الاثنين ٨ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

تل الحكايا سيرة مناضل ونضالات شعب

تقع رواية تل الحكايا للأديبة الدكتورة وداد البرغوثي في 215 صفحة من الحجم المتوسط، وصدرت الرواية التي صمم غلافها مهدي شمص عام 2007 عن دار الخيال في بيروت.

وداد البرغوثي: شاعرة وروائية وقاصة وصحفية فلسطينية مولودة في العام 1958 في قرية كوبر قضاء رام الله.

 تحمل شهادة الاستاذية – الدكتوراة في الصحافة والاعلام.

 عملت وكتبت في عدة صحف ومجلات محلية وعربية.

 تعمل الآن رئيسة لقسم الاعلام والصحافة في جامعة بير زيت.

 صدر لها عام 1991 ديوان شعر– سقوط الظل العالي– للفقراء فقط .

 رواية ذاكرة لا تخون عام 1999.

 الوجوه الأخرى – رواية عام 2007.

 رواية «تل الحكايا» التي نحن بصددها.

تفتتح الكاتبة روايتها بالاهداء الذي جاء في سطره الأول «الى أبي في ثراه، رمزاً لكل المناضلين الذين أكلهم الآخرون لحماً ورموهم عظماً» وهذا بحد ذاته مع ما يمثله من وفاء الكاتبة وحبها لوالدها حياً وميتاً يشكل اختصاراً لمضمون الرواية، فوالدها المرحوم عادل البرغوثي أمضى عمره في خدمة وطنه وشعبه، وقضى في السجون أكثر من عشر سنوات وفاء لمبادئه، بل انه خسر حياته الشخصية في سبيل ذلك،عانى من عذابات التحقيق ومرارة السجون، وشظف الحياة، بل ان أسرته عانت هي الأخرى جراء ذلك، مات وماتت معه أسرار كثيرة، فرضتها ظروف العمل النضالي السري الذي عاشه، وهذا ما شكل حيزاً كبيراً في فكر ابنته الكاتبة التي كانت حريصة على معرفة أسرار والدها حتى تنصفه ميتاً على الأقل،
«لقد ظُلم هذا الرجل، ظُلم كثيراً من قبل أناس تعذب وقدم جسده على مذبح أمنهم وسلامتهم، من أجل الحفاظ على أسرارهم، وها هم يتنكرون له، فهل أقل من محاولة رد اعتبار أقوم بها ازاءه»؟ص20

والكاتبة التي هي“نجاة” في الرواية عانت هي الأخرى كنتاج طبيعي لمعاناة والدها، فقد زارته مرة واحدة في السجن، وهي في عمر الخامسة تقريباً«كانت هذه أول مرة أرى فيها أبي ويراني، فقد ولدت بعد اعتقاله بحوالي سبعة أشهر ليكون يوم اطلاق سراحه الثاني ثاني مرة أراه فيها»ص21

ومعروف أن والدها اعتقل في العام 1957وحكم بالسجن خمسة عشر عاماً بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي الأردني، وأفرج عنه بعفو ملكي في العام 1965 أي انه اعتقل و“نجاة” في شهرها الثاني في رحم أمها.

ويعتقل والدها مرة ثانية في العام 1974 على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي حيث كان يقود الجناح العسكري للجبهة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت من تحالف بعض الفضائل الفلسطينية بقيادة التنظيم الشيوعي الفلسطيني في حينه، والذي تحول لاحقاً الى الحزب الشيوعي الفلسطيني، ثم الى حزب الشعب الفلسطيني بشكله الحالي، ويتعرض“سعيد”لتعذيب شديد لفترة طويلة، يقول رفيقه الأسمر:«أبو جهاد لم ينبس ببنت شفة، لقد عضّ على الألم، حمانا بصمته، حمانا بصموده، حمانا بألمه»ص21 وأبو جهاد هو“سعيد” في الرواية ،هو والد نجاة، هو ذلك الفلاح الذي كتبت عنه مجلة الغد الحيفاوية عند اعتقاله«الفلاح الذي يستحيل تحطيمه» ويقول رفيقه المالحي عن صموده «في التحقيق لم يسألوني عن شيء مما هو مشترك بيننا، كل من ينهار ويدلي بمعلومة صار يخرج بطلاً، ويحملها للعبد الفقير سعيد الفلاح، لذا لم يحققوا معي أنا حول علاقتي به، لأنني لم أعطهم شيئاً، ولو كان هو اعترف وأعطاهم لما أنهوا التحقيق معي»ص137

اذا ما الذي اعترف به سعيد الفلاح -هذا الرجل الصلب الذي يعتبر الاعتراف خيانة- وكان سبباً كافياً لمهاجمته ومقاطعته من قبل الآخرين، بالرغم مما تعرض له من تعذيب جسدي ونفسي كبيرين، بما في ذلك التهديد بالاعتداء على ابنته نجاة،« وازن بين أمرين،ما وصلهم من المعلومات من اعتراف غيره، عن وجود المتفجرات بحوزته وصل وانتهى، المتفجرات لم تنفع أحداً، وأصبح يخشى من وجودها في أرضه أن تنفجر ذات يوم بأحد فينكشف أمرها وأمره،بعد ان تقتل أحدا من أفراد عائلته،أو أحدا من الرعاة،درس الأمر في ذهنه،أن يعطيهم هذا القليل الذي يعلمون به مقابل الحفاظ على الكثير الذي لا يعرفونه»ص207

لكن الكثيرين ممن أدلوا اعترافات حول كل ما ومن يعرفونه لبسوا ثوب البطولة، وحمّلوا المسؤولية الكاملة لسعيد الفلاح، الذي هوجم على ذنوب وخطايا الآخرين واختار الصمت رفيقاً له الى ان انتقل الى جوار ربه، عاش كادحاً مناضلا صلباً صامتاً، ومات دون ضجيج، فهل كانت نجاة منحازة الى والدها؟ بالتأكيد هي منحازة له وهي فخورة به، لكنه والحق يقال هكذا كان، ويحق لها ولشعبه أن ينحازوا له وأن يفخروا به.

وفي تقديري الراوية “نجاة” لم تقصد أن تكتب جزءاً من سيرتها الذاتية الا بمقدار ما يخدم سيرة والدها– سعيد الفلاح – فقد حرمت من والدها في طفولتها المبكرة، حيث اعتقل والدها ووالدتها حامل بها في شهرها الثاني، وأفرج عنه وهي في السابعة من عمرها، ومع ذلك لم يتفرغ يوماً لأسرته الصغيرة، كان يوازي بين العمل في الأرض لإعالة الأسرة، وبين العمل النضالي السرّي، فقد ثلاثة من أبنائه أطفالا

 عفاف ونضال وجهاد – نتيجة للفقر وقلة الرعاية الصحية، مات وهو أب لفتاتين، لم يحاول الزواج مرة أخرى على زوجته طمعاً في انجاب ابن ذكر في مجتمعنا الذكوري، واحترم انتظار زوجته له وهو في السجن، ذاقت زوجته وابنتاه مرارة العوز والحاجة، والحرمان من كسوه وحذاء حتى في الأعياد وكبقية الأطفال، ومع كل هذا فقد كان حريصاً على تعليم ابنته نجاة، تحدى كل العادات والتقاليد التي تمنع فتاة من الانتقال من قرية الى المدينة حتى لطلب العلم، لكنه كان على درجة كافية من الوعي بأن يوفر الحماية لابنته حتى أكملت دراستها الثانوية، وازداد تحدياً للجميع بأن وقف معها وجهزها بما تحتاجه ديناً لتسافر الى الاتحاد السوفيتي في بعثة لاكمال دراستها الجامعية، ولم تقتصر رعايته لأسرته الفقيرة بل كان عوناً لأشقائه وشقيقاته أيضاً.

وسعيد الفلاح عاش في أسرة قروية عادية، السلطة فيها للجد وللأب من بعده، لم تتح له فرصة التعليم الا في الكتاتيب– تعلم القراءة والكتابة في سجن الجفر الصحراوي على أيدي زملائه المعتقلين– عمل في الأرض ورعى البقر ونام معها في البراري وهو طفل صغير، وتزوج من ابنة عمه التي تكبره في العمر بقرار من أبيه كما هي عادة أبناء القرى في جيله.

لم يتذمر، وانضم الى الحزب الشيوعي عن طريق معلم مدرسة في قريته وهو من قرية مجاورة، ومعلم المدرسة محمد القرشي مقصود به المرحوم سليمان النجاب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب. وكان سعيد الفلاح يتحلى بوعي كافٍ لاكتشاف ألاعيب“الشيخ” سلامة الذي ادعى قدرات خارقة، وهو محتال احتال على أبناء القرية، واستغل نساءها ورجالها، فهدده هو ورفيقه وأجبراه على الفرار الى حيث لا رجعه.

وسعيد الفلاح هو ذلك الفلاح البسيط الوفيّ، يمثل نقاء القرية وطهرها .. لم يسع في حياته الى مصلحة شخصية بمقدار ما سعى الى خدمة شعبه ووطنه.

وتتحدث الرواية عن الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982 وكيف تطوع الطلبة الفلسطينيون في جامعات دول أوروبا الشرقية للدفاع عن الثورة الفلسطينية، وعن مرحلة انشقاق عربي عواد عن الحزب الشيوعي الفلسطيني.

وواضح أن ذاكرة الأديبة وداد البرغوثي ترهقها كثيراً فهي تعتمد على بحر ذاكرتها منذ طفولتها المبكرة في سرد ابداعاتها الأدبية والفكرية، ولا يفوتنا هنا أن ننوه بروايتها الأولى«ذاكرة لا تخون».

الأسلوب:

لغة الرواية بسيطة سلسة فيها بلاغة وفيها مباشرة، وأسلوب الحكاية يطغى عليها، وكانت تجنح أحياناً الى ما يشبه التقارير الصحفية، كانت تؤرخ لحياة سعيد الفلاح– والدها– من خلال هذه السيرة كتبت الرواية الشعبية كسيرة لمناضل شعبي،وللتأريخ لجانب من تاريخ القضية الفلسطينية.

ورقة مقدمة "لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى