الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠٠٥
بقلم ضرغام فاضل

الكنز ـ القسم الرابع والأخير

شبّـيك لـبّيك..عدّة الحفر بين يديك

ملّ عبدالرحمن وصهيب من انتظار صديقيهما سامي وبدر,الّلذين خرجا ليبحثا عن عصيّ لعدة الحفر, وبعد أن عجزا عن حفر شبر واحد في أرضية الغرفة ,نتيجة قساوة التربة من جهة,ونحافة عصا آلة الحفر التي يحفرون بهامن جهة أخرى..خرج الصديقان ليستنشقا هواء نقياً,وليريحا نفسيهما من الإرهاق الذي أصابهما ..
وقف عبدالرحمن متأمّلاً المنظر الذي أمامه..مستعرضا الأرض الخضراء الممتدة على شكل بساط أبدع الخالق في فرشه ..وقال:
  سبحان الله..ما أحلى المنظر!! وما أعذب الجو هنا!!..كم تعجبني حياة الريف والقرية!!..
نظر إليه صهيب وابتسم قائلاً:
  تحنّ لأصلك طبعاً,لأنك ابن الريف أصلاً..
أجاب عبدالرحمن بفخر:
  طبعاً..رغم أنني لاأذكر شيئاً عن طفولتي في هذا المكان ..ولكن ألا ترى معي أنّ الجوّ هنا صحيّ.. والهواء نقيّ..وكل شيء يبعث على الهدوء والراحةوالانتعاش؟..
قبل أن يجيب صهيب بأي كلمة,لمح شيئا أثار انتباهه,فهرع إليه قائلاً:
  ماهذا!! تعال لأريك شيئاً..
اقترب عبدالرحمن من صديقه الجالس إلى الأرض متأمّلاً مارآه أمامه..فصعق هو الآخر لهذه المفاجأة وقال:
  ياإلهي!!..إنها عدّة حفر..هذا مانبحث عنه ..
تمتم صهيب:
  مالذي جاء بها إلى هنا ؟؟
أجابه عبدالرحمن:
  أيعقل أن يكون بدر وسامي قد أحضراها وراحا يبحثان عن عدّة أخرى؟؟
ردّ صهيب:
  طبعاً لا. أولاً لأن ّعدّة الحفر هذه تكفيينا جميعاً.وثانياً لأنّهما لن يرمياها خارج البيت هكذا,من غير أن يسلماها إلينا,لنواصل العمل على الأقل..
فكّر عبدالرحمن:
 كيف لم يلحظ بدر وسامي هذه الأشياء وهي قريبة من البيت ؟
أجاب صهيب :
 إذا كنت تقصد أنها كانت موجودة هنا قبل أن يذهبا للبحث عن عصي..فأنت واهم,لأنّ هذا يعني أنّها كانت موجودة في الأصل عندما كنّا جميعاً نقف بالقرب منها.وهذا مستحيل طبعاً.
هزّ رأسه عبدالرحمن متمتماً:
 معك حقّ,إذن لم يبقَ مايبرّر وجودها هنا,غير أنّ صديقينا وضعاها هنا,وانصرفا لأمر ثان..ترى ماهو؟؟
حمل صهيب العدّة قائلاً:
 سنعرف كل شيء عندما يعودان ,تعال ساعدني في حمل هذه الأشياء..يبدو أنها ثقيلة..وهذا ماسيسهّل علينا عملية الحفر.لاكالعدة التي أتعبت نفسك بحملها .تبدو كأنها لعب أطفال.
تعاون الصديقان على حمل العدة الثقيلة من معاول ومجارف وفؤوس,ودخلا البيت ليستغلاّ الوقت بالحفر .
أما الصديقان سامي وبدر فقد خابت آمالهما في الحصول على عدة للحفر تفي بالغرض ,سوى فأس صغيرة كالتي معهم,أعطتها لهما أم ماجد وهي تقول لهما :
 متأسّفة جداً يأ أولادي,فكلّ مايتعلّق بالحفر من أدوات وعدد,موجودة في المزرعةوليس هنا في البيت..
ثم استغربت طلبهما هذا وسألتهما:
 ولكن لم تخبراني مالذي تنوون عمله..وماذا ستحفرون؟؟
ارتبك سامي..ثم أجاب:
 سنشرح لكم كل شيء ياخالة,ولكن في المساء إن شاء الله,عندما يعود العمّ سالم وماجد أيضاً ..
حمل الصديقان الفأس الصغيرة,وقرّرا العودة بسرعة إلى البيت المهجور,حيث عبدالرحمن وصهيب ينتظرانهما هناك ..
ولكن..عندما وصلا إلى البيت..أصيبا بالدهشة.
 (( ماذا تقول يا صهيب ؟)).
سأل سامي.وهو يتمعّن بالعدّة التي كان عبدالرحمن وصهيب يحفران أرض الغرفة بها,وكادا أن ينتهيا من حفر نصفها ..فأجابه صهيب:
 أقول ما سمعته يا عزيزي..لقد بحثتما في كل مكان,ولكنّكما لم تبحثا قرب هذا البيت..
لم يصدّق بدر وسامي هذا الكلام,وراحا يسترجعان المشهد,كأنه شريط سينمائي..كيف خرجا من البيت..وكيف مشيا بالقرب منه..حتى قرّرا الذهاب لبيت العمّ سالم .لاحظ عبدالرحمن أنّ الصديقين مايزالان غير مستوعبين الأمر بشكل جدّي..فقال:
- نعم..لقد كانت هذه الأشياء موجودة على بعد أمتار قليلة من باب البيت..
لكنّ بدر أكّد لأصدقائه شيئاً:
  هذا مستحيل..لقد درنا حول البيت أكثر من مرّة,ولم نجد حتى غصن شجرة.لا بد أن في الأمر سرّاً.
وأردف بدر:
  عدّة الحفر هذه وضعت بعد خروجنا من البيت.
وقال صهيب:
 نعم.. هذا ماكنت أعنيه.
أسهم عبدالرحمن مفكّرا..وقال:
 هذه يثير القلق فعلاً !
ثم انبرى سامي ليقول:
 أنا أعتقد أن العمّ سالم هو الذي فعل ذلك..
فأجابه صهيب:
 لا.. هذا مستحيل..لأنّه لم يعرف شيئاً عن موضوع الكنز..
نظر عبدالرحمن إلى الأرض المحفورة أمامه..وقال:
 هل سنبقى نتناقش في هذا الموضوع..ونضيع الوقت سدىً ؟
تناول صهيب المجرفة من على الأرض وأجاب:
  لاطبعاً..سنكمل الحفر قبل أن تغيب الشمس ويحلّ الظلام..
تناول بدر هو الآخر معولاً..وضحك بسخرية قائلاً:
 على أية حال..من فعل ذلك يستحق منا كل الشكر على هذه المساعدة..
في الخارج ..وبالتحديد تحت نافذة غرفة الجدّ ..جلس أبو اللّيل ومرهون..وهما يتضاحكان بخلسة ,بعد أن سمعا من الأصدقاء مادار بينهم ..قال أبو الليل بخبث:
  ما رأيك بفكرتي هذه ؟
أجاب مرهون:
  أنت عبقري يا أبالليل..المساكين سيجنّ جنونهم..
تابع أبو الليل:
  سندعهم يحفرون ويحفرون..وحين يظهر الكنزسنهجم عليهم،ونحصل عليه دونما تعب...
فرك مرهون راحتي كفّيه ببعضهما,ثم قال ضاحكاً :
  ستخيب آمالهم..
كان العرق يتصبّب من الأصدقاء المنهمكين بالحفر,ولقد كان لعدّة الحفر الفخمة التي حصلوا عليها من مجهول,الفضل في تسريع عملية الحفر .فجأة توقّفوا حينما تبادر إلى أسماعهم عواء كلب شرس..قال سامي:
  ياإلهي!! ..يبدو أن الكلبة عادت ..
أشار عبدالرحمن لصهيب صوب الباب المفتوح قائلاً :
  بسرعة أغلق الباب ياصهيب,قبل أن تشعر بوجودنا..
أسرع صهيب لغلق الباب..لكنّه حينما حاول ذلك,وجد صعوبة في إغلاقه ..فصار يدفع الباب مستعينا بجسمه..قائلاً:
  الباب لاتنغلق ..
  أسرع سامي وعبدالرحن لينضمّا إلى صديقهما,ويساعداه في دفع الباب بقوة,في حين كانت الكلبة قد اقتربت من الغرفة,وكأنها قد أحسّت بوجود ضيوف غرباء في بيتها..راحت تنبح بأعلى صوتها.. صرخ سامي بأعلى صوته:
  أرجوك أن تتحمّلينا بضع ساعات.لن نؤذي صغارك.
ردّ عبدالرحمن:
  المسكينة قلقة على صغارها.
تصاعد نباح الكلبة أكثروأكثر,ممّا أثار الفزع في قلوب الأصدقاء وضاعف قواهم,مما جعل الباب تنغلق بشدّة,محدثة صوتاً مدوّياً,وارتجاجاً فظيعاً,سقط إثره دولاب خشبي صغير معلّق في صدر الغرفة.لم ينتبه لوجوده الأصدقاء باديء الأمر.وخرجت منه أعداد هائلة من الفئران والجرذان .
صرخ سمي مذعوراً:
  يا إلهي!!. إنها جرذان.. جرذان ملأت المكان..
لم يعرف الأصدقاء كيف ينقذون أنفسهم من هذا المنظر المرعب,فراح كل منهم يجد له طريقة .فهذا الذي احتمى بالجدار,وذاك الذي أغمض عينيه مرتعشاً..لكن بدر صرخ لسامي الواقف قرب الباب:
  افتح الباب بسرعة ياسامي لتخرج منه ..
من غير شعور منه قال سامي:
  والكلبة ؟؟
أجابه مشمئزّا:
  مواجهة الكلبة أهون عليّ من مواجهة جيش الفئران هذا ..
لملم سامي كلّ قواه..وسحب الباب إليه بقوّة حتى فتحت ..وبدل أن يساعد الفئران في الخروج , خرج هو قبلها..صارخاً:
  اعذروني ,لم أطق التحمّل أكثر من هذا..
وراح عبدالرحمن وبدر وصهيب يبعدون الفئران,مستعينين بعدّة الحفر التي يمسكونها بأيديهم .قال بدر وهو يتابع تنطط الفئران أمامه :
  إنه منظر مقرف,لم أشهد مثله في حياتي.
وبعد قليل كانت الفئران قد ولّت هاربة من الغرفة .خارت قوى الأصدقاء وأنهكهم التعب..قال بدر بصوت مرتعش من التعب:
  الحمد لله...لقد هربت جميعها..
تلفّت صهيب حوله,وأحسّ بعدم وجود صديقهم سامي ..فسأل:
  ولكن.. أين عبدالرحمن ؟
أجاب عبدالرحمن:
 صحيح !!.. لقد نسيناه.. إنه في الخارج..
ابتسم صهيب قائلاً:
المسكين كان في حالة فظيعة من الخوف والرعب.سيرتاح بضعة دقائق ويعود لينضم إلينا .
ابتسم الجميع ثم عادوا للعمل من جديد.
وبعد ساعة كاد عبد الرحمن وبدر وصهيب ينتهون من عملهم لولا أنهم استبطأوا عودة صديقهم الهارب من الفئران..نشّف عبدالرحمن العرق المتصبب من جبينه..وهو يقول:
 لقد تأخّر سامي جداً,الشمس قاربت على المغيب.
رمى بدر فأسه على الأرض قائلاً:
 لقد قلقت عليه..أنا خارج لأناديه ..
ابتسم صهيب وقال:
 أخبره بأن المعركة حسمت لصالحنا,وانسحب جيش الفئران مدحوراً..
ضحك الجميع..وواصل عبدالرحمن وصهيب عملهما.بعد أن تركهما بدر ليتبيّن ماحلّ بصديقهم سامي.

صديق..في مأزق

 ((رصاصة واحدة تكفي لأن تهشّم رأسك)).
قالها أبو الليل وهو يضع المسدس على رأس سامي ,ويغلق فمه بيده الخشنة .تناول مرهون قطعة قماش متّسخة,وربط بها فم سامي,وهو يقول له:
- إيّاك أن تصدر أي صوت,وإلا فستندم.
لم يكد سامي يرتاح مما أصابه من رعب بعد مهاجمة الفئران لهم,ليجد نفسه مقبوضاً عليه من قبل عصابة لم يحسب لها حساباً.
ثم انتزع أبو الليل حزامه من بنطلونه,وقيّد يديّ سامي من الخلف,لكي يمنعه من الحركة أيضاً.قائلاً بسخرية:
 لاتقلق..لن نقتلك إذا حافظت على هدوئك..ثم إن الأمر لن يطول كثيراً,فقد شارف أصحابك على العثور على الكنز,عندها سنهاجمهم ونستولي على حصّتنا من الكنز والتي قدّرناها بنسبة مئة بالمئة.
ثم أطلق ضحكة ساخرة خبيثة,لم يتوقف عنها حتى سمع صوتاً من بعيد ينادي:
  ((سامي ..أين أنت ياسامي ..تعال ياصديقي ..لقد هربت كل الفئران ..لاتخشَ شيئاً ..))
انتبه سامي المكمّم بشريط من القماش,جعل تنفّسه صعباً إلى الصوت الذي يناديه..إنّه صوت صديقه بدر..ولكن كيف له أن يجيب..صار يلتقط أنفاسه بصعوبة,حتى إنّه كاد يختنق بالفعل ..انتبه له أبو الليل ,وخشي أن يقع في جريمة قتل,إذا مافارق هذا الفتى الحياة,فاضطرّ أن يخفّف من شدّة ربط الشريط على فمه..مع تهديد بقتله إذا مانبس بأي كلمة..وخصوصاً أنّ الصوت صار يقترب ناحيتهم شيئاً فشيئاً..
سحب سامي نفسه بعمق,بعد أن أحسّ أنّه عاد للحياة من جديد .ثم تطلّع مليّاً في وجهي أبي اللّيل ومرهون..همس له أبو اللّيل واضعاً سبّابته على أنفه قائلاً بنبرة مهدّدة:
  هس..هس..كلمة واحدة وتكون الرصاصة قد اخترقت دماغك .فهمت؟؟
لم يعر سامي أهميته لما سمعه,بقدر ماراح يتأمّل أين يكون قد رأى هذا الوجه من قبل..انتبه مرهون لنظرات سامي فسأله:
 مابالك تنظر إلينا هكذا ؟الاتخاف منّا ياولد؟؟
أجاب سامي وهو يتفحص تقاسيم وجهيهما :
  لقد رأيتكم قبل هذه المرة ..ولكن أين ..أين ..
أجاب مرهون ساخراً:
  في التلفزيون ..فأنا توم..وهذا جيري ..
ثم ضحك ضحكة خبيثة.وتناول الشريط القماشي ليعيد إغلاق فم سامي من جديد..قائلاَ:
  هل فتحنا فمك لتقول مثل هذه التفاهات ؟؟ سأغلقه لك ونرتاح من تصريحاتك السخيفة.
أما بدر,فبعد أن خاب أمله في العثور على صديقه المختفي,وبعد أن أقنع نفسه بأنّه ربما يكون قد لجأ إلى بيت العمّ سالم ليرتاح به قليلاً ,أو أنّه ينتظر قدومهم هناك.قرّر أن يعود لأصدقائه ويقنعهم بما توصّل إليه .دخل البيت,وعندما صار عند الأصدقاء المتشوّقين لمعرفة ماحلّ بصديقهم سامي,كانت أول جملة سمعها هي :
  ((يبدو أنه لا وجود لهذا الكنز..))
أصابه الإحباط..عندما سمع عبد الرحمن يرمي بفأسه على الأرض يائساً ,فدنى منه مشجّعاً إياه:
  لاياعبدالرحمن..لاتشعر باليأس..لقد تعبنا وعانينا فعلاً,وهذا مايشجّعنا على أن نحصد ثمار التعب,لا أن نيأس..
ثم استعرض أرضية الغرفة المنبوشة.فوجد أن هناك زاوية مرتفعة بعض الشيء عن مستوى الأرض . ماتزال سليمة لم تمسسها فأس بعد..فتناول الفأس وتوجّه ناحيتها..وهو يقول :
  ارتح أنت قليلاً..ريثما أحفر هذه البقعة التي كانت من حصة سامي..سامحه الله.
أدرك عبدالرحمن وصهيب أنهما نسيا أن يسألا بدر عمّا حل بصديقهم سامي..فقالو:
  صحيح..ماذا حلّ به؟؟.نسينا أن نسألك عنه.
أجابهم بدر وهو منهمك بالحفر, بعد أن تجدّد نشاطه قليلاً:
  يبدو أنّه عاد لبيت العمّ سالم, بعد أن شعر باليأس,مثلك تماماً ياعبدالرحمن.
هزّ عبد الرحمن رأسه.وضحك ضحكة خفيفة,ثمّ سرعان ماتناول الفأس,وعاد للعمل من جديد,ليلتحق مع بدر في حفر البقعة التي أشار إليها .
تحت نافذة الغرفة..كان مرهون وأبو الّليل يجلسان منتظرين ..وإلى جانبهما تمددّ سامي مقيّد اليدين,مكمّم الفم .نظر مرهون إلى ساعته ..وقال:
  لقد تأخّروا كثيراً..وأخشى أن تغيب الشمس,ويحلّ الليل ونحن مانزال هنا ..
كان أبو اللّيل قلقاً هو الآخر..لكنّه اضطر إن يصبّر صاحبه بالقول:
  مضى الكثير ولم يبقَ إلا القليل..
وبسذاجة طرح مرهون سؤاله على أبي اللّيل:
  ما رأيك لو اقتحمنا المكان لنقيدهم,ونأخذ نحن على عاتقنا مهمّة البحث عن الكنز ؟؟
ضحك أبو اللّيل مما سمعه ..ثم قال:
  أنت دائما تثبت لي غباءك..
خجل مرهون من توبيخ أبي الليّل له أمام مرأى ومسمع الفتى..ثم أردف أبو اللّيل ساخراً من فكرة صديقه:
  بالنسبة لي فأنا أعاني من ألم في فقراتي منذ سنوات,ولاأستطيع حمل أي شيء..أما إذا أردت أن تتبرّع أنت بمساعدتهم ..فتفضّل.لتحلّ محل هذا الفتى..ولكن لاتنسَ أن تخبرهم بأنه محتجز عندنا رهينة ريثما نهرب بالكنز .
لم يكن أمام مرهون خيار غير انتظار ماستؤول إليه الأمور.لكن انتظاره لم يدم طويلاً .إذ سمع من خلال النافذة صوتا ًيقول:
  (( ماهذا!! لقد ارتطمت فأسي بشيء ما )).
رفع أبو اللّيل جسمه قليلاً ..وراح يختلس النظر من خلال النافذة.كان بدر يحفر بكلتا يديه يساعده في ذلك عبدالرحمن وصهيب..وهم متلهفون لرؤية ما سيظهر لهم من تحت التراب..وفجأة صرخ بدر:
  إنه صندوق حديدي,لقد تحسّست جوانبه ..
تلعثمت الكلمات في فم عبدالرحمن وهو يسأل:
  ماذا تقول !!! صندوووووق حديدي؟؟!!
كاد أن يفقد وعيه..لكنّ اقتحام أبي اللّيل للغرفة وقفزه من النافذه..جعله يرتعد خوفاً ..
  ((اتركوا كلّ شيء مثلما هو ..وإلا قتلتكم الواحد تلو الآخر)).
هكذا هدّد أبو الليل الأصدقاء..الذين رفعوا أيدبهم إلى الأعلى بشكل لاإرادي.ّوفجأة رفس مرهون باب الغرفة ممسكاً بصديقهم المقيّد سامي.صعق الحميع من هذا المنظر..وقالوا بصوت واحد:
  سامي!!
ضحك أبو اللّيل ساخرا ًوهو يقول:
  إنه بطلكم الرابع..مصارع الفئران ..اسمع أنت و..وهو .وهو..ستقفون مثلما أنتم هكذا..بينما يبدأ مرهون بربط أياديكم وأفواهكم..وأنا شخصياً لا أنصحكم باللّعب مع الكبار..واضح؟؟
عرف عبدالرحمن صاحب هذا الوجه فورا ً..فقال:
  أنت من جديد؟؟..كنت أشكّ في أمرك منذ أن رأيتك عند بائع الكتب في السوق..
هزّ سامي رأسه وكأنّه تذكّر أين شاهد هذا الوجه من قبل..أمّا أبو الليل فقد أومأ لمرهون أن يقيّد الرهائن الجدد..وماكان من عبدالرحمن إلا أن يوجّه سؤاله البريء إلى أبي اللّيل ,قائلاً:
  مارأيك لو منحتك مبلغاً لابأس به من المال,لتبدأ مع صاحبك هذا حياة شريفة,وتتوبوا إلى الله,والله يحبّ التوّابين ؟.
ضحك أبو اللّيل من هذا الاقتراح..وقال ساخراً :
  ما رأيك أنت لو منحنك مبلغاَ تافهاً من المال وتكرمنا بسكوتك؟؟
أراد عبدالرحمن أن يكمل حديثه,لكنّ أبا اللّيل زمجر بوجهه :
  اخرس ..لاأريد أن أسمع شيئاً ..
لم يكن أمام الأصدقاء إلا أن ينفذوا أمر هذين المعتوهين ..وراح مرهون يقيّدهم الواحد تلو الآخر..ولكن ّبدر لمح خيالاً من خلال النافذة .لم يُرد أن يتمعّن أكثر من ذلك .كي لاينتبه أبو اللّيل إليه,وفعلا..بعد لحظة,كانت عصا غليظة قد هوت على رأس أبي الليل..ليسقط على الأرض مغمى عليه من أثر الصدمة ..
اندهش الأصدقاء وهم يرون العم سالم..وهو يقتحم الغرفة من نافذتها,ولينقذهم من هذا الموقف الذي يتعرّضون إليه..تناول العمّ سالم المسدس الساقط على الأرض ,وأمر مرهون :
  فكّ قيدهم بسرعة, ولاتضطرني أن أستعمل مسدسكم القذر هذا .
نفّذ مرهون ماأمره به العمّ سالم وهو يرتعش خوفاً..ثم قال:
  مالذي ستفعلونه بنا؟؟
أجاب العمّ سالم :
  ستنالان ماتستحقانه من عقاب,والشرطة هي التي ستتكّفل بهذا الأمر .
ثمّ طلب العمّ سالم من سامي أن يقيّد مرهون مثلما قيّدوه ..أما عبدالرحمن فقد راح يقيّد أباالليل قبل أن يفيق من غيبوبته..نظر العمّ سالم في وجوه الأصدقاء نظرات لاتخلو من العتب,لكنّ عبدالرحمن قال له:
  فضّلت أن أطلعكم على الأمر بعد أن نتأكّد منه تماماً ..
سأل العمّ سالم:
  أيّ أمر ؟ فبصراحة أنا لم أفهم شيئا أبدا ؟؟كلّ ما أعرفه أنكم طلبتم من أمّ ماجد عدّة للحفر.. وجئت لأطمئن عليكم.
أجاب بدر :
  هذا صحيح..وكنت قد وعدتها أننا سنقصّ عليكم الحكاية عندما نعود مساء.
ابتسم العمّ سالم وهو يقول:
  أي حكاية ؟ أنا لاأفهم شيئاً.
بسرعة وإيجاز قصّ عبدالرحمن للعمّ سالم قصة الكنز الذي تركه له جدّه,مدفونا ًفي هذه الغرفة..وكيف تعاونوا جميعا ًفي البحث عنه..وأعجب العمّ سالم بشجاعة عبدالرحمن وأصحابه..وتمنّى لهم التوفيق في حياتهم المستقبلية,لكنه في الوقت نفسه,لم يستطع أن يخفي استغرابه من أمر الكنز المزعوم. إذ كيف يمكن للأستاذ راشد أن يجمع كل هذه الثروة؟ ومن أين؟؟ولماذا لم يسدّد الديون التي تراكمت عليهم آنذاك, من غير أن يضطروا لبيع المزرعة والبيت؟ لكّنه فضل أن يحتفظ بهذه الأسئلة لنفسه,من غير أن يجرح مشاعر عبدالرحمن الذي يكنّ لجدّه وذكراه كلّ التقدير.
نظر عبدالرحمن بوجه مبتسم إلى العمّ سالم, وقال له:
  لولاك لضاع كلّ شيء ..الكنز ..وحياتنا.فشكراً لك ياعمّي.
هزّ العمّ سالم رأسه مبتسماً..بينماتابع عبدالرحمن بمعيّة أصدقائه سامي وبدر وصهيب ماتبّقى من مهمّة البحث عن الكنز,بعد أن لاحت لهم بوادر العثور عليه..فلم يجد العمّ سالم نفسه إلا أن ينضمّ إليهم ويساعدهم في إخراج الصندوق,الذي لم يظهر منه إلاغطاؤه الحديديّ الذي أكله الصدأ ..
في هذه اللحظات كان أبو اللّيل قد أفاق من غيبوبته.وراح يراقب مايحدث أمامه..بعد أن رأى نفسه مقيّد اليدين, ولايستطيع الحراك..فصار يتوسّل بالأصدقاء:
 أرجوكم ..لاتسلّموني للشرطة..أعدكم أن لاأعود لمثل هذه الأعمال ..
لكنّ الجميع كان منهمكاً بإخراج الصندوق الحديديّ من مكانه..
تابع أبو الليل توسّلاته ..وهو يوجّه كلامه لعبدالرحمن:
 ألم تعدني أن تعطيني مبلغاً من المال لأبدأ به حياة جديدة ؟؟ أنا موافق ..
نظر عبدالرحمن إليه نظرة ساخرة ..ثم قال له:
  اخرس ..دعنا نشتغل..
تابع أبو الليل:
  - ولكن وعد الحرّ دين .
أجاب عبدالرحمن وهو مايزال منهمكا ًبالعمل:
  فات الأوان أيها المحتالان..
وبعد قليل بانت جوانب الصندوق جميعها,فمدّ العمّ سالم كلتا يديه..وبصعوبة بالغة استطاع أن يخرج الصندوق الحديدىّ المتآكل..تنفّس الجميع الصعداء, بعد أن تكلّلت مهمّتهم بالنجاح..وارتموا على الأرض ليريحوا أجسادهم بعد عناء وتعب دام ساعات طويلة,,وبعد أن لاحظوا أن ّمهمة أخرى تنتظرهم,,وهي كيفية فتح الصندوق . سال لعاب أبو اللّيل ومرهون وهما يحدّقان في الصندوق الذي طال انتظارهما له, وصار الآن أمامهما .قال مرهون لصاحبه:
  بخططك الفاشلة أفسدت كلّ شيء ..
رمقه أبو الليل بنظرة محتقرة ,وقال له :
  اخرس ياوجه النحس..كلّ مصائب الدنيا تنهال عليّ بمجرّد أن تكون معي ..
نهض عبد الرحمن وتناول شرائط القماش التي كان أبو اللّيل ومرهون قد ربطا بها أفواههما,ليربط فميهما..وهو يقول لهما مقلدّا ًصوت أبي اللّيل :
  أكرمانا بسكوتكما..
ثم قال لهما سامي :
  سيكون مصيركما السجن..لنطهّر المجتمع من أمثالكما..
تفحّص العمّ سالم الصندوق من كلّ جوانبه,علّه يجد له طريقة لفتحه..وهو يفكّر مع نفسه:
  (( إنه صندوق بالفعل.يعني أن الأمر صار جدّياً ,ترى لماذا تكتّم الأستاذ راشد على هذا الأمر؟!.))
لاحظ عبدالرحمن أنّ العمّ سالم على غير عادته .فسأله:
  ماذا هناك ياعمي؟؟..كنت تشكّ في صدق كلامي,والآن تأكّدت..أليس كذلك ؟
هزّ العمّ سالم رأسه قائلاً:
  لا ..لا أبدا.ولكنّني كنت أفكّر كيف لنا أن نفتح الصندوق من غير أن نهشّمه .
أجابه عبدالرحمن وهو لم يقتنع بهذا التبرير لشرود ذهنه.
  ليس عندنا خيار آخر..
ثم تناول الفأس ليهشّم بها الصندوق الحديدي..ولكنّ العمّ سالم استوقفه قائلاً:
  لحظة ياعبدالرحمن ..إليّ بالفأس. سأقوم أنا بهذه المهمّة..
ناول عبدالرحمن الفأس للعم ّسالم وشكره على مساعدته..وماكان من العمّ سالم إلا أن رفع الفأس إلى الأعلى,وبضربة واحدة هوى بها على غطاء الصندوق..فأحدث فيه فتحة كبيرة..ثم راح يوسّعها شيئاً فشيئاً بواسطة رأس الفأس..تحلّق الأصدقاء حول الصندوق,متلهّفين لرؤية مايحتويه.وكانت الفاجأة .
  (( ماذذذذااااا؟؟!!!!))
  قالوها بصوت واحد..وهم يرون أن الصندوق فارغ ..إلاّمن كتاب قديم توسّط قعره..بحذر شديد كي لاتجرح يده,مدّ عبدالرحمن وتناول الكتاب, وأخرجه بصعوبة من الفتحة العلوية التي أحدثوها في غطاء الصندوق ..
سأل صهيب مذهولاً:
  ماهذا ؟؟؟
أجاب عبدالرحمن:
  الكنز .
سأل بدر :
  ماذا تقصد؟!!
رفع عبدالرحمن واجهة الكتاب ليريه للجميع ..وهو يقول:
  لست أمزح..اقرأوا المكتوب على غلاف الكتاب..
  (( الكنز))..هذه الكلمة كانت تتوسّط غلاف الكتاب..الذي أمسك به عبدالرحمن وراح يقلّب صفحاته المهترئة بعناية ..فتح الصفحة الأولى وراح يقرأ:
((إلى حفيدي عبدالرحمن.. وإلى ولدي.. وإلى كلّ من ظنّ أن الكنز هو ثروة من المال والذهب.. أهدي لهم كتابي هذا.. وهو فصول من حياتي..)).
استطاع أبو اللّيل أن يفكّ الرباط من على فمه,بعد أن أحسّ أنه سيختنق من الضحك..وبعد أن نجح أطلق ضحكة مستفزة,شامتاً بالأصدقاء..ونظر لصاحبه مرهون..وقال له:
  يا لها من ثروة هائلة طائلة..جواهر ولآلىء..ياه ما أحلاها!! ..انظر إليها يامرهون ..إنها تتلألأ..
ثم استعرض الوجوه الواجمة أمامه..وقال ضاحكاً:
  انعموا بهاوحدكم ..ستغنيكم...
اقترب العمّ سالم من عبدالرحمن الذي صعق من هول المفاجأة..وربت على كتفه مواسياً إيّاه قائلاً:
 اقرأ ماكتبه جدّك ياعبدالرحمن في الكتاب الذي بين يديك,لتعرف المغزى وتفيد منه .
كان أبو اللّيل مايزال غاصّاً في ضحكة هستيرية..قائلاً:
  لقد ضاعت جهودكم وجهودنا من غير فائدة..من سيعوضني هذه الخسارة؟؟
لكنّ عبدالرحمن التفت إلى أصدقائه..وقال لهم:
  أما أنا وأنتم أيها الأصدقاء,فقد خرجنا من هذه المغامرة بفائدة عظيمة..أظنّكم تعرفونها..
نهض عبدالرحمن محتضناً كتاب جدّه..وراح يمشي بخطوات منهكة برفقة أصدقائه والعمّ سالم..تاركين أباللّيل مع قهقهاته الهستيرية,التي راحت تصدح في الغرفة..ويتردّد صداها في أرجاء الييت المهجور .
***النهاية***


مشاركة منتدى

  • ,والله ياجماعة القصة روعة..ياريت المزيد من هذه القصص التي تجمع بين الخيال والواقع

  • تحياتي الصادقة للكاتب..فقد كان اختياره للفكرة مناسبا..وطريقة عرضه سليمة..لكن اتساءل:هل القصة بمثل هذا الطول(اربعة اقسام مع مفردات فصحى منتقاة من المعجم))مناسبان للطقل..؟؟لااعتقد,,,,لان الطفل ملول بطبعة....ويحب القصة الذكية الموجزة....كما اغلب الكبار......

    • أخي الكريم..الكاتب لم يقل بأنها للطفل..وإنما للفتيان الأكبر سنا, والذين تراهم حائرين يبحثون في رفوف المكتبات عنا يناسبهم..دون جدوى..فلا قصص الأطفال تنفع..ولاقصص الكبار تناسبهم..وأعتقد أن مثل هذه الروايات هي الأنسب لفتياننا..تنمي عقولهم..وتوسع مداركهم..وتحثهم على البحث عن مفردات في مناجد اللغة العربية..إن كانوا لايفهمون معناها..ألا تشاركني الرأي الآن..تحياتي الخالصى للأستاذ الفنان والكاتب ضرغام فال..ولجميع الإخوة القراء.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى