الخميس ١١ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم السيد نجم

صورة الجندي العبري في أكتوبر73 

تجلت صورة المعارك ونتائجها في أكتوبر73، على الجانب الاسرائيلى، في عدد من القصائد والإبداع القصصي العبري.. وقد حملت وجهات نظر مختلفة ومتنوعة، ومعها تشكلت الصورة، صورة وملامح الجندي الاسرائيلى، أثناء وبعد المعارك.

قبل المعارك..

قصيدة الشاعرة "عادة أهر ونى" تظهر الجندي المصري الذي يعبر خط النار وفوق مياه قناة السويس سنة 1973 وكأنه حزين ينتظر الموت، وأنه يقاتل غير مقتنع، وأن كل تفكيره أن يعود لحبيبته سالماً:

 "صدقت الضباط
 "لن نبدأ الحرب أبدًا"
 لكن في هذه اللحظة أمرونا بأن نعبر قناة السويس
 ومن عميق نخاعي أنا أعرف:
 لم تبق إلا ساعات معدودة
 ليهبط على طائر الموت
 لماذا سأقاتل وأموت من أجل مصر والله -
 بينما رغبتي هي أن أظل حياً؟
 من أجلك يا حبيبتي ليلي،
 لأظل أحبك كل حياتي
 يا ليلاي، يا حياتي،"

«يبدو نزوع الشاعر العبري إلى الغطرسة.. كما اعتادوا وصف العربي قبل أكتوبر73»

بداية المعارك..

رواية "علامة تنشين" للروائي "حاييم سباتو"، تتناول الأيام الثلاثة الأولى من المعارك على الجبهة السورية، وكيف سقطت أسلحتهم وطائراتهم. وهى على قسمين، الأول سرد مشاعر الجنود قبل المعارك، وفيها إدانة للجندي الاسرائيلى على مشاعر التخاذل. أما القسم الثاني يعرض للثلاثة أيام الأولى، قبل التدخل الأمريكي ومساعدتها للقوات الإسرائيلية.
تمتلئ الرواية بالصلوات وإضفاء الطابع الديني على هزيمتهم، بأن ما حدث في الثلاثة أيام الأولى قضاء وقدرا.

«يبدو الجندي العبري غير واثق من النصر المعتاد، وما أن اندلعت المعارك حتى نال من نفسه التخاذل»

رواية "ملاذ" للروائي "سامي ميخائيل"، ما أن تبدأ المعارك، حتى يلجأ الشاعر العربي الشيوعي "فتحي" للعيش في منزل رفيق التنظيم "مردوخ" والذي بدوره سافر إلى الجبهة للمشاركة في القتال. ومع أخبار الانتصارات العربية، يطلب "فتحي" من زوجة "مردوخ" أن يتزوجها «بعد شيوع خبر موت الزوج اليهودي» ردا لجميلها معه، وقد حمته وكانت ملاذا له.

إلا أن الزوجة ترفض لأسباب أيديولوجية، وأنها من المستحيل أن تتزوج عربيا، حتى وان تأكد خبر موت زوجها. وهو ما يؤكد أنه لا ملاذ لعربي عند يهودي، وربما لا سلام ينتظر.
«لم يكن موت الجندي العبري في المعارك إلا خبرا كاذبا، مهما كانت شراسة المعارك. وفى النهاية لا ملاذ لعربي ولا سلام»

أثناء المعارك..

قصيدة جندي اسرائيلى، يقبع في إحدى المواقع «الدشم الحصينة لخط بارليف» بمنطقة "عيون موسى". كتبها بعد بداية المعارك، ونشرت في مجلة "باماحانيه" الصادرة عن جيش الدفاع الاسرائيلى. كتبها الجندي تعليقا على أغنية شهيرة بإسرائيل تقول: "أعدك يا طفلتي الصغيرة أن هذه ستكون الحرب الأخيرة"، يقول الجندي:

"كنت طفلة صغيرة وكنا في حرب 1948،

عندما غنيت لي:

أعدك أن الأمور ستكون على ما يرام.
ارتديت الزى العسكري، والفت لي أغنية.
ووعدتني أن هذه هي الحرب الأخيرة.
قلت لي وقتها.
سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
ومرت بضع سنين. وعدت مرة أخرى للحرب.
في معارك سيناء وحرب 1956.
ومرة أخرى كتبت لي أغنية ذاع صيتها.
واشتريت اسطوانة- ثم أخرى.

لأنك وعدتني مرة أخرى:

سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
وذهبت مرة أخرى إلى الحرب والدماء.
وكتبت لي قصيدة جديدة، متفائلة وبريئة،
طبعت على الفور في كل دواوين الشعر. ووعدتني مرة أخرى وقلت:
سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
وهكذا وصلنا إلى حرب أكتوبر.
وسارعت مرة أخرى إلى تأليف المزيد من القصائد.
ومرة أخرى قلت لي: يا طفلتي الصغيرة.
أنا الآن كبيرة. ولم أعد أصدق.
إن كان لابد أن نحارب فلنفعل ذلك.

ولكن على الأقل، يمكنك أن تتوقف عن كتابة القصائد وإطلاق الوعود."

«يعيش الجندي العبري حالة من الشك في الانتصار، لذا كان النزوع إلى نهاية الحرب، وليس للسلام»

رواية "نار" للقاص "يوفال نريا".. سجل الكاتب على الغلاف الكلمات التالية: "كثير من الأحداث التي وردت بين ضفتي الكتاب، حدثت في الواقع كما هي، لكن جميع الشخصيات من وحى خيال المؤلف". ولأنها الرواية التي ترصد أصعب أيام المعارك، حيث سقوط خط "بارليف"، يبدو أنه كان يلزم على الروائي التنازل عن الغطرسة العبرية «كما كانت في الأعمال الإبداعية حول حرب67».

لم يصف غطرسة القادة العسكريين، وشعور صغار الضباط والجنود، بل ولا حجم الكارثة التي ألمت بالجميع. فقد انتصروا لثلاث مرات سابقة لكنهم لا يحتملون هزيمة واحدة.

منذ الصفحات الأولى، سجل الكاتب ما جاء في تقرير المخابرات: "لن تقع حرب في يوم الغفران". أما وقد وقعت وتحملها صغار القادة والضباط، فلا حيلة أمام القاص إلا متابعة "يائير" نائب قائد وحدة عسكرية طوال العمل الأدبي، وكيف شعر بالغصة مع الاندحار الذي الم بالوحدات الإسرائيلية وبالمواقع الحصينة على خط بارليف؟ وكيف استقبله الأهل والجيران بالاستنكار والرفض. إنها وللمرة الأولى تجيء صورة أحد صغار القادة العسكريين أو الجنود، منكسرة وربما محطمة تماما. وأخذ القائد العسكري يلوم نفسه حتى مرض وهو يقول:

"لقد كنت أعرف أن الحرب ستقوم، كنت واثقا..!!"

«لعلها من المرات القليلة التي يعترف فيها الكاتب العبري بالهزيمة، وان بدت محدودة بقائد وحدة عسكرية، وليست هزيمة للحرب وجيشهم» 

رواية "حرب جميلة" للروائي "دان بن آموتس".. حيث يقول الراوي، أنه استلم طردا بعد الحرب، من صديق له مات في المعارك.. يتضمن، قصة ومقال نقدي ورواية، وخطاب شخصي إليه.. ويطلب منه أن ينشر هذه الوثائق.

يقرر الراوي نشرها، بعد إعادة صياغة بعض الجمل، وإضافة بعض الفقرات. فبدت الرواية مليئة بمشاهد من المعارك الحربية.. مع إثارة الأسئلة الوجودية حول معنى الحياة، أو معنى الحياة داخل إسرائيل كموطن.

إلا أن الروائي لم يلتزم بواقعية الأحداث، بل جعل انتصار العرب كاسحا حتى وصلوا إلى "تل أبيب". ويصورهم ينكلون في الشعب الاسرائيلى، انتقاما مما حدث معهم من قبل.. وبذلك كانت الرواية الأولى التي تصدت بالهجوم على القادة السياسيين في إسرائيل، بحكم تاريخ نشرها.

«لم تكن الهزيمة للجندي المحارب، بل للجميع»

أثناء وقف إطلاق النار..

رواية "ريش" للروائي "حاييم بئير".. تحكى عن الصداقة الوثيقة بين طفل ورجل غريب الأطوار "مردخاى"، وذلك بمدينة القدس عام 1950م. لقن "مردخاى" صديقه الطفل حلمه بتكوين جيش يوزع الأغذية والمأكولات..«وهى فكرة الفيلسوف اليهودي النمساوي "جوزيف بوبار"، بأن تتولى الدولة توزيع الأغذية على الأفراد». ويدخل "مردخاى" مستشفى الأمراض العقلية بسبب فكرته، ولا تنقطع صلة الطفل، الذي تابع أخباره، وعرف أنه تزوج من سيدة يمنية وأنجب طفلا.. وفى أكتوبر73م، يكبر الطفل ويشترك في المعارك، في مهمة جمع رفات القتلى، عند الكيلو101 طريق القاهرة-السويس، أثناء مفاوضات فض الاشتباك. وأثناء ذلك، هبط ثلاثة جنود للسباحة في قناة السويس، أصيب اثنان وقتل الثالث، وتبين للراوي (الطفل) في بداية الرواية، أن القتيل هو ابن صديقه القديم.. قتل الابن وهو المكلف بنقل الأغذية إلى الجنود كما كان يحلم بها الأب.. مات الحلم إذن. يؤكد الروائي أن الابن مات بلا داعي، يبدو أنه ورث الجنون عن أبيه.

«مات الجندي العبري إذن! مات الحلم!!»

نهاية المعارك..

رواية "ظهور الياهو" للروائي "س.يزهار".. وهى من الروايات التي تدين القيادات الكبيرة أيضا، وفيها عرض لذكريات حول معارك أكتوبر والرأي حولها، من وجهة نظر الاسرائيلى الذي دفع إليها، دون رغبته.
يذكر أن الروائي عرض لمشهد في الرواية، لتعذيب وركل الأسرى المصريين، فلما سألوه عن هذا المشهد، أكد أنه رآه رؤية العين. وقد هوجم بسبب تصريحه هذا من كل التيارات السياسية في إسرائيل.

«لم يكن المحارب العبري المهزوم جنديا بسيطا، بل نالت الهزيمة من القادة العسكريين، والسياسيين»

رواية "الصحوة الكبرى" للروائي "بيني برباش".. لجنة التحقيق العسكرية تحقق مع العقيد "ايلى هانجبى"، وهو ما يخشى معه أن يجمد في وظيفته العسكرية. الحل كله مع شهادة رفيق السلاح النقيب "أساف" الذي أصيب بإغماءة وفقدان الوعي، وحتى نهاية الرواية.

الراوي لم يتناول أحداث الحرب العسكري، لماذا يحاكم العقيد، وكيف أصيب النقيب. لكنه يدين القيادات الكبيرة في السن والرتبة، ولا تترك فرصة للأجيال الجديدة أن تعمل. في آخر الرواية، تقول والدة النقيب وهى تتأمل ابنها فاقد الوعي:

"إن الحرب كانت فظيعة، ولكنهم يقولون أن الحرب القادمة سوف تكون أفظع"

«نالت الهزيمة من الجندي، ومن الجميع، وانتابتهم الفزعة من الحرب، الحرب القادمة أكيد»

بعد المعارك..

رواية "رحلة في "آب"1980 للروائي "أهارون ميجيد".. تبدأ الأحداث بعد انتهاء معارك أكتوبر، يسافر "دانينيل لفين" إلى الولايات المتحدة حزنا على فقد ابنه الكبير في الحرب. وجعل من ذهابه هدفا، وهو البحث عن الابن الثاني، الذي هرب من الخدمة العسكرية بالسفر.

أثناء الرحلة تتشابه رحلته الأولى أثناء البحث عن ابنه مع أباء آخرين، على أرض سيناء.. تتشابه مع رحلته إلى أمريكا بحثا عن الابن الهارب.

ويأتي اختيار الاسم "رحلة "آب"" بتلك الرحلة التي بدأتها إسرائيل كلها، بالانسحاب من سيناء في "آب" 1978م.
«الجندي العبري يهرب من أرض المعركة»

#قصة "نيكول" ركز القاص "إسحاق بن نير" على الشعور بالذنب الذي الم بالجنود، بعد الحرب في أكتوبر73. هاهم "يائير"، "عامير" و"عيران" ثلاثة جنود كانوا على الضفة الغربية مع بداية المعارك، بينما "باركو" قائد سلاح المدرعات في أحضان عشيقته في فندق ببئر سبع. وظلت عشيقته "نيكول" تنتقم منه من خلال إثارة شعوره بالذنب لعدم تواجده بين جنوده. (أفاض القاص في سرد محاولات الجنود والضباط الاتصال به، لنجدتهم).. وبالتالي التأكيد على فكرة تحميل القادة مسئولية الهزيمة، بسبب "الغرور" الذي سيطر عليهم بعد معارك 67م.
مؤكدا على وجهة نظره، سرد القاص (ص176) على لسان القائد في جلسة خاصة مع ضابط المخابرات عشية اندلاع المعارك أي في 5-10-73م وقال:

"لا يمكن أن يشن المصريون حربا، لماذا تصيبكم الهستيريا مع كل تحرك للقوات المصرية في غروب الشمس"
(وهناك أعمال أخرى تشير إلى تهمة التقصير للقادة العسكريين، لأن الحرب كانت متوقعة، ولم ينتبه أحد منهم إلى ذلك.. رواية "التعرف على امرأة/ للروائي عاموس عوز"، ورواية "العاشق/ للروائي أ.ب.يهوشواع"، ورواية "بيت شخص آخر/ للروائي إسحاق أور باز".. فقط نشير هنا أن تلك الروايات لم تتناول أكتوبر 73م تفصيليا، أو موضوعها المحوري، إلا أن الروائيين أشاروا إلي الحرب ضمن أحداثها.. الجندي الصغير غير مسئول عما حدث، انه تقصير القادة)

رواية "العاشق" للروائي "أ.ب.يهوشواع".. كتبت الرواية على صورة منولوجات عن ست شخصيات، تمثل كل شخصية إحدى جماعات المجتمع الاسرائيلى. تبرز الحكاية السادسة شخصية عربية، فقد كان "جبرينيل" عشيق زوجة "آدم"، ولأنه من طائفة دينية لا تخدم في الجيش لأنها تحمل التوراة، يبدو أنه هرب من المعارك، وأعتبر مفقودا، حتى عثر عليه "آدم" مصادفة. بينما تأتى شخصية "نعيم/العربي" عشيق ابنة "آدم".. نحن أمام ورثة "آدم"، "جبرينيل" و"نعيم" «طوائف التراث القديم، ثم عرب فلسطين». بينما يشعر "آدم " بالاهانة من عشيق زوجته «جبرينيل/ اليهودي»، وبينما آدم وعشيق زوجته والعربي في الحزب الشيوعي.. لا يجد في العشيق خطورة العربي.
يسعى "آدم" في الجزء الأخير من الرواية، أن يزيح "نعيم" –مع ذلك!- عن طريقه وطريق ابنته بإعادته إلى قريته «قرية نعيم»، وبعيدا عن ابنته ومكانته الحالية.. وهنا قيمة الرواية في توضيح فكرة "الإزاحة" للعرب دوما، وان تناولت موضوعا في شكله معارك حربية.

«وأيضا ظهر الجندي العبري الهارب من المعارك»

هذه شاعرة تلعن الحرب، ربما للمرة الأولى يتزحزح الشعار الصهيوني بضرورة مواجهة العربي بالعنف، كتبتها الشاعرة "عاده أهر ونى" تقول:

"لا أستطيع كراهية السوري من الجهة الأخرى
الذي يحمل بندقية فرنسية، وصاروخ "سام" روسي
لأن كلينا جنود دمى
لتجار الحروب المتسابقين
لبيعنا ويبيعوننا نحن جنود الدمى
في هذه الحرب القذرة، الحرب القذرة"

كما لم تتنازل الشاعرة عن رؤيتها القاصرة إلى الجندي العربي، في "رسالة إلى الجندي المصري".. تتخيله فاراً من كل المعارك، حجراً أبكم لا يصد ولا يرد ولا يعرف الشفق من الغسق، ولا يعرف إلا تنفيذ الأوامر التي تصدر له من المسئولين، لأنها صورة المحارب العربي النمطية في الأدب العبري بشكل عام. يقول "أبوشمالة" في كتابه "الحرب والسلام في الشعر العبري والعربي".. كان القاسم المشترك الأعظم لوصف العربي مقاتلا ومحاربا هو الجبن والهروب.. ما أن تبدأ المعركة حتى نرى العربي يلقي سلاحه ويهرب، بل في كثير من الأحيان لا يستعمل سلاحه، ولعله لا يجيد استعماله ولا يقاتل عن مبدأ.. بينما المقاتل اليهودي دائما هو المنتصر على الرغم من كثرة عدد العرب وقلة عدد اليهود المقاتلين. وإذا وقع العربي في الأسر راح يحاسب نفسه على ما عبر عليه، أو يقاتل بلا اقتناع، أنه مدفوع الأجر، على خلاف اليهودي الذي يضئ لحمة المحترق الطرقات، تقول:

 "أنا أعرف أنك في هذه المرة الرابعة
 لم تهرب لأنهم قالوا لك:
 هذه الأرض هي أرضك تمسك بها"
 لكنني أعرف بأنك الليلة
 تحت سماء الإسرائيليين
 أنت تسأل نفسك: "لماذا أنا هنا
 ولست مع زوجتي وأولادي"

ويعلق أبوشمالة على هذه الأبيات فيوضح: "تقول للطيار المصري الأسير، إنك لم تهرب هذه المرة، لأنهم قالوا لك هذه أرضك أي أن الجندي المصري هرب قبل ذلك في حروب 1967، 1956، 1948، تلك الحروب التي حارب فيها الجندي المصري بعيدا عن أرضه على أرض سيناء وفلسطين. كما ترى الشاعرة بينما في حرب 1973 يصمد ولم تقل ينتصر لأنه يدافع عن أرضه".

ويقارن "أبوشمالة" بين هذه وما كتبته "عاده أهروني" للجندي الإسرائيلي الذي قتل أثناء التفجير، وبلغة عبرية أدبية فيها من التفخيم ما يختلف عن اللغة العبرية الموجهة للجندي المصري، تقول:

 "لحمك الشائط
 توهج مع كرة النار
 مع اللهب المتطاير،
 قريبا إلى الحب، والنبالة، والشجاعة
 ورذاذهم يشتعل ثانية
 على جمة الوجع في قلوبنا"

(انه تمجيد الجندي العبري القتيل) 

قراءة لصورة الجندي العبري في معارك أكتوبر73 وما بعدها.. سرعان ما عبر الشعر العبري عن صدمة معارك أكتوبر73، والشعر دائما يتقدم أشكال التعبير، ثم تجيء القليل من القصص القصيرة ثم الروايات.. لم يكن "العربي" سواء في الأعمال التي تناولت الجبهة المصرية أو السورية في معارك 73م، سوى خلفية للحدث المروى على لسان الشخصية العبرية «في القص».. أو مخاطب على البعد «كما في الشعر».. غالبا لم تكن "الجبهة" حيث المعارك والصراع، هي المكان الدال على المعاني والدلالات التي يريدها الكاتب. مرة يشير أحدهم للجبهة ويتناولها من الخارج، لتبرير فكرة "إزاحة العرب" بالرغم من كل شيء «أعنى الهزيمة العسكرية للإسرائيليين».. ومرة تجيء الإشارات إلى الحرب والمعارك للتأكيد على أنه أبدا لن تكون أرض فلسطين ملاذا للعرب أو الفلسطينيين.. جاءت بعض الأعمال قريبة من الأعمال الذهنية، من خلال البحث عن أسئلة الوجود، وهو ما يعبر عن حجم الأزمة النفسية التي تعرضوا لها بعد المعارك.. إن بدت الأعمال الأدبية قبل 73م حريصة على إخفاء "العربي"، بدت الأعمال بعد 73م أشبه بمحاولة لجلد الذات الإسرائيلية.. وفى كل الأعمال لم نجد العربي/الإنسان في حالة مواجهة وحوار وتعامل سوى وطبيعي وانسانى مع العبري الذي وضحت ملامح صورته هذه المرة على غير المعتاد في كل الأعمال الإبداعية السابقة لأكتوبر73، بل بدت شخصية مضطربة ويمكن أن تقتل في معركة مع العرب!

بدت تلك الحرب هي زلزالا دك الكثير من المفاهيم، حتى بدا الإبداع العبري يتخبط بين الهجوم على المحارب العربي، إلى الهجوم على قادتهم العسكريين، وإلى السخرية مما أنجزه الجندي العربي المحارب وتذكيره بهزائمه السابقة، وإلى طلب إعادة النظر، والسؤال حول جدوى الحرب؟ وأيضا ليس السؤال عن "السلام".

وخلال تشكل هذا المعطى لنتائج معارك أكتوبر73، كانت صورة الجندي العبري، أولا تخلو مما اتصفت به في الأعمال الإبداعية التالية لمعارك48و65و67 من علامات البطولة الأسطورية، في مقابل صورة الجندي العربي المتخاذل دوما.. كما جاءت ملامح صورة الجندي العبري مختلفة ومتدرجة مع تدرج حرارة المعارك ونتائجها، وان كان الجندي العبري في البداية يرغب في التقاعس، فقد وصل به الأمر إلى أن فقد حياته، وحتى ولولت أمه لاعنة الحرب الشرسة والتي تتوقع أن تكون أكثر شراسة في الحرب التالية.

تعدت ملامح الصورة، التقاط الجندي البسيط، وبدت كئيبة حتى الجنون لكبار القادة العسكريين والساسة.. إنها إذن صورة الانتصار المتحقق لمحاربي أكتوبر73من العرب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى