الأحد ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم فتحي العابد

من يوقف تسلط قيادة حركة النهضة في إيطاليا

تكره النفس البشرية في الغالب من يذكرها بخطيئاتها وأخطائها، ولذا فهي تحاول أن تظهر في أبهى صورة، إما بالتجمل أمام الآخرين وإخفاء عيوبها، لتحوز على كلمات الإعجاب والتمجيد ولو نفاقا وكذبا، أو أن تتوارى عن المواقع التي تعلم أنها سوف تعرّى فيها مهما تسترت خلف مساحيق التجميل. فمواجهة العيوب والأخطاء من أعسر مواجهات النفس، لأنها تضع الإنسان أمام مرآة عاكسة حقيقية، تكشف لها تفاصيل أخطائها ولا تملك أن تجعل القبيح جميلا أو العكس، ومع هذا فنحن عندما ننظر إلى المرآة إنما ننظر إلى حسن خلقتنا، أو جمال سحنتنا، ولكن قلّما يجرؤ أحدنا أن ينظر في عينيه خشية أن يرى من خلالها كائنا آخر غير الإنسان الذي يتمنظره أمام المرآة..

هاهم اليوم بعض أبناء حركة النهضة التونسية المتواجدون في إيطاليا، والمار عليهم أكثر من 20 سنة لم يستثمروا تواجدهم في المهجر، بما يتيحه من فرص للتثقيف والعمل والبروز، إذ اتسمت المرحلة في 15 عشر سنة الأخيرة بحالة من الركود والصّدام الداخلي، بل في كثير من الأحيان بالتصدع والبرود. فلم يقرّوا أولائك الذين قادوا العمل من بدايته إلى يوم الناس هذا للفرد حتى حق التعبير، وكأن الحركة عجزت عن ميلاد قيادة جديدة، ولم يوفروا الكرامة للمعارض داخلهم مما جعل الكثير من أمثالي يصدحون بما يعتقدونه صوابا خارجها بعد أن تم إبعادهم، بل شيّدا إثنان من هؤولاء أسوارا منيعة لمنع الإصلاح والنصح والمعارضة المسئولة، بتبادلهما أدوار القيادة. فمن الذي قاد كل هاته الفترة الراكدة؟ أليس هما بالخصوص؟ لقد استخدما كلمات استخداما غير صحيح ودون وصف دقيق، متعمدين هذه التصرفات لطمس وتغييب الحقيقة.

فهل لأن فلان ما أبعد بأمر دبر بليل من الحركة ينتزع منه حق تاريخي في فترة تاريخية معينة؟ بل لايعترف أحيانا بأقدميتك فيها، ويسلبك أشياءك التي طالما دافعت عنها، ويتنكر لبعض الحقائق التاريخية، مما جعل أحدهم ينصحني بأن أقبل الواقع وماتفرضه المرحلة.
كنا بالسابق ولانزال حتى يومنا هذا نمارس النداء تلو النداء، برغبات حقيقة صادقة تجاه بعض إخوتنا في هذه الحركة هنا، لما يملكون من صلوحيات أوجدوها لأنفسهم، (وسلطة تشريعية) أضفاها عليهم الفراغ القائم هنا، لنخاطبهم بكل شفافية بأن هناك منا من لم يستقل من النهضة، بل مازال يمثل أحد أطيافها المتعددة، إلا أن إقصائكم له جعله يتقوقع على نفسه وعائلته في انتظار لفتة ملكية.

أليست هذه حقائق تاريخية لا يمكن لأي شخص أن ينكرها؟ ومن أنكرها فقد أوقع نفسه في شبهة.

إن هذه التصرفات تفرض علي كرافع للواء النقد البناء لحركة لها فضل كبير علي بعد الله تعالى، أن أكشف عن ماأعتقده حقيقة وأصارحهم هم أنفسهم كما فعلت في السابق ولم أجد آذانا صاغية، ثم القارئ، بأن ظاهرة التسلط والإقصاء المتعمد قد استفحلت فيهم. ولا أخدعهم بالسكوت على هاته الأمراض، وأن أبيّن عمق أزمة تصرفاتهم، ومواربتهم الحق ومجانبتهم الصواب، لأن السكوت عنهم يبخس قيمتنا الإنسانية ويطعن في رجولتنا.

أنا أحمل القيادة العليا المسؤولية في هذا الأمر، لأني كنت قد حدثتها عن المشكلة في رسالتين بعثت بهما لمكتبها في لندن ولم ترد علي، كما لا أظن أن من راسلتهم يعرفون حقيقة مايدور في مخيلة هؤولاء، حيث يؤتى ببعضهم من خارج إيطاليا ويدخلون غرف مغلقة، أين يرتب لهم لقاء مع أشخاص معيينين، ثم بعد ذلك يرافقون للمطار أو محطة القطارات، حتى الشيخ محمد الهادي الزمزمي الذي كان يعتبر أخونا الأكبر ومرجع لنا جميعا، وكان يرفض أن يغادر إيطاليا دون رؤية بعض قدمائها الذين لهم مشكلة مع هاته القيادة، رضخ للأمر الواقع.

أقولها وبصراحة هؤولاء لم يتربوا في مساجد تونس وزواياها، بل عرفوا النهضة من خلال العمل السياسي فقط، وبعدما اجتازوا حدود الوطن. هؤولاء لم يدخلوا السجون في تونس ولم يذوقوا الإقصاء سابقا وإلا مافعلوا مافعلوا.. هؤولاء يفتقرون إلى العقل الإستراتيجي المتجاوز لضيق المراحل، والمتسامح مع بعض ردود أفعالنا المتشنجة. هؤولاء يعتبرون أنفسهم هم المؤسسة، وهذا واضح في كثير من التجاوزات التي وقعت ومازالت تقع اليوم. هؤولاء " ذرْ تلعب"، قلتها في السابق وجلبت لي القطيعة، وأعيدها الآن لأنها حقيقة مرة وقف عليها كثير ممن أعابها علي من قبل.

إن العاقل والمريد للخير، لا يضيق من تعقبنا لحقائق تاريخية، ومن محاولة معالجات أخطاء تجربتنا، ومصارحة تحصي السلبية دلالة على صحة تفكيرنا طالما نستهدف تلافي ضيق الماضي وتجاوزه، أليس حق الأخوة علينا أن نصدق مع إخواننا في النصح، وكلمات مكتوبات تبني خير من همسات في الظّلام تهدم.

بغيتي أن نعالج تجاربنا في إيطاليا بجد وحزم، ولا نترك مجالا لسيادة الفوضى والعواطف والمجاملات الدائمة وتجاوز عقدة الزعامة..

نختلف بقضايا ومسائل عديدة إلا إننا نتفق جميعا على حب تونس والولاء الصادق لديننا الحنيف. كنا دوما ولانزال نقول ونكرر ونصر بأن الإختلاف مهما اتسع لايمكن أن يكون أداة هدم أو مواجهة ضد وحدة الهدف بما أن مصيرنا مشترك.. لم نقبل مساومة من أحد في السابق، ولم نلقي بال لما يدور ويحاك لنا من أحداث سياسية.

لقد أبتلينا بكم وعانينا من سلوكيات الإقصاء التي قمتم بها على مدى 15 عشر سنة، ومع هذا كله لم ولن نستسلم، ولم ولن نتوقف، بل بادرنا بالتواصل والنقد لمن أتاح لنا الفرصة بشفافية مطلقة. لم نكن نتصنع لأحد ولم نكن معاول هدم، بحثنا عن القواسم المشتركة التي تجمعنا وتمهد لتقاربنا بما أن جل اختلافنا يكمن في كيفية الإدارة وليس في الأصول.

لماذا هذا التناقض الذي نعيشه حاليا وكيف أوصلنا بحالنا إلي السكوت، بل مجارات هذا السلوك الإقصائي؟ رغم أننا نحن من نعاني منه أولا وأخيرا. لماذا عندما يقوم شخص ما بطرح أفكار أو توجهات جديدة لم نعهدها، نتجه فورا لنهاجمه ونقصيه؟ لنعلن انتصارنا على بعض، وبذلك نئد التنوع الذي سيخدم هذه الحركة ويمثلها بأكثر من اتجاه، هل أصبحنا نخاف الحوار والنقاش ولا نقوى على مواجهته؟ أم أن شعور العجز بتقبل الإختلاف أصبح هو من يحرك تصادمنا؟ مؤسف أن ننحدر لهذا المستوى ومخيف أن تصبح هذه هي ثقافتنا.
لماذا لا نستبدل هذا الإقصاء بالحوار العقلاني وتقبل آراء وأفكار من تعتبرونهم خارج الصف، ضمن حدود مسئولية الفرد وشخصيته الفكرية، وضمن حرية التعبير التي تمثله أهدافنا المشتركة؟

لماذا لا نستبدل التشنج بالحوار الهادف بدون أحكام حاضرة وخلفيات مسبقة؟ بغض النظر عن توافقنا أو اختلافنا مع مضمون مانطرحه من فكر، لنعكس مدى تقبلنا لبعض رغم الإختلاف.
لا أعتقد أن هناك شخص واحد ممن يقودون حركة النهضة في إيطاليا اليوم يمتلك وعي ونظرة ثاقبة، بل بعضا من هؤولاء يريدك أن تصبح مجرد نسخ مكررة من قالب واحد ينتج كم من التشابه بالفكر والتوجه، لتكون بنفس اللون والطعم والرائحة، فينعدم لديك الإبداع والتنوع، لينعدم معه الذوق.

لابد عليهم أن يتخطوا هذا السلوك الإقصائي لمن يخالف رؤيتهم، وأن يرتقوا بفكرهم عن مهاجمة الآخر، والتقليل من شأنه، فالإختلاف بالفكر أو الطرح لايمكن أن يصبح بيوم من الأيام سبب للعداوة، بل يجب أن يدركوا بأنه اختلاف صحي لخلق مجتمع متعدد، وكما كنا ننادي ونطالب الطرف الأقوى فيهم ومازال، بالشفافية والوضوح رغم اختلافنا معه، وجب أن لا نسكت عن هذه المغالطات، ونتقبل هذا التهميش والإقصاء.

هؤولاء في إيطاليا لهم ماله النظام في تونس، يقولون ماقاله أحد المتصوفة قديما: لي في الأرض ما ليس للهِ في السماء!

أيها الإخوة من أبناء حركة النهضة التونسية في إيطاليا:

نحن نعيش في بلد متسم بالإنفتاح، وآخر مهاجر منا هنا مر عليه 10 سنوات على الأقل، يجب أن نفهم بعضنا بدرجة كافية قبل أن نحكم على الآخر. إن المعركة الأساسية هي ليست ضد بعضنا، وشركائنا في الوطن، بل هي ضد "الأعداء الأربعة": الجهل، والفقر، والفساد، والإستبداد كما قالت أدبيات الآخرين. إننا في مفترق طرق، بين إغماءة وإفاقة، ويجب أن نفيق.
إن كثير منكم لم يفكر قليلا ولم يتعب نفسه، واكتفى بشرف الإنتساب للحركة، والتبعية لقدماء المهاجرين منها، مادام هنالك آخرون يقومون بالمهمة، أين المبادرة؟ وقديما قيل "أن للدعوة رجال يحملونها" لكن ماهو موجود اليوم في إيطاليا أن هؤولاء تحملهم الدعوة، للأسف، بسبب غياب مرجعية عُليا، أو جهة علمية يرجع إليها الجميع، أو حتى شخصية (كاريزماتيكا) يلتجأ إليها من هو داخلها أو خارجها.

لو نظرت الآن لحصيلة جيلي من أبناء الحركة هنا من التربية والثقافة، ستجده لا يتناسب مع مستواه كحامل لواء التغيير، لكن يتناسب مع إنسان يحافظ على الصلوات "الحد الأدنى"، وسببها أن التربية في الحركة في التسعينيات هنا في إيطاليا كانت عبارة عن حفظ نصوص معينة، سياسية أكثر منها دينية، لم يُراعى فيها جوانب البناء الصحيح للإنسان، مما سبب غياب أي إبداع حتى لو كان شخصي، وبالتالي إذا أمكننا أن نقول: إن أزمتنا اليوم في إيطاليا "أزمة تربية".

هؤولاء أنفسهم خائفين من الوقوع في دائرة الإقصاء والتهميش لأنهم غير قادرين على تطوير الذات، معتبرين أي تحرك لتصحيح المسار نوع من المجابهة والمناهضة. هؤولاء لن يستطيعوا بحكم تدني العامل الثقافي عندهم ترقية الحوار الفكري والسياسي إلى مستوى الشفافية والصراحة، والقيام بواجب النصح والإرشاد، وفرض الرقابة عل أنفسهم لتحقيق الإلتزام الكامل بقواعد السياسة الشرعية، ومنع استغلال سلطتهم ونفوذهم.

الحركة الإسلامية التونسية في إيطاليا ليس بها ورشات للإصلاح، رغم معاناة التصور للواقع الموجودة فيه، وهذا يرعبني كثير لأن حركة النهضة ستنتهي بنهاية هؤولاء الأفراد، فعلى سبيل المثال: من يقودون العمل الحركي في إيطاليا هم أنفسهم يتبادلون الأدوار منذ سنين رغم تدني مستوياتهم المعرفية، أو الشرعية، أو حتى السياسية. لاتجد واحد فيهم له علاقات أو اتصالات مع أولي الأمر في هاته البلاد، قل حتى بمقياس الشهائد لاأحد قاد العمل الحركي التونسي في إيطاليا إلى اليوم له شهادة رغم أنني لاأومن بهذا. لهذا تجدها لم تستطع إعداد قيادة جديدة من حوالي عقدين، بل أبناء هؤولاء يرفضون الإنتساب أصلا لهذه الحركة.
فهل من الممكن عقد مؤتمر حقيقي لأبناء الحركة في إيطاليا لمناقشة القضية؟ وهذا الأمر أعتبره من أهم القضايا المستعجلة التي يجب أن يفكروا بها.

أصعب شيء هنا في الغرب هو بناء الإنسان، لكن هذا ليس معناه أننا نعدم تحديد مسار سليم، لنضع أرجلنا على الطريق الصحيح في البناء التربوي، هذه هي القضية التي أبحث عنها، ومع ذلك لست متشائما. أقول: بكل أسف، لا نستفيد من تجارب بعضنا، وتجارب غيرنا، ونقع في نفس الأخطاء. موجودة كوادر تونسية كثيرة وكبيرة في إيطاليا، أحسنوا التعامل معهم بل تقربوا إليهم، ولذلك أدعو هؤولاء إلى دراسة الحركات الأخرى، حتى تلك المعادية للإسلام في طريقة استيعاب الطرف الآخر، واعلموا أن أحسن عمل تقدمونه لنا في هاته البلاد، هو ألا تقضي على عدوك، وإنما تضمه إلى صفك.

مازلت زوجتي تشعرني دائما وأبدا بأني فرد من حركة النهضة رغم هذه الفتنة، وجزء من كل، وأن ما يصيبها يصيبني، وما يفيدها يفيدني، وأن التخلف عن الواجب نقص في الإيمان، وخلل في الدين، وإثم لا بد فيه من التوبة والإنابة.. هذا ماقالته لي رغم صدمتها بواقع لم تكن تتخيله أبدا، من تهميش وتجاوزات مستمرة لها على مدى عشر سنوات آخرها منذ أيام، وتلتمس لهم كل مرة عذر.. رغم اقتناعها بأنه لايمكن أن يقع هذا لو وعى كل فرد بالمسؤولية المناطة به، وحرص على ماضحى من أجله أسود الداخل، واعتلى الركب أمثال هؤولاء الذين وجدوا أماهم براري وأرض قاحلة، معبّرين باستهتارهم المتواصل مرارا، على مدى قدرتهم في تجاوز الحواجز الصغيرة مثلي.

إننا كلنا مشتركون في هذه الفتنة إن صح التعبير، وكما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يقولن أحدكم:اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على الفتنة، لأن الله تعالى يقول: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، فأيكم استعاذ، فليستعذ بالله من مضلات الفتن". تفسير ابن كثير سورة الأنفال.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن!

وهذه الفتنة حسب اعتقادي ليس مبعثها الشهوات المتعلقة بالهوى، وإنما مبعثها والله أعلم الشبهات التي تنشأ تارة عن فهم فاسد، وتارة عن نقل كاذب، وتارة من حق ثابت حفي على الرجل فلم يظفر به، كما يعبر عنها ابن القيم.

لا يخفى عليكم ياأبناء النهضة في إيطاليا أن ظهور هذه السلوكات السلبية والغريبة بسبب الخوف على المشروع إن أنا أحسنت النية ولم أتفوه بشيء آخر، هو الذي دفع وبقوة بعضكم إلى رفض التنافس الشريف من بعض منافسيكم، واستعمال كل الوسائل لإبعادهم عن دائرة التنافس نحو الرياسة، أو بتعبير أدق نحو إمارة الدعوة إلى الله، خاصة بعض المنافسين الذين لا يطيق بعضكم ربما حتى سماع أسمائهم، رغم أن بعض هؤلاء المنافسين هم من أهل السبق في التأسيس ولم الشمل، ومن الذين تتوفر فيهم الشروط والصفات المتفق عليها من القدرة والكفاية، لأن المطلوب شرعا من الذي ولي من هذا الأمر شيئا أن يختار الأفضل لهذه المسؤولية، بناء على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من ولي من أمر المؤمنين شيئا، فولى رجلا، وهو يجد أصلح منه، فقد خان الله ورسوله". رواه أبو داود والترمذي، وصححه الحاكم.

أنتم الذين رشحكم القدر لمواقع المسؤولية، يجب أن يكون تعاملكم معنا وفق الأسس والمنطلقات التي أكدتها سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في اختيار وتولية الأنفع والأصلح والحكم بالأظهر، وأن لاتستعملوا قيمة الوحدة والجماعة والطاعة، ومحاولة تجميد أي نشاط أو تحرك لأي منافس يريد التغيير، باتهامه بالسعي إلى الفتنة وشق عصا الطاعة وتقسيم الصف وشقه، وهو التعسف في استعمال الحق. وبناءا على هذا الفهم الصحيح لمعنى الفتنة، وهذا التحذير الشديد من الوقوع في الفتنة بسبب التبرير والخوف، فإنه يصبح من الضروري الإستجابة لنداء: نعم نحو التخلي عن السلوكات السلبية، وتصحيح مسار الحركة هنا، من خلال تقييم مانقوله، ومراجعة ماقد قيل، وإصلاح ماقد يقال..

لعل أهم العوائق التي جعلت هؤولاء يقومون بما قاموا به إلى حد الآن هو أولا: غياب الفهم، فإذا كانت النهضة ربت أبنائها على صحة الفهم وحسن القصد، لأنهما من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده، وما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل وأجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة..

الفهم الصحيح والتراجع عن الخطأ لتصحيح المسار هو تجرد لله، وانتصار القيم الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، والمبادئ الإسلامية، وتعاليم الشريعة الإسلامية، بل هو انتصار للمصلحة الإسلامية الحقيقية العليا..

إن المطلوب منكم بل منا جميعا أن نتجاوز عن تشنجات الماضي وبنجاح، وأن نفهم جيدا واجب الوقت، فنصحح الأخطاء بالرجوع إلى المسار الصحيح لدعوتنا، حتى يبلغ مستوانا الإيماني درجة تجعلنا أوثق بما عند الله مما في أيدي الناس، وأوثق بنصر الله والرجوع إلى تونس الحبيبة إن شاء الله من مكر المتربصين بنا، وأحرص على معية الله من معية من سواه، وأن لا يقل تجردنا وإخلاصنا عن مستوى قائلا: "إنني أنزل المنزل أريد وجه الله".
ثانيا: الموازنات الخاطئة، لأن كثير منا في إيطاليا لم ينتقل من النشاط الدعوي إلى النشاط السياسي، إنما وجد نفسه وكأنه على رأس حزب سياسي، فغلّب السياسي على الديني، حتى أن أحد الإخوة الجزائريين في منتصف التسعينات سأل عن الوضع السياسي في بلده، فطلب من سائله أن يحيل سؤاله على أي أخ تونسي يعترضه، وسيجيبه بإفاضة، لأنه لايوجد أحد مثلهم في السياسة، ثم قلة العلم الشرعي عندنا، وقد جاء في قول سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح". رواه الدرامي وأحمد والخطيب وغيرهم.

ليس لأحد في إيطاليا مشكلة مع الحركة، بل لنا مشكلة مع من يقومون عليها اليوم لقلة فهمهم وضيق فكرهم، وبعبارات أدق واقع الحركة هنا غير صحي، لأن القائمين عليها لم يفهموا الواجب في الواقع.

لقد تلوثت هذه الأطر التي تقود العمل هنا بتعاملها بردود الأفعال، مما أدمجها في التكتلات الضيقة والمضرة. لقد أسسوا هؤولاء الأخوة نوع من الإستبداد، وتكرس فيهم أسلوب يتناقض مع شعارات ومبادئ الحركة، كالقيام بتجمعات ولائية، أو جهوية، أو جلسات استماع تستهدف انتقاد الأطراف المعارضة والمنافسة لها، والإقناع بتجديد الثقة فيها مستعملة في ذلك أساليب ومبررات عديدة.

ما سبق حقائق لاتنقصها الشواهد والأدلة، ومن أراد أن يستدل سيجدها ماثله أمام عينيه، إلا أن تأثير هذا الإقصاء وتنوع أساليبه ما يلبث أن ينعكس بالسالب علينا، لينتج ردات فعل مقلقة اتضحت معالمها في كثير من النفسيات، ففقدنا المناعة التي يفترض أن نكون قد اكتسبناها من ممارسة هذا الإقصاء علينا، لنصبح نحن من يمارس هذا الإقصاء بشكل موجه نحو بعضنا البعض، بل أننا وضعنا بصمتنا الخاصة فتجاوزنا الإقصاء الحزبي لنضيف إليه إقصاء فكري، أدبي، اجتماعي، فما الذي يحدث؟!!

وأخيرا أدعوا هؤولاء الإخوة وإياي ومن له تحفظ على هاته القيادة في إيطاليا، إلى الإنطلاق في السير نحو تصحيح مسار الفهم، والأداء، وممارسة الحوار ثم الحوار، فالحوار أساس الدين، وإن لم ينفع فلن يضر على رأي أحدهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى