الاثنين ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم شاكر فريد حسن

عن الصعلكة وعروة بن الورد

الصعلكة هي تجسيد للفقر والعوز الذي يجرد الأنسان من ماله ويظهره بين الأغنياء والأثرياء المترفين والمتخمين بالمال، ضامراً وهزيلاً. والصعاليك هم أحد مظاهر السخط علي " قدسية " الملك الفردي والثورة علي العسف والقهر والظلم الأجتماعي. وقد ظهرت الصعلكة في التاريخ العربي في العصرين الجاهلي والأموي، ومن أبرز صعاليك الجاهلية " تأبط شرا ً" الذي طلبت منه والدته أن يحضر لها فطراً من البرية وأعطته جراباً ليضع فيه الفطر، فعاد متأبطاً الجراب وما أن فتحته حتي خرجت منه الأفاعي ودخلت الدار.

أما عروة بن الورد فقد كان سيد وزعيم الصعاليك ولقب بـ " عروة الصعاليك " الذي كان يسرق ليعطي ويطعم الفقراء المحتاجين. وهو من بني غطفان وكان فارساً مغواراً من فرسان العرب، وقد خرج عن الأعراف والتقاليد والأنماط الأجتماعية السائدة وأختار أن يعيش صعلوكاً، شريداً ومطارداً ومتمرداً طوال حياته. وعرف عنه انه كان يجمع الصعاليك ويحرص علي مساعدتهم واعالتهم واغاثتهم من الظمأ والسغب، وكان تواقاً الي عالم انساني جميل تحكمه قسمة الحق ويتمتع فيه كل الناس بالعدل الاجتماعي والحياة الانسانية الكريمة الخالية من القهر والاستعباد لما فيه من تناقضات وتفاوت وتباين في النسيج الاجتماعي، وفي هذا الصدد قال:

دعيني للغني أسعي فأني رأيت الناس شرهم الفقير
ويقصيه الندي وتزدريه حليلته وينهره الصغير
ويمشي ذو الغني وله جلال يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه والذئب جم ولكن للغني رب غفور

ويقف عروة بن الورد بمضارب الخيام شاهراً سيفه في وجه الأسياد جزعاً مهموماً مثقل القلب والحزن والرغبة في تغيير الواقع، وينفض عن بدنه غبار الحياة، ويجعل الخطر حرفته ويمضي غازياً متحدياً ورافضاً تحيط فيه جماعة صغيرة من الفقراء والصعاليك الذين رأوا ما رأي وأحسوا ما أحس وأرّق جفونهم ما أرّق جفونه:

واني امريء عافي انائي شركة وأنت امرؤ عافي انائك واحد
افرق جسمي في جسوم كثيرة وأحسوا فراح الماء والماء بارد

وليس حباً بالموت خاطر الصعاليك بحياتهم، ولكن لضجرهم ونقمتهم علي الظلم الاجتماعي الذي اشتد وتفاقم، ولهذ فقد صرخ عروة:

ومن يك بمثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبة ومبلغ نفس عذرها مثل منجد

ويروي عن عروة بأنه كان يلقي العاشق المحب الذي يشكو الصدود فينظم من أجله الشعر ويطلب إليه أن ينسبه الي نفسه ويلقيه علي أسماع معشوقته، وكان يقابل الضعيف الذي يشكو الظلم فيخلع عليه زيه ويعطيه حصانه وحسامه. وعندما مكر فيه ذات يوم فسأله أن يرد زوجته إلي قومها وكانت فيما مضي أمة فأعتقها وتزوجها وخيّرها في ذلك، فاختارت الهجر والرحيل فلم يحل دونها ودون ما تبغي ولكنه مضي نازف الفؤاد اسيف الوجدان ينعي حبه وأحلامه وأماله المجهضة ضارباً في الصحراء الممتدة الي إخر العمر.

وأخيراً، فأن أشعار عروة بن الورد هي تجليات لحساسيته المفرطة بالانصداع إلي مرارة الواقع الحياتي البائس، وتعبير صادق وعفوي عن غضب المظلومين والمسحوقين والبائسين الحالمين بالحياة الجديدة، والباحثين عن الخبز والحرية والحب والعدالة الاجتماعية والفرح الانساني، وتمتاز بالرؤية الثورية الطبقية وبالصدق الفني والتعبيري.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى