الجمعة ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم شاكر فريد حسن

الجابري الذي يقرأ تراثنا الفلسفي بعين معاصرة

يعد محمد عابد الجابري من المفكرين العرب المعاصرين الكبار الذين أسهم نتاجهم الفكري ولا يزال بشكل كبير في الحياة السياسية والثقافية والفكرية في العالم العربي. وهو يتميز بتعدد اهتماماته الفكرية ونشاطه المكثف والمثابر في اغناء الفكر العربي والمكتبة العربية، بمؤلفاته ومنجزاته البحثية الجادة، ابداعاً ودراسة.

والجابري يتمتع بثقافة تراثية عالية ولديه قدرة فائقة على الجدل ومناقشة مختلف قضايا المصير العربي ومسائل العصر، وله مساهماته الواسعة في المواسم والمؤتمرات والندوات الثقافية في الوطن العربي والخارج. وهو من مواليد المغرب سنة 1936،نال شهادة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة الرباط، ومنذ سنة 1967 وهو يعمل في حقل التعليم الأكاديمي.

والجابري ناقد عقلاني يقرأ تراثنا الفلسفي بعين معاصرة هادفة وثاقبة، ويسعى الى تجذير وترسيخ فكر عربي تجديدي عقلاني ديمقراطي متنور ومتحرر يتخذ من الينابيع التراثية العربية والاسلامية مصدراً وملهماً له.

وللجابري أكثر من عشرين مؤلفاً في حقول فلسفية متقاربة ومتشابكة نذكر منها: فكر ابن خلدون، نحن والتراث، تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي، العقل السياسي العربي، حوار المشرق والمغرب، التراث والحداثة، الخطاب العربي المعاصر، وجهة نظر، نحو اعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، المثقفون في الحضارة العربية، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، المشروع النهضوي العربي، قضايا في الفكر المعاصر، ابن رشد،وغيرها.

في كتابه (ابن رشد) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية يستأنف الجابري ويواصل التعريف بسيرة وفكر ابن رشد، كاتب العقل الفلسفي والفقهي العربي المتنور والمتجدد الذي لم يستطع ان يكون كاتب سلطان أو ديوان كما فعل اخرون، ويقدّم دراسة لنصوصه وماثوراته الحية. ويرى الجابري ان (ابن رشد) سيبقى نموذجاً للمثقف العربي المطلوب اليوم وغداً، المثقف الذي يجمع بين استيعاب التراث وتمثل الفكر المعاصر والتشبع بالروح النقدية وبالفضيلة العلمية والخلقية.

وللجابري اراء هامة في مسألة التراث تتمثل حصيلتها في ان التراث يشكل بالفعل المقوم الأساسي للنزوع الوحدوي العربي في كل العصور، كما يغذي هذا النزوع في العصر الحاضر بصورة أقوى، لكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بأننا لم نتمكن بعد من ترتيب العلاقة بين أجزاء هذا التراث من جهة وبينه وبيننا من جهة أخرى، وبالصورة التي تجعله يؤسس ذاتنا العربية وفق متطلبات العصر، فالتاريخ العربي كما نقرأه اليوم في الكتب والمدارس والجامعات هو تاريخ (فرق) وتاريخ (طبقات) وتاريخ (مقالات) انه تاريخ مجزأ، تاريخ الاختلاف في الرأي، وليس تاريخ بناء الرأي.

وفي كتابه (العقل العربي) يؤكد بأن ثمة مبررات لاعطاء الأولوية للغة العربية في دراسة مكونات العقل العربي منها أن العربي يحب لغته الى درجة التقديس ويعتبر السلطة التي لها تعبير ليس فقط عن قوتها وانما عن قوته هو أيضاً، وأهم ما أسهم العرب به في الحضارة الاسلامية التي ورثت الحضارات السابقة لها هو اللغة العربية والدين الاسلامي الذي بقي عربياً ولا يمكن يستغنى عن لغة العرب.

محمد عابد الجابري مثقف عضوي وجذري متفرد في حركة الفكر العربي والثقافة العربية المعاصرة، سار في كتاباته ودراساته وأبحاثه ومداخلاته ونضاله على الدرب الذي مهده المفكرون الملتزمون بالرؤية الفكرية العقلانية التقدمية، والذين رفعوا على امتداد الساحة العربية رايات الحق والنضال ضد كل عسف وقهر واستغلال وكرسوا نتاجهم الفكري بوعي رفيع للاسهام في معارك الحضارة والانسان دفاعاً عن الحقوق الديمقراطية ومن أجل التقدم والتحرر، وفي سبيل تغيير الواقع العربي الرديء والحالك والمعتم.

وخلاصة القول، محمد عابد الجابري مفكر انتقادي تفاكري مميز في التعامل مع التراث والتاريخ، حظي بشهرة واسعة بين المثقفين في العالم العربي بكتاباته السجالية وأبحاثه الرائدة، ووقف ضد محاولات قوى الظلام والارهاب والتطرف الديني اطفاء شعلة الحياة الثقافية النشطة وشل حركة التحرر. وقد أبلى بلاءً حسناً في نقد العقل العربي، وستبقى أعماله الفكرية وابحاثه الحوارية الناقدة شهادة على انتصار ديمومة الحياة على القهر والجهل والتخلف والألم، بقوة الفكر وسلطان الكلمة المضيئة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى