الثلاثاء ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم أسماء عايد

خسارة الوزير المصري في انتخابات اليونسكو

منظمة الأمم المتحدة «اليونسكو» هذا الصرح العريق الذي يهدف الى بناء حصون السلام في عقول البشر عن طريق التربية والعلم والثقافة والاتصال. السلام عندها لا يعني مجرد عدم وجود نزاعات وانما هو احترام الاختلاف والحوار، هو وجود ميزانيات تخصص للبناء وليس للقتل والتدمير، هو شعوب تنهض بمشروعات من أجل المستقبل، ونفوس متحررة من صدمات العنف وأفكار الانتقام، ومنفتحة على أفكار التضامن والتعاون .

لا شك ان منصب مدير عام اليونسكو يعد رفيعا مغريا الى أبعد الحدود، ربما كان هذا أحد الأسباب الكامنة وراء ترشيح الرئيس محمد حسني مبارك لوزير الثقافة فاروق حسني كي يخوض انتخابات اليونسكو لعام 2009 . وقد رشحني الوزير للمشاركة في الحملة العالمية للتضامن معه وذلك بترجمة جميع أخبار الحملة الى اللغة الايطالية اضافة الى ترجمة سيرته الذاتية .. ورغم أي اختلاف في بعض الأمور الداخلية - فالإختلاف سنة الكون- إلا ان تمثيله لإسم مصر على المستوى العالمي يستحق أن نتكاتف من أجله.

وما ان بدأت اجراءات الترشيح الا وبدأت معها معركة ضارية بسبب معارضة اسرائيل للوزير اثر تصريحاته ضد اسرائيل الذي أطلقت عليه (رابطة مكافحة التشهير اليهودية الأمريكية) :"تاريخ العداء الطويل" من جانب الوزير تجاه اسرائيل . وأثناء الانتخابات أعلن الصحفى الفرنسى المعروف (ريشار لابفيير) أن الموساد الإسرائيلى كان متواجداً فى المعركة فقد تلقت رئاسة الجمهورية الفرنسية إفادة من إدارة المخابرات العسكرية بوصول ٨ عملاء للمخابرات الإسرائيلية إلى باريس، والتحاق اثنين آخرين بهم، وأنهم أقاموا فى فندق شهير دون اتصالات مباشرة مع سفارتهم، أو إخطار لنظرائهم الفرنسيين بهذه الزيارة.وثبت أنهم خبراء فى وسائل الإعلام الغربية وفى تقنيات التأثير النفسى، وكانت مهمتهم إطلاق حملة لإفشال انتخاب المرشح المصرى فاروق حسنى فى المرحلة الحاسمة من الانتخابات.

كما رصدت منظمة اليونسكو تصريحات لفاروق حسني لصحف ووسائل اعلام مصرية وعربية يعود بعضها الى العام 2000 ، عدتها ضمن العداء لاسرائيل والثقافة الاسرائيلية وهو أمر ترفضه المنظمة لأنه ضد السلام!

لكن هذا لم يمنع الوزير من استكمال المسيرة أمام المرشحين الاخرين وهم:
 السيدة إنامارشيوليونيته(ليتوانيا)، محمد البيجاوي (الجزائر)، السيدة إيرينا جيرجويفا بوكوفا (بلغاريا)،سوسبيتر مويجاروبي موهونجو (جمهورية تنزانيا المتحدة)، ألكسندر فلاديميروفيش ياكوفينكو(الاتحاد الروسي) ، السيدة إيفون خويس أ. باقي (الأكوادور)، السيدة بينيتا فيريرو- فالدنر (النمسا)، تيجاني سيربوس (البني).

ومع بدء الانتخابات في سبتمبر ومنذ اللحظة الأولى‮ كان الوزير المصري ‬فى المقدمة محتلاً‮ ‬المراكز الأولى فى جولات التصويت الثلاث برصيد‮ ٢٢ ‬صوتاً‮ ‬من إجمالى‮٨٥ .. ‬ثم ‮٣٢ ‬ثم ‮٥٢ ‬بفارق نصف عدد الأصوات عن المرشح الثانى‮.. ‬ثم ‮٩٢ ‬صوتاً‮ ‬فى الجولة الرابعة‮..
غير ان الفوز في الجولة الخامسة والأخيرة كان من نصيب المرشحة البلغارية !!

 وإن لاحظنا توقيت الانتخابات فسنجد آنه تزامن مع وقت تتجمع فيه الدلائل على أن إسرائيل ماضية فى تهويد القدس الشرقية المحتلة دون هوادة والاستيلاء على التراث العربى فيها وتشويهه وتغيير معالم المدينة المقدسة ببناء مئات المستوطنات الجديدة واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وجذورهم وهوياتهم.وانتخاب شخص عربى مصرى على رأس اليونسكو قد يعرقل هذه المخططات.

لذلك، أشعلت خسارة فاروق حسني قضية صراع جميع الحضارات؛ صراع الشرق والغرب، الحضارة الإسلامية والمسيحية واليهودية.. ليتم تبادل الإتهامات في سياقات فكرية تارة وسياسية تارة اخرى .
وفي هذا السياق كان لي الحوار التالي مع أشخاص من جنسيات مختلفة مقيمين على الأراضي الايطالية الحاضنة لدولة الفاتيكان .

 
 يرى (فيليبّو روسّي)- من رجال السياسة: "أن مصر بلد ذات حضارة عريقة وأن شعبها هو حتما امتداد لتلك الحضارة؛ لذا، كان سيسعدني فوز المرشح المصري". وعندما سألته عن إحتمال ان يكون التدخل الاسرائيلي سببا في إخفاقه. فقال: "لا أتصور ذلك؛ فلا مجال للتزوير في مثل هذه المنظمات العالمية.. بل، يندر ان يتسلل التزوير الى أي انتخابات في الدول الغربية بوجه عام".

تؤكد على ذلك المهندسة (سارا رانيلي) غير انها أضافت: "صحيح لا يوجد مجال للتلاعب في الأصوات..لكن في كل دول العالم هناك مجال واسع للتأثير مُسبقا على توجهات الناخبين !" .

بينما يرى دكتور (ليوناردو أوستي) : "أن الإنتخابات برمتها مسألة حظ.. شأنها في ذلك شأن كرة القدم.. ونحن كإيطاليين نقدر مكانة مصر ونحترم شعبها..وقد كانت إيطاليا احدى الدول المؤيدة لترشيح الوزير المصري فاروق حسني".
***

ثم ألتقيت بمجموعة من الشباب الجامعي بإيطاليا..بعضهم من لتوانيا وفرنسا واليونان ورومانيا.. واتفقوا جميعا (وعلى رأسهم ماتّيو كويتي، جابريلاّ سيمنولّي،جان بابتيست،كريستيل،أموروسو أنّا ماريا) على رأي واحد وهو: "أن السبب الرئيسي لخسارة المرشح المصري كونه وزيراً للثقافة من 22 عام!! فقد تغيرت معطيات العصر وكان لابد ان تُعطى وزارة الثقافة لشخص مناسب قريب لجيل الشباب.. شخص قادر على التواصل معهم بلغتهم، وفهم ما يحتاجون إليه في المرحلة الحالية والقادمة". 

وإن كان هذا رأي بعض الفئات الأوروبية؛ فهناك بعض فئات الشعب المصري كانت ومازالت على خلاف مع الوزير فى الآراء والتوجهات..حتى قبل ترشيحه لليونسكو.. أما بعد خسارته فانطلقوا يطالبونه بتقديم إستقالته من الوزارة.. يدعمهم في ذلك بعض الكتّاب والبرامج التليفزيونية الأمر الذي أثار غضب سفيرتنا باليونسكو شاديه قناوى .

غير أن الوزير وبشئ من التأمل الهادئ مع نفسه وجد أن أحد المكاسب الكبيرة التي خرج بها من هذه التجربة، هو ذلك البرنامج المتكامل الذي خاض به انتخابات اليونسكو، وقد أعلن للرأي العام أنه سوف يسعى خلال الفترة القليلة المقبلة للبدء فى تطبيق هذا البرنامج من خلال وزارة الثقافة المصرية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى