الخميس ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠

في الطريق إلى العتمة

سليمان الحقيوي

نظر إلى ساعته المتهالكة.. أنبأته بتأخره عن الموعد الذي انتظره زمنا ليس بالقصير.. ارتدى من ملابسه ما يظنه لائقا بالحدث.. انطلق مهرولا، وهو يحاول تذكر اسم المقهى الذي يقصده، لم تسعفه ذاكرته، أو ربما أبت أن تخبره.. وصل إلى المكان الذي يوجد به المقهى بين مقاه تكاد تتشابه في كل شيء، حتى الوجوه المتعبة، والنظرات المتحفزة.. احتار في أمره كما اعتاد على ذلك أمام أمور تبدو بدهية .. تجمد في مكانه قليلا مثل علق.. عاد خطوتين إلى الوراء لا إلى الأمام.. تأكد من سلامة نظارتيه الطبيتين.. مسحهما ببقية ورق صحي كان في جيبه.. استجمع ما تبقى من شخصيته المترددة دوما فيما لا يحتاج إلى تردد.. مقلدا صورة مخبر تعوزه الحيلة...من وراء الزجاج التقطتها عيناه.. كانت جالسة هناك بكل تأكيد، فهي تلعق أصبعها دائما كلما تبين لها أنها في حاجة إلى التكفير.. رمقها مرة أخرى بعد أن تأكد من أن نظارتيه متبثتان في مكانهما؛ حيث يجب أن يكونا.. تأكد أنه أمام المكان نفسه.. تقدم بحزم تاركا لحذائه الواهن مهمة إحداث الصوت المرغوب فيه .. جلس في مكان يسمح بمتابعة حركاتها، وبخاصة رموشها الميكانيكية وهي ترف لأقل صوت، لا صوت حذائه المتعب.. تأمل وجهها من الزاوية اليمنى.. البتور ما زالت في مكانها لم تنفع فيها المراهيم.. ظل يتأملها وهي ترتشف عصير البرتقال.. تمنى لحظتها أن يكون برتقالا...ولولا صوت انكسار حدث بالقرب منه وأفسد عليه تأمله، لتمنى أن يكون كأسا من زجاج بين يديها.. أنهت شرب العصير، وأنهى هو متمنياته، وقفت وهو يتابع حركاتها بدقة، حملت حقيبتها السوداء المنتفخة.. استدارت متوجهة إلى خارج المقهى محدثة صوتا له إيقاع أجنحة ما كان بمقدور حذائه إحداثه...كان يمعن النظر إلى ظهرها أو أسفل قليلا!!...خرج من المقهى وهو يشعر بالامتنان لها، لأنها كانت هناك في الوقت المعتاد، وأتاحت له أن يراها في انتظار أن يعيد الشيء نفسه غدا ويحمل معه صورتها مرة أخرى إلى سريره المنـزوي في زاوية معتمة ورطبة وباردة، لكنه وهو يعود إلى جحره تساءل: أحضرت بالفعل إلى المقهى، وهل كان هو في المقهى نفسها، أم مر كل ذلك بذهنه، وهو عائد من الحانة التي ألف أن يكون فيها في مثل ذلك الوقت...

سليمان الحقيوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى