الاثنين ١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم تحسين عباس

وعكة شعرية

لرقة ُ تنساب من عينيها في أفق هواجسهُ تتلظى بأريج الانجذاب لكنها تأبى أن تبوحَ له بما راودها من خيالٍ دافقٍ أشعلها اهتماماً عندما زار مقهاها للمرة الثانية ليتصفح صفحات الفضاء المليئة بغرابة المعلومات.

ترمقهُ بخفاءٍ وتصدُّ بنظراتها، سارقة ً انتباهه بلهفة معرفتها.

هكذا غادر مقهى التصفح وفي جعبةِ اهتياجاتهِ تساؤلاتٍ حيرى من ظمأ الشوق الذي كان يتلاعب بأنفاسهِ كلما دعتهُ خيالاته الأدبية إلى مأدبة حكايةٍ ندية ٍ في عشق ٍطاهر

يستنشق الأمل برائحة ما تسكبهُ عدسة الذاكرة في ذهنهِ الرقيق فتجول ُفي خاطرة ابتساماتهِ علاماتٌ توحي للناظر إليه بانَّ شاغلاً أردفه ُ يحادثُ نفسهُ:
أنها كانت تهمس بعينيها السوداويتين بهاجسٍ أفحمها فضولاً للتعرف بي.

هل جذبتها وسامتي أم أناقتي ؟! لا أظنها تعرف عني شيئاً.
آه ٍ من صمتها الذي وشم اهتمامي.
كم أرهقني حين اثملَ أنفاسي في عزلة الزمن،
وأنا ارتشف صوتي في عالمِ التيه،
 تمنيت أن تتسعَ حنجرتي في تأمل وصف عينيها؛

يصحو على نداء ٍ يهتف: امجد..امجد يلتفت ُمندهشاً إلى مصدر الصوت لا يرى احداً يعرفهُ، كان شخصاً يشاطره في الاسم.
ترتجز به خطواتهُ إلى متنزهٍ يستشف ُّ منه راحة خياله الذي مازال مشدوداً بذاك الوله المجهول القابع بين زوايا مقهى التصفح. يجذبهُ هاجسه المتخفي عند عقارب الزمن لتنال منه أبيات ٌ من الشعر، أبت ألا تمهلهُ حتى تخرُجَ من عالمِ صمته ِ:

الشوق محمومٌ بها وعليلُ
والصمت منها قاتـــلٌ وقتـيــل ُ
أضنتْ فؤادي ثمَّ دقت بابهُ
فارْتاح بالشكوى وصار يميلُ

ما هذا الذي قلتهُ ؟! هل أنا في توحم ٍ عاطفي ؟ إذن ما عليَّ سوى الذهاب إلى بيتي كي استحوذ على بوحي بأوراق عتيقة ركنتها عند رفوفِ مكتبتي.
رتق همته ُفي الوصول والطرقات تتعثر بين قدميه لتشق مرأى زقاقه ِ المخبوء في لهفة ٍموشومة ٍعلى نبضاتهِ المتأملة ولادة َحبيب ٍ يآنس ُ وحشتـَهُ في ردهاتِ الليل.

تخيلاتـُه ُ تستبقُ وصولَه ُإلى بيته ِ مستجمعة ً أنفاسَه ُفي اناغيم ٍ تعتقُ شِعرَهُ على اسطر ٍ تستمتع بها أحداقه حتى يأتي الصباح الماكث بين عقارب الزمن عندما تفك ُّ عناقها في ليلٍ راسف ٍ أرخى سدولَهُ للقاءٍ يقرِّره الغد.

النجوم تنقش بريقها على صفحات وريقاته في إكمال ما جال بهِ إلهامهُ من أبياتٍ خالجتْ وجدانهُ الشفيف:

 سَبــقتْ قصيدي قبل أن راودتهُ
فتعثــَّرَ الإيحاءُ والتفعيــــــلُ
فا سـْتسلمتْ كلُّ القوافي منطقاً
وغدتْ تغازلـُها بها وتجـــولُ
فسقت بقاعَ الروح من نظراتها
 واخضرَّ فكري واسْـتفاقهُ ليلُ
جمعتْ حروفاً أطربت عودَ الهوى
نغماً بلا وترٍ وصارَ ثميلُ
فالحبُ إعجابُ وحَسّ شاعرٌ
يتلـــــوهْ قول ٌ بالشعورِ جميـــل ُ
والعشقُ جذبٌ في النفوسِ بريقهُ
يتلوهْ.. ليلٌ ساهرٌ ونحــولُ
سائلتُ نفسي أيهم بيَ ساكنٌ
ردّت عليّ سؤالـِيَ المســــؤول ُ

المرآة تشهد أبهى إطلالة ٍ عليها تفقدت تسريحة شَعرهِ وأناقة ِ طاقم ِ ملبسه ِ ببريقها المتلألأ في عينيه السوداويتين ووجهه الغسَّانيِّ.
مرافئ الصباح تستضيفه ُ على نفحات ٍ متيمة ٍ لرؤيتها فتركب ُ خطواته ُ آثارَ الطريق السالك ِ للمقهى.

تترنم شفتيه لصياغة ِ تحية ِالصباح ِ في ابتسامة ٍخجولة ٍ يسكبها قلبه ُ على أطراف لسانهِ الذي لعثمـَهُ الانبهار في نبضات مشاعرهِ.

أهلا بكَ. صباح النور
ذاك كرسيُّك وتلك مطفأة السكائر التي كنت تملؤها دائماً.
حسناً أشكركِ، منذ متى وأنت تعملين في هذا المقهى ؟
ابتسمت قائلة: حينما كتبت أول قصيدة ونسيت حذفها من الجهاز ومنذ تلك الفترة كنت أتابع ما ترسله إلى المواقع الأدبية.
يسعدني ذلك بالتأكيد ولكن لولا عرَّفتيني باسمك ِ؟
أسيل.

أخذتْ متابعتـُه إلى ما ينشر على صفحات الأثير تتجول ُ في زقاق الأدب وتستطلع آراء الشارع الفضائي فيما يكتب من أشعارٍ وقصصٍ قصيرة هكذا واستأنفت أنامله ُ قصيدتـَهُ الجديدة مردفا إياها أبياتاً حتى النهاية.

ألفٌ تآلفُ قلبها سينٌ سنا
ياءٌ يرى لام لظاهُ أســــــيــــــل ُ
فاحـْتارَ ليلٌ في النجوم ِعلامة ً
هو حاضرٌ أم غائبٌ وأفول ُ
فتراشقت أفكارُ حلمي غيرة ً
أن َ في هواها أم هناكَ خليــــل ُ
ردتْ عليّ بقلبها المترقرقِ
 لن اهوَ غيركَ في الهوى وأحيلُ
فتغازلت معيَ الحياةُ وأصبحت
ترنيمة ً مطروبة ً ودليــــلُ
فبكت عيوني في الهيام بحبّها
فابيضّ من إحداقها التبجيــلُ
فغدوت اعشق دمعي المتدفقِ
وأغارُ منه أذا أتى التنزيــلُ
فتشبّع الإحساسُ تذكيراً بها 
ففقدت حَسّ الحبّ وهو سليـــلُ
وغدوتُ لا ادري بنفسي هل أنا
هيَ أم أنا نفسي وتاهَ سبيل ُ
يُغمى عليَ وغفوتي صحوٌ بها
أشكو غرامي والغرام عجولُ
يا ايّها العشاق يكفي لومكم
صارَ الجنونُ بها نهىً محمـــول ُ
قالت أذا كنت الذي أحببتني
لو ننكوي شغفاً فصرت أقـــول ُ
ما قلت إني أنكوي نارا ولا
 ادري. بناري انكوى القنـــديــــل ُ
سمع الورى بحكايتي فتعجّلوا
 ولها ً بسيرتها وجنّ القـــــول ُ
هو لوعةُ شفافةٌ مجنونةٌ 
 مطروبةٌ لا يعرفُ التعليـــــــــــل ُ
أوصافها تسري بليلٍ داجن
 تغدو يحاكي قلبها التهليــــــــلُ
وتنهّــــدٌ متألــــمٌ في باطـــــنٍ 
 وتعلّقٌ وتشابكٌ مجبــــــــولُ 

وبعد ساعات فارقت عيونه المقهى تاركة آثارها في زقاق الفضاء لكي تقتفيها استطلاعات أسيل.
ابتسامة ٌ مرهفة ٌ تمشـِّط جغرافية َ القصائد التي تركها على أيقونة الكتابة تمتهن إعجاب أسيل. تأخذ نسخة منها مطلعة ً أمها على ما كـُتب فيها من غزلٍ عذري. تسكت الأم وفي قلبها أسئلة ٌ معبأة ٌ تجرفها إلى شواطئهِ ذات يوم كي تخبره ُ أن يبتعدَ عن ابنتها.
يستفهمها مُلحـِّاً.

يا بني: افهم أن ابنتي مصابة بغرور جاذبيتها.
 
 
 
  
 
 
 
 
 
 
 
   


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى