الجمعة ٥ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم حسن المير أحمد

العقل المعطوب.. والقلب المثقوب!! 

 
 يجاهد المرء مذ تفتح وعيه الأول لكي يحظى بحياة ذات معنى وجدوى، يكون فيها فرداً نافعاً في مجتمعه يستزيد منه ويضيف إليه ضمن علاقة جدلية إيجابية دافعة نحو آفاق أكثر اتساعاً ورحابة، ما يعني مزيداً من التنور والأريحية والتطور المعرفي لتحقيق ما يستحقه الإنسان من هذه الحياة..

ولكن ماذا لو تغيرت المعطيات، وتكالبت الظروف القاسية على مدى الأيام، وغزتك الهموم والمشكلات في حلك وترحالك.. في ليلك ونهارك، فأثقلت على عقلك وطأتها وعاثت فيه تنكيلاً ونعراً وحفراً ووخزاً حتى أعطبته ودفعته إلى الاستسلام مكرهاً؟

 وماذا لو زاد على ذلك إحباطات عشق متلاحقة أرهقت قلبك ونخرت فيه ثقوباً حتى صار مثل غربال عتيق؟!

هي حالة افتراضية، لكنها ليست بعيدة عن الواقع.. فقد تكون من الناس الذين غادرهم حسن الطالع إلى غير رجعة، وهاجمتك آفات المحيط، وحاصرتك مشكلات العمل والحياة بمداميك تعلو رويداً رويداً حتى تكاد أن تحجب نور الشمس عنك، لتأكل الرطوبة ما تبقى من جسدك وتعطب عقلك الرازح تحت أطنان من الأفكار المتنافرة والتيه، والذي فقد سنده الوفي الدائم حين ثقبت القلب سهام الألم والفجائع وعملت فيه أصابع الانكسارات ما عملت إلى درجة جعلته يئن على صدى أبيات المتنبي:

وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ

إذاً، فحين تصبح رجلاً (خيالاً) ذا عقل معطوب وقلب مثقوب، فإنك سوف تجد نفسك أمام خيارين: إما الاستسلام لوطأة الحالة الموصوفة متخلصاً من تعب التفكير والحسابات التقليدية الباردة وتمنح عقلك إجازة طويلة لاوقت محدداً لنهايتها، تاركاً قلبك المثقوب ينزف دماً وصديداً حتى تذوب أوردته وشرايينه ويتحول إلى قربة صغيرة جافة يكسوها الغبار ونثرات القش التي حملتها رياح خماسينية ساخنة، وإما أن تعد العدة للعودة إلى الحياة واقتناص لحظات الفرح الهاربة وترميم ما تبقى من عقلك المعطوب وانتظار اندمال ثقوب قلبك الموهن لعلك تستطيع امتلاك المشاعر الحلوة من جديد بعد أن فقدت القدرة على الحب، ونسيت الضحك ونكهة البهجة.

 هما خياران لا ثالث لهما، وضعت أمامهما لتحديد مصير أيامك المقبلات.. ولربما كانت أبيات "المعري" معيناً لك في الخيار السديد، حين قال:

الأمرُ أيسرُ مما أنتَ مُضمرُهُ؛ 
فاطرَحْ أذاكَ، ويسّرْ كلّ ما صَعُبا
ولا يسُرّكَ، إن بُلّغْتَهُ، أمَلٌ؛ 
ولا يهمّك غربيبٌ، إذا نعبا
إنْ جدّ عالمُكَ الأرضيُّ، في نبأٍ 
يغشاهُمُ، فتصوّرْ جِدّهُمْ لَعبِا
ما الرّأيُ عندكَ في مَلْكٍ تدينُ لهُ 
مصرٌ، أيختارُ دون الرّاحةِ التّعبا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى