضَ الثقل، أو ربما جئتُ لأحملَ مزيداً منه.

وإن شئتِ خففي ما أحملهُ.. وإن لم تشئي.. أممممم... يحق لكِ أن تتركي من جديد.

كنتُ أغرس أطرافي في تربكِ، لتتحسسني، لأتحسسها، لتهمسَ لي إيقاعاتِ الدفءِ فيها.. لكني الآنَ أعجزُ تماماً.. الشيطانُ الأسودُ يحولُ بين الرغبةِ بعنفٍ.. شيطانٌ قُوتهُ تفوقُ حجمَ الطاقةِ الكامنةِ خلفَ الأسوارِ اللحميةِ التي بنتها المدينةِ بمحتوياتِ العلبِ المحفوظةِ بموادِ الكيمياء.

لذا كلما رأيتُ حبةَ رملٍ خارجةٍ بسلطانٍ ما، تذكرتُ أني مررتُ بها ذات ألمٍ، وحكيتُ لها حلمي.

والآنَ، هلْ سأفعلُ شيئاً أمامَ اختفائها؟

أنا حريصٌ جداً على إزاحةِ هذا الواقعِ، ونبشِ السوادِ ولو بأصابعي.. أودُ الغوصَ في الرملِ من جديد.. لكن لِمَ الرملُ بالذات؟

لا أدري!!..

هلْ أريدُ أن أَتكرر؟

أم أُخلقُ من جديدٍ، فأكونُ ورفيفِ تُربكِ إلى حدِّ التماهي.. وأخرجُ بالمفاجآتِ المخنوقة؟.

بالتأكيد تعلمينَ سرَّ هذهِ الرغبة.

فشهوتي في العراءِ تكابدُ هذا التعنتُ الدخيلُ على كلِّ شبرٍ فيكِ.
صعبٌ الغوصُ في الإسفلت!!.
مع علمي بأني لو رفعتُ كل حبةِ رملٍ لسوفَ أجدُ تحتها هدأةَ المهملين.. صمتَ المنكسرين.. أنينَ المخذولين.. أسرابَ وجع المجروحين.. أنهارَ عذاباتٍ.. بحورَ بؤسٍ ومعاناةٍ.. سماواتَ همٍ وكآبةِ نجوم.. و.. و..
فآآآآه.. لن أكشفَ عن حبةِ رمل.

كمحتضرٍ خارجَ أشيائهِ.. سأسترسلُ عبرَ أزقتكِ التي كانتْ تحملُ ملامحَ طفولتي، ومشاهدَ براءتي.. لربما أظهرُ بشكلِ دوائرَ تتكاثر.. وننكبتَ كالمعصية.. فالتلصصُ على مافوقِ الأرضِ مستلذٌ للعين، وإن كانتْ الأيدي تمتدُ إليها بواقعٍ يجعلها تكونُ فريسةً لٍلوجع..

لاشيء فيها يحتويني كما كنتُ أنشد.. (السوابيط) رُفِعَتْ لنؤكل.. لتسقطَ الشمسَ على رؤسنا العاريةِ مباشرةً حتى نموتُ بسرعة.. وتشكلتْ متاهةٌ مانلبثُ أن ندخلَ فيها من الـ (هنا) حتى نعودُ إلى الـ (هنا ) ترسمنا لوحةً للشهقةِ حيثُ لم نذهب إلى (هناك).. أصبحنا مأدبةً لأفعاها وكثرةِ النوافذِ العاريةِ، وهوائياتِ التبريدِ، ومضخاتِ المياهِ، وخزاناتها الحافظةِ للصدأ والموادِ الكيميائية.

لايشطحنَّ بأي خيالٍ، فيتخيلُ أنه سوفَ يرتبطَ بابٌ ببابٍ آخر دونَ أن تكونَ لكِ مسوغاتٌ ماديةٍ شفيعة.. كانَ أبي يسوقُ التمرَ من خلالها.. كانتْ أمي تسوقُ اللبن.

والآنَ، كم تَلَخَّصَ الإنسانُ على الإسفلتِ بعددِ البصقات؟
كم اغْتَضَبَتْ الحياةُ في بضعِ أسلاك؟.
يانكسةَ المرايا.. يا انكسارَ الصورةِ القادمةِ من كوكبِ التفاؤل.
أحداثياتُ الروحِ يترجمها صمتكِ عن ضوءِ الماضي، ودفاعكِ المقيتُ عن الحاضر.
أي عنادٍ ترينهُ سيتكاثرُ على ملامحكِ وكأنهُ ملصقاتٌ إعلانيةٌ تتسابقُ على منتجٍ واحد رخيص؟

أي عنادٍ هذا الذي جعلكِ تنـزعينَ وجوهَ الندى، بأصابعَ من وهم؟.
ألا تزعجكِ تلكَ الشفاهُ الموبوءةِ بشهوةِ الـ (البلايستيشن)؟
مرحى بهذه العافية وامتلاء الورد بالنفط الأسود.

مرحى بأقدامكِ الراكضة ِمن الداخلِ المهدورِ إلى الضياع.
حاولتُ إيجادَ خارطةٍ مرئيةٍ تربطُ بين أبوابكِ الحديديةِ، فلمْ أجدَ غيرَ طائراتٍ نفاثةٍ من التيه!.. كما لو لم تكنْ أبواباً خشبيةً تعبرُ منها أيدٍ ذي عيونٍ خجلةٍ تتحاشى عدَّ شقوقها وثقوبها فضلاً عن الوجوهِ القابعةِ خلفها!.
حتى نوافذكِ المطلةُ على الأزقةِ أصبحتْ لها حكايةُ وجودٍ قذرةٍ، بمزيدٍ من الغموضِ نقرأ سرَّ تفشي العيونَ من خلالها، والموادِ المختلفةِ المصنوعةِ منها لاسيما مادةُ الجرأة.

آآآآآآه.. يا سرَّ الخشبِ، وأعواد القصبِ في (الرواشن) المرتفعة.
لم تعدْ تصلحُ تلكَ الأزقةِ للسكنِ الآنْ وقد أمستْ مثلُ أجيرٍ كسولٍ مغتربٍ، لايعملُ بشكلٍ جيدٍ إلا ونحنُ واقفونَ على رأسه.
لذا لن أعود لأسكنَ في قريةٍ متخيلاً أني سأجدُ فيها (محشاً) يحلَّ لغزي المختلف.. أو أني سأجدُ (هِيباً) لقطعِ حيرتي أيضاً.. ولا أني سأجدُ (منجلاً ) للكشفِ عن جمال الفرح فيَّ.

فلقد شَيَّدَ إنسانُ اليومِ هنا قريةً أخرى.. وليتها على غيرِ الأرضِ التي أُقتلِعَ منها النخل.
فتشردَ وجهُ الجبلِ وما حولهُ من ماءٍ وعشبٍ.. كما تشردتُ أنا.. بباعٍ طويلٍ.. وعلَّقَ المساءَ على حبائلها قماشهُ.. فشعرَ بوهمِ الأنسِ وانثيالِ الضوءِ من بين الهشيم.

فرفقاً بي..

سأتنبهُ لئلا تُضيَّعني الدهشةُ والحسرةُ بين ركامِ أعقابِ السجائرِ وعلبِ وزجاجاتِ المشروباتِ والكثيرُ من براميلِ القمامةِ الباكيةِ بحملها.
ذاتَ يومِ هنا، تحتَ ميزابِ بيتٍ قامَ عليهِ هذا البيتِ ذي الأربعةِ طوابقَ، لا أغالي لو كنتُ أقولُ أَستحمُّ ثلاثَ مراتٍ في اليومِ تحتَ المطرِ المنسكبِ منه.. وجسدي يعلن في تلكَ الأثناءِ أُبهته.. غير أنَ اليومَ ينعدم ُالظلُّ من مكانهِ، غيرَ أنهُ فقدَ الغيماتِ بجمرةِ توهانه.

ترى ماذا أتلمسُ الآن.. ولا مناصَ من الأقدامِ التي ستأخذني مسحورةً إلى الدروبِ المكتظةِ بالسيارات.. فتزيدني فاجعةً بأصواتِ الموسيقى ومياعةِ الأجساد؟.
ترى كيفَ انمحتْ غنوةُ خطواتي الأولى، والنسيمِ يمتزجُ بضحكاتِ أترابي الأطفال، ويمتزجُ بحكاياتِ الخجلِ وأناشيدِ الاستتارِ بين أسرابِ الحمامِ والعصافير؟..

خطواتٌ لها روائحٌ نفاثةٌ من براءةِ تصافحِ الوجوه، واستنادِ الظهورِ ببعضها، وتلاصقِ الأكتافِ، وتلقي الضوءَ من قراطيسٍ ومصاحفٍ تحتَ أيدي (المطوعاتِ).. كنا خلطاً من بنينٍ وبناتٍ.. نخلو من مجراتِ رؤيةِ اليومِ الحاضر.

والرجالُ المسنونَ يجلسونَ يروونَ حكاياتِ النخلِ والبهائمِ والسفرِ الذكي، لترسمَ فينا جبروتَ التجاربِ فتنحتها أقدامنا على مسرى الليلِ تمراً وتيناً وعنباً ورماناً....
والنساءُ العجائزُ تأخذنا إلى أعتابِ الأرحامِ، فتسمعنا خريرَ الإلتآم، بيتاً بيتاً.. وتشممنا رائحةِ الودِ، فرداً فرداً.. وتطعمنا سكينةُ العشقِ، قلباً قلباً.
فنسيرُ والصباياً جنباً إلى جنبٍ، ويداً تمسكُ بيدٍ، وعلى رؤسنا وأكتافنا عذوقُ النخلِ، وينابيعٌ من ضحكاتِ السعفِ والبرسيمِ ورائحةِ النعناعِ والفجلِ معاً.. كلُّ شيءٍ مختلطٌ كما لم يكن هناكَ فارز من إحساسٍ يوقظنا وينفرهما.. ينفرنا.

أجوبُ أزقتكِ الآنَ آتياً من شقاءٍ إلى شقاء، هارباً موطنِ النسيانِ آتٍ إلى مقبرةِ النسيان.. أجوبُ وكأني لو لم أكنْ هنا من قبل.. لم عليّ التحية أحد.. كأني غريبٌ عن الكل.. أو هم غرباءُ عني.. بحجمٍ عظيم.. فأنا هناكَ أشبهُ بلصٍ ترميهِ سهامُ الدهشةِ والغرابة.. كأن هذا لم يكن ابنَ عمي، وذاك لم يكن ابنَ خالي.. كأن الآدميين هنا مثل البيوتِ التي قسمها الإرثُ وفصلتها الصكوك.. أشعرُ بحرجٍ شديدٍ لو أنها قالتْ أني أعرفكَ من ذاتَ يوم، أو حتى التفتتْ عليَّ بابتسامةٍ أو بلمحةٍ رضا!.

أراهم يركضونَ.. عجلينَ.. مكفهرينَ.. يكتبونَ على جدرانِ الإسمنتِ أحلامهمُ المسروقةِ أو الضائعةِ.. ينحتونَ نشيجهمُ بصمتٍ.. أُقسم أنهم حزينون.

فلقد كانوا واحداً، كجبلٍ أشم..

حيرتي تسألني أيُّ متاهةٍ سلكها بعضهمُ ليكونوا ملتذينَ بتقسيماتِ المتعبقرينَ منهم.. فجاءتْ عليهم أيضاً؟.. وهلْ كانوا حقاً واعينَ ليرسموا لهم حدوداً للطولِ والعرضِ؟..
وهل يليقُ بمثلي أن يلقي باللائمة عليكِ أيتها الأرضَ حين ترينَ ذوي العباءاتِ والعوامِ السذج على طاولةٍ الشتمِ سواء؟!.. فلا تستطيعين فعلَ شيء؟.

لكن أيُّ معادلةٍ تلك؟..

فقد غدا الجميعُ لايعرفُ عقلهُ أينَ سارتْ بهِ الخارطة الوهمية؟..

ومنْ منهم أصدقُ وجهاً؟

هل يليقُ بكِ هذا، ياقريتي؟؟

لم يكنْ هذا في حسباني.. لم أنتظر هذا يوماً.
كيفَ يمكنُ أن يتلاشى وجهكِ الفتان؟.. كيفَ يمكنُ أن يختبئَ من العيونِ المجاورة الساخرة المتهكمة التي تلوككِ كلَّ صبحٍ ومساء؟.. بل كيفَ سيظهرُ وجهكِ مرةً أخرى ببهاء؟.

فما تخافينهُ موجودٌ كالشمسِ في عينِ الناظر.. كالوجودِ في الوجود.

هنا سأتوقفُ عن ثرثرتي.. لأني أخالُ أن ثمةَ من يسلطُ المسدساتُ بل الصواريخُ على جمجمتي لأكفَّ عن البوح.

أخالُ أنه ثمةَ محاولةٍ إجراميةٍ أخرى موجهة إليَّ لأنطفئ.. لينكتمَ صوتي وحزني، وأأفل كما رغبوا لهُ الأفول!.

وكأني أسمعُ صوتاً يقول: (لا تبالغ)، لكن هلْ ثمةَ مبالغة هنا؟..

سأكف، لكن إلى حين.. فصباحاتكِ ذاتُ الاحتمالاتِ بالرحيل..تفاجئني كلَّ آنٍ باحتراقِ نظارةِ لونِ أثوابِ العرس.

على ماذا تراهنين الآن والأقمارِ المنيرةُ التي عاشت في ربوعكِ ذاتُ فرحٍ، لم يبقَ لها إلا الذكرُ البليد؟

وكم بوسعكِ أن تمحي المرَّ من حلوقنا الآتيةِ من صناديقٍ صدئةٍ لها امتدادٌ أسودٌ يبدأ من داخلِ مضاجعنا إلى جماجمٍ تضعُ العالم بكلِّ خيباتهِ وارتكاساتهِ على مخداتنا؟
أجيبي عسانا نفهم، لنعرفَ شيئاً عن خطيئةِ العناد..والزمنِ الآسن.. وعن جسدكِ المعلقُ على أطرافِ المصلحة.
أم يضل الجوابُ.. لتبقى الأمكنةَ كما نراها، لا يمكن أن تسدي بغوامضها كما لو أسدتْ بتصريحاتها دون عنا.

ربما وجودي الآن ثغرة من الثغرات.
ووقوفي على العامِّ منكِ دونَ التفاصيلِ، والتفاصيلِ الصغيرةِ تحديداً، أقربُ إلى الجنونِ حين يهذي فلا يكفيه مدادٌ ولا ورق.
ومنَ الصعبِ أن يتطابقَ مافي الخيالِ على المكانِ وعلى مافي المكان، وسيتشكلُ بمعارفهِ المكتسبةَ بما يريدُ رغماً عناً فكل الأسلحة موجهةٌ إلينا.. والثغراتُ موجودةٌ.. والاحتفاءُ بالنقصِ موجود تحت مزامير تحايا التكبير والتهليل.
إهمالٌ ضخمٌ.. ووطنٌ مكسور..
ما عساني فاعلٌ وأنا زورقٌ وحيد.. رسمٌ هلاميٌ.. وقضيةٌ ضائعة؟
لكن هل تظنيني بعيداً؟

سأبقى قريباً بشكل ما، أرقبكِ حتى المساء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى